كتب: محمد حبوشة
ليس مهما أن يؤدي (حمو بيكا) مهرجاناته البزيئة في أمريكا، حيث أقام عدة حفلات في أكثر من ولاية، ولكن الذي صدمني وصدم الكثيرين غيري أنه تم استقباله حيثما اتجه ملفوفا بالعلم المصري، ما ينذر بعواقب وخيمة جراء رمزية هذا الفعل الذي يهدد الهوية المصرية ويضربها في مقتل!
وتلك هى (أم الكوراث)، حيث يعكس هذا أن هناك مؤامرة على الهوية المصرية بحسب العقلاء في هذا الوطن، الذين علقوا على ذلك عبر السوشيال ميديا، وأكدوا بأن هذا أمر في منتهى الخطورة، لأنه بهذا التصرف الساذج، يمكن أن يهدد هويتنا المصرية عبر ثقوب تعتري ثوب الحضارة المصرية العريقة التي عرفها العالم منذ فجر التاريخ.
استقبال (حمو بيكا) ولف الجمهور المصري في أمريكا العلم حول عنقه يشير إلى دلالة مهمة بأن هذا التافه أصبح رمزا مصريا (برعاية أمريكية)، عندما يتم الاحتفاء به في أكبر دول العالم، وهذا الأمر يرسخ لـ (نظرية التفاهة) لصاحبها الفيلسوف الأمريكي (آلان دونو).
ربما يرى بعض الناس إلى أنني أميل للمبالغة أو أجنح نحو نظرية التآمر، ولكنها الحقيقة المرة ياسادة، لو نظرنا إلى عمق ظاهرة