رئيس مجلس الادارة : محمد حبوشة
رئيس التحرير : أحمد السماحي

إبراهيم رضوان يكتب: مشوار مع صديقى المخبر!

بقلم الشاعر الكبير: إبراهيم رضوان

تأخذني الذاكرة دائما لديواني،، (الدنيا هى المشنقة).. حيث ألزم (المخبر) بمراقبة كل تحركاتي في المنصورة، والذي كتب مقدمته الأستاذ محسن الخياط.. أتذكر إهداء الديوان الذي كنت أقول فيه:

ولكل شاعر..

قال قصيدة جديدة.. وشديدة الحروف

ولكل واحد..

ضم واحد للصفوف

ولكل شاعر.. عمره ما نافق..

ولا دق الدفوف

ولكل واحد..

قلمه م الأكاذيب يعوف

ولكل شاعر..

عمره ما صلى لخوف

ولكل واحد..

حس قدام المراية بالكسوف

ولكل شاعر شهم..

يتحدي الظروف

ولكل واحد..

غني في وادي السيوف

ولكل شاعر..

شعره رغم إيمانه..

مرمي ع الرفوف

ولكل واحد..

حط كلمة حق قدام الضيوف

ولكل شاعر يا رفاق..

زيي أنا جوه الكهوف..

ولع في نفسه.. عشان يشوف

و..

وزير الداخلية (شعراوى جمعة) أعادني إلى المنصورة دون المكافأة

وزير الداخلية (شعراوى جمعة)

بعد انتهاء المؤتمر الأدبى تحت رئاسة وزير الداخلية (شعراوى جمعة) وعودتى إلى المنصورة دون المكافأة التي حجبت عنى – والتي كنت في أمس الحاجة لقيمتها المادية – لاحظت في اليوم التالى أن الشارع الذي أسكن فيه – شارع الورشة بطلخا – ملغم بمخلوقات من ذوى الجلابيب و الشوارب الضخمة تحوم حوله وحولنا.

كان جليا لى أن هناك غمامة سوداء قادمة في الأفق.. ولأن والدى قد قضى حياته صولا في الشرطة فقد كان يشتم الرائحة التي تحوم حولى.. لذا ما لبث – ودون أن يخبرني – أن كان يخرج لهم ببدلة الصول التي يحتفظ بها رغم خروجه علي المعاش.

ويخبرهم  أنه يشغل منصبا كبيرا في وزارة الداخلية.. وأنه يستطيع نفيهم إلي السلوم إذا حاولوا مضايقتي مرة أخري.. كانوا ينصتون لكلمات والدي وتهديده لهم ولا يعلقون.. وينصرفون.. وكأنهم يعودون إلى من أرسلوهم ليتأكدوا من المعلومة. 

ثم يرجعون بعد لحظات لأن عملهم يجبرهم على ذلك.. ولأن المطلوب منهم أن يراقبوني خلال هذه الساعات المكلفين بها .

كنت أخرج من الشقة فيتبعني هذا الذي يراقبني.. قررت أن أبادلهم التحية بأحسن منها.. أمشي مسافات طويله تتعدى العشرات من الكيلومترات.. أعبر كوبري طلخا.. أصل الى المحافظة.. تلفت خلفي لأجده ما زال لصيقا بى كظلى.

أصل إلى الاستاد.. أدخل المسجد الذي أمامه وأظل فترة طويلة في المسجد.. أخرج لأجده واقفا في انتظاري.. يترقبنى كطير يخشى الإفلات منه.. أكمل سيرى حتى (سندوب) وهو يواصل السير ورائي.

أنعطف إلى بداية طريق طويل جديد يوصلني الى ميدان (الشيخ حسنين) مرورا بجبانة المسيحيين.. ثم أبدا في رحلة شارع العباسي.. أعاود عبور كوبري طلخا مرة أخرى.. أصل إلى دكان (إبراهيم حكام) البقال الذي يسمونه بقال الغلابة..

