رئيس مجلس الادارة : محمد حبوشة
رئيس التحرير : أحمد السماحي

(الملك لير) ليحي الفخراني ثثير الجدل على المسرح القومي

بقلم الكاتب والناقد: ناصر العزبي

(الملك لير) إحدى كلاسيكيات المسرح العالمي، واحدة من التراجيديّات الهامة للكاتب العالمي (وليم شكسبير)، وهى من المسرحيات التي تخضع دائماً للتحليل والدراسة بأكاديميات الفنون وكليات وأقسام المسرح المتخصصة.

وهى لثرائها الدرامي وإمكاناتها الفنية العظيمة، قدمت وتقدم عروضها على المسارح الكبرى بدول العالم.

وقد أعلن المسرح القومي مؤخراً بدء التحضير لتقديم المسرحية (الملك لير) بإخراج للفنان شادي سرور، والتي يعود بها الفنان القدير (يحيى الفخراني)، إلى خشبة المسرح بعد غياب دام نحو 3 أعوام.

ويُشارك في بطولتها كلّ من (سهر الصايغ، وعابد عناني، وطارق الدسوقي، وحسام داغر، وسماح السعيد، وهايدي رفعت وعلاء قوقة)، ومن المقرر افتتاحها نهاية ديسمبر القادم.

وبمجرد إعلان الخبر أثير جدل واسع على صفحات التواصل الاجتماعي، حول تقديم الفخراني لهذه المسرحية.

ويأتي هذا الجدل على خلفية أن (الفخراني) سبق وأن قدم (الملك لير) مرتين على مدار مسيرته، الأولى عام 2001 لنفس فرقة المسرح القومي، بمشاركة (أشرف عبد الغفور، أحمد عبد الحليم، ريهام عبد الغفور، أحمد سلامة، سلوى محمد علي، نرمين كمال)، إخراج أحمد عبد الحليم.

والمرة الثانية قدمها المنتج مجدي الهواري بالقطاع الخاص عام 2019، بمشاركه (فاروق الفيشاوي، رانيا فريد شوقي، نهى عابدين، هبة مجدي، محمد فراج، نضال الشافعي، أحمد عزمي، محمد فهيم، أحمد فؤاد سليم، ناصر سيف)، وإخراج تامر كرم.

دار الجدل حول استفسارين الأول (لماذا الفخراني يقدمها للمرة الثالثة؟)، والثاني (لماذا ينتجها القومي للمرة الثانية؟)، وفيما يلي نتناول الأمر من زواياه الثلاث، الفخراني، الفرقة، قطاع الإنتاج.

من المؤكد أن الفنان يحي الفخراني فنان كبير وله رأي ورصيد من الخبرات التي يبني عليها اتخاذ قراره

(الملك لير) بين (الفخراني والفخراني)

من المؤكد أن الفنان يحي الفخراني فنان كبير وله رأي ورصيد من الخبرات التي يبني عليها اتخاذ قراره الصائب بالموافقة أو الرفض لأي عمل يشارك فيه، وأنه أو أي فنان من حقه أن يقدم الشخصية التي يحبها حتى ولو كررها.

وليبقى الحكم بعد ذلك على التجربة من المشاهدين والنقاد، فهي تجربة بمثابة تحدي (من الفخراني للفخراني)، فاختياره ليس من قبيل الاستسهال، وأنه حافظ الدور وفاهم الشخصية، فهو من المؤكد يعي أن عليه ألا يكرر نفسه، وأن الأمر في كل مرة يزداد صعوبة عن سابقه.

وأما الملاحظة الأساسية هنا أن الأداء في المرات الثلاث يحمل ثلاث رؤى مختلفة لثلاثة مخرجين مختلفين، وأن أداء الفنان وخروج الشخصية يكون من وجهة نظر المخرج.

وأن من يقع عليه الحساب أو المسائلة هو المخرج صاحب الرؤية حتى وأن فرض الممثل أدائه وكرر نفسه، فليُسأل المخرج في رؤيته أو انجراره وراء أداء الممثل دون توجيه أو تحكم، وليكن التقييم في النهاية للمستوي الفنى للعرض.

مشهد من عرض (الملك لير) في نسخته الثانية على المسرح القومي

(الملك لير) و(فرقة المسرح القومي)

بالطبع هذا أمر يستحق النقاش، لماذا (الملك لير) للمرة الثانية؟ وبالطبع هناك مكتب فني يسأل في ذلك في ضوء اللائحة المنظمة لذلك وفي حدود اختصاصه، بل ووجهة نظره كذلك يُسأل بشأن المخرج وأحقيته في الدور للإخراج بالفرقة ان كانت هناك قواعد عامة لتنظيم ذلك.

وإن لم تكن موجودة فليتم وضعها بما يتيح الفرص للمخرجين وألا يجور أحد على الأخر أو يمنع مخرج الحصول على فرصته.

أما عن اختيار المخرج لنص (لير) فهذا حق لا تدَّخل لنا فيه، وإن كان لدى الفرقة ما يمنع تكرار تقديم مشروعه، فمن الطبيعي أن يتقدم به لفرقة أخرى رسمية أو خاصة لتنفيذه، وله أن يختار من يختاره لدور (الملك لير) وفق رؤيته فلا حجر عليه.

أما إدارة الفرقة ممثلة في مديرها الفنان (د.أيمن الشيوي) فالأمر هنا يختلف، حيث أن دوره يأتي بعد تقرير اللجنة، وليس له أن يعترض، خاصة وأن طبيعة المشروع تتفق وفلسفة المسرح القومي.