أتناول ساندويتش جبنه بالطحينة.. وسندوتش عسل بالطحينة أيضا.. وأحاسبه على ثمن الخبز فقط كما يفعل كل سكان طلخا الذين يحضرون يوميا إليه ليتناولوا وجبة العشاء، ويأخذون معهم بعض السندوتشات ذات الغموس المجاني إلى عائلاتهم.

يحضر المخبر المسكين يجر قدميه.. وهو يرمينى بنظرات لوم – دون ان ينطق – على (هدة الحيل) بالسير عشرات الكيلومترات.. يسلم لاهثا على (إبراهيم حكام) الذي يرحب به.

أطلب منه مبتسما أن يقدم له سندوتش إلى (المخبر) عبارة عن جبنة وسندوتش عسل على حسابي.. كانت الرسالة واضحة للرجل الذى لم يلتفت ناحيتى، فقد كان  يبدو جائعا حيث التهم الساندويتشات  في لحظات.

ينظر (المخبر) له ولي بامتنان شديد.. أنظر إليه وأنا أضحك بود

ينظر المخبر لي بامتنان شديد

يقدم له (إبراهيم حكام) بعض السندوتشات الإضافية مع زجاجة مياه غازية، وقد فهم ما وراء التلميحات.. ينظر (المخبر) له ولي بامتنان شديد.. أنظر إليه وأنا أضحك بود، قولى بقى: انت  بتحب المشي السريع ولا البطئ؟ 

يتشاغل (المخبر) عنى بعينيه ولا يرد..  أكمل كلامي له: الظاهر انت كنت محتاج مدرب زي حالاتي تلف معاه للصبح .

يضحك الرجل (المخبر) ثم ينتبه فيتلفت حوله خائفا من أن يكون مراقبا مثلي هو الآخر.. يتناول منى سيجارة.. يشعلها بسرعه ليقول لي فى نفاذ صبر – يا راجل حرام عليك.. دا انت بهدلتني مشى.

طب مش تراعى سنى  وأنا قد أبوك.. وحياة دى النعمة مفاصلي دلوقتى ما أنا حاسس بيها.. ولا قادر أشد ركبي.. طب تصدق بالله؟

–       لا اله الا الله.

–       كذا نوبه  كنت عايز أقعد.. بس خفت لا تزوغ منى .

أضحك ضحكة يخالطها الشعور بالذنب تجاه هذا الرجل (المخبر) وأنا أقول في نفسى: –  هذا الرجل ليس له ذنب في مراقبتي ومراقبة أسرتي.. إنه مجرد عبد المأمور.. ولو لم يفعل لما وجد طعاما لأسرته.. أعرف طعم الجوع.. وقسوة أحكامه.. وقدرته على تهميش أي مبدأ أو قناعة، وتحويل الإنسان إلى آلة تنفذ الأوامر أيا كان نوعها.

يظل الرجل (المخبر) واقفا علي قدميه المتعبتين.. حتى تنتهي المدة التي حددوها له لمراقبتي.. كان في وقفته يبتعد عني حتى لا يراه أحد وهو بجانبي.. ولمزيد من الحيطة عند انصرافه  صافح (إبراهيم حكام) البقال و لم يصافحنى .

بعد أيام توصلت إلى حل لايرهق الرجل (المخبر) الذى عرفت فيما بعد اسمه (عم عطية).. فقد توقفت عن جره للعدو خلفى  في الحارات والشوارع والميادين والقفز على الأرصفة والفواصل الحاجزة العالية التي تحتاج منه إلى شخص آخر يرفعه للقفز فوقها واللحاق بي.

قررت فيما يشبه الاتفاق الضمنى بيننا أن أذهب الى نادي المعلمين وأجلس في مكان ثابت  حتي يتعرف (المخبر) على مكاني.. فيستطيع أن يجلس مستريحا  وهو يراقبني بسهوله.

يحضر في موعد معين حيث أجلس منتظرا ويجلس بعيدا عني.. أرسل له الشيبسي والبسكويت  والسجائر دون أن ألتفت ناحيته.. فيواصل مراقبتى ممتنا.