 كذلك سيقدم في ظروف إنتاجية جديدة وبرؤية إخراجية مختلفة عن السابقة، وهو بالطبع يهمه التميز الفني للعرض، ويعي بأن عليه أن يوفر كل ما يكتب النجاح للعرض الذي يمثل فرقته.

 ومن المنطقي ألا يمانع في تقديم (الملك لير) أو أي عمل آخر على رأسه نجم فنان بقيمة النجم القدير (يحيى الفخراني) أو غيره، باعتبار أن الإيرادات غالباً ما ترتبط باسم النجم، بما يعمل على جذب الرعاة، وفي ذات الوقت يضمن تعويض تكلفة الإنتاج.

العرض من إنتاج المسرح القومي التابع للبيت الفني للمسرح الذي يرأسه الفنان (خالد جلال)، ويرأس قطاع شؤون الإنتاج الثقافي، ويسعى بكل تأكيد أن تقدم الفرق التابعة له أعملاً ناجحا فنياً وجماهيرياً، وتحقق أعلى الإيرادات.

وبالطبع يدعم جذب القامات الكبيرة إلى خشبة مسارح الدولة، وخاصة المسرح القومي العريق – أقدم مسارح المنطقة العربية – الذي يستحق وأن يوليه اهتماماً خاصاً، بوصفه بؤرة اهتمام المسرحيين في العالم العربي.

بقى أن أناقش ما تم طرحه عن فكرة (الريبرتوار) و(تكلفة الإنتاج)، فمن منطلق أن انتاج مثل تلك العروض يستلزمها تكلفة كبيرة.

 وان اللجوء لـ (الريبرتوار) بإعادة عرض المخرج الراحل (أحمد عبد الحليم) بنفس بطله (الفخراني)، وإن تغير باقى الكاست، وهي رؤية قصيرة النظر.

 فمن حيث الديكور، فمن المؤكد أنه ـ بعد مرور عشرين عاماً – فلن يعد له وجوداً بما يستلزم إعادة إنتاج كاملة من حيث الخامات والتكلفة، وهى تتساوى مع أي إنتاج لأي عمل جديد.

وأما من ناحية القسط فأن الأمر بالتأكيد سيتطلب تعاقدات جديدة لبروفات وعروض للممثلين، وأنها ستكون بنفس القيمة الحالية، نفس الأمر بالنسبة للملابس، وخطة الإضاءة، والموسيقى، إلى آخر بقية العناصر الفنية.

مع ملاحظة أن المخرج المنفذ لمثل تلك العروض يزيد تعاقده عن المخرج المنفذ للعروض الطبيعية نظراً لعدم وجود المخرج الأصلي للوفاة.

ويبقى السؤال: هل الأمر متعلق فقط بتوفير قيمة تعاقد المخرج؟!، وما العائد من تقديم رؤية قديمة للعرض، أليس من الأفضل تقديم رؤية معاصرة تجربة جديدة تنتمي للمرحلة وتشتبك مع اللحظة الآنية؟!

وممن اختلف على فكرة إنتاج العرض باعتباره تكرار، وأن تكلفة الإنتاج بالفرقة القومية – الأضخم بين فرق البيت الفني – حتى لا تؤثر على إنتاجات باقي فرق البيت الفني.

ويجب توفيرها لاستغلالها في تنفيذ عروض – لا عرض واحد – بما يستوعب كثير من المشاريع الفنية التي تقدم بها الكثيرين من المخرجين في انتظار دورهم.

وأجد أن في ذلك مغالطة، حيث أن كل فرقة من المؤكد محدد لها ميزانية في خطة البيت الفني السرح، وأن ميزانية هذا العرض من الميزانية المخصصة لفرقة المسرح القومي، مع اعتبارات دعمها من الرعاة ان وجد.

نحن نلفت نظر وزير الثقافة الدكتور (أحمد هنو) إلى ضروة التدخل لإنقاذ المسرح المصري

يجب تدخل وزير الثقافة

ننتهي هنا إلى، أنه لا توجد مشكلة إذن؟!.. بالطبع لا.

أولا: لأن إثارة مثل هذا الجدل – لكثير من الموضوعات – يعد ظاهرة صحية تعمل على تصويب المسار، وتلفت النظر إلى الكثير من الأمور، منها ما يستوجب الالتفات إليه والاهتمام بمراعاته، وهذا يعد عاملاً إيجابياً يساعد على تطوير الحركة المسرحية.

ثانياً: أعتقد أن هذا الجدل يتبدا على خلفية أمر يستحق المناقشة، ألا وهو الميزانية المخصصة للمسرح في وزارة الثقافة، ويكشف عن ضعفها بما أثار مخاوف الشباب من انتاج عرض مثل (لير).

مما يستدعي ضرورة زيادتها بما يستوعب أكبر قدر من المشاريع ويخفف من طوابير الانتظار وبخاصة للشباب منها.

أما الأمر الذي يطرح نفسه، فهو ضعف عدد مسارح الدولة بمصر والذي يكاد يصل إلى عدد أصابع اليدين، وألفت النظر لهذا في ذات الوقت الذي بدأت تتردد فيه أقاويل عن تهديد هذا العدد بفقدان بعض المسارح التابعة لمسرح الدولة خلال الفترة القادمة.

 بما يعد انتكاسة فعلية للحركة المسرحية بمصر، ويجعلني أقذف بالكرة في ملعب وزارة الثقافة لشغل اهتمام الدكتور (أحمد هنو) وزير الثقافة، ويكون ضمن أولوياته.

منتظرين التحرك منه على كافة المحاور الثلاثة المطروحة من (زيادة الميزانية) المخصصة للمسرح، (زيادة عدد منافذ دور العرض)، حسم ما يتردد بشأن (التهديد بفقدان عدد من مسارح الدولة).

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.