(محمد حافظ غانم) وزير التربية والتعليم يستدعيني

الوزير (محمد حافظ غانم)

استيقظت صباحا علي دقات متسارعة على باب الشقة المفتوح دائما ونداء عال متعجل بإسمي.. خرجت فوجدت الأستاذ (إبراهيم موسى) كبير مفتشي التربية والتعليم بالدقهلية، الذي يسكن على بعد خطوات من منزلي قد حضر ليبلغني فزعا  أن الوزير (محمد حافظ غانم) وزير التربية و التعليم يطلب حضورى بالاسم.

أجبته: إنني سأذهب له بعد أن أتسلم مرتبي غدا.. فقال معقبا في تصميم: لن تتسلم مرتبك إلا بعد مقابلة سيادة الوزير..هذه تعليمات عليا!

أبلغت والدي و والدتي أنني ذاهب لمقابلة الوزير.. قام والدي وأحضر بذلته الرسمية ليصاحبنى  قائلا: سأبلغه أننا أقرباء لحسين الشافعي، وحسين الشافعى كان من أبرز الضباط الأحرار.

وكان  وزيرا للحربية عام 1954 ووزيرا للشؤون الاجتماعية ورئيسا لمحكمة الثورة التي حاكمت الضباط المنضمين إلى التمرد الذى قاده المشير (عبد الحكيم عامر) على الرئيس عبد الناصر عقب هزيمة يونيو 1967 ونائبا للرئيس حتى عام 1969 حينما أصبح أنور السادات نائبا للرئيس بعده.

أقنعت والدى بأن لا لزوم لحضوره.. في الصباح توجهت إلى وزاره التربية والتعليم بشارع القصر العيني بالقاهرة.. كان معي نسخة من ديواني (الدنيا هى المشنقة) مقررا إهدائها للوزير!

حاجات فى بر مصر

فى مصر.. داسوا فوقك

خرتيت.. ومعاه تِيُوس

عايز تعرف طريقك

انضم للصوص

……………………….

هاتيجى (القلعة) زاحف

لو تنطق الحروف

خليك ويا الزواحف

وسَرّح للخروف

……………………….

هاتقولى شِعر… قُولها

وسلم ع (الكلبش)

التهمه يا اللا شيلها

هاتبقى فى لحظه ( كبش )

……………………….

جنب الحيطة اللى مايلة

خليك جوه الضلامة

الحُكم بدون مداولة

ينعل أم الكرامة

……………………….

ياعم الحاج روَّح

هاتقول لسِيدنا إيه

لو ناوى يوم تبجح

عمرك ما تبقى (بيه)

……………………….

أمن الدولة اللى باصص

عليك.. دايما مراقبك

بكل حاجة حاسس

حتى بدق قلبك

……………………….

مش همك م العساكر

إزاى.. والمخبرين

خليك يا صاحبى فاكر

(العلقه) من سنين

……………………….

فى الندوة الأخرانيهة

قعدولك ع الكراسى

ما تبيع ورق القضية

وقول أنا كنت ناسى

……………………….

الناس مش داريه حاجه

وفاقده كل شئ

صاحب البلد خواجة

أيوه.. ولا لك طريق

……………………….

إعلنها.. قول يا باسط

وبسط الأمور

الدنيا يا صاحبى هاصت

والشِعر .. حروفه زور

……………………….

حاجات فى بر أرضك

هاتصيبك بالجنون

يا شِعر.. الناس فى عرضك

ما تخافش م السجون

……………………….

يا مصر فوقينى

على صوت الثوره تانى

لو مُت.. سبلينى

أنا عمرى ما كنت جاني

……………………….

عطشان والميّه جنبى

والنهر مش غويط

بيدق ليكى قلبى

وبيبنى ليكى بيت

……………………….

دفينى إيدى تلجه

وروحى دايبة فيكى

ما عادشى ليكى حِجة

لازم تشوف عنيكى

……………………….

يا مصر الصحبجيّه

واللمه والصديق

براكين الثورة جايّه

تحطم كل شئ

من كتاب (مدد.. مدد)

سيرة ذاتية لبلد

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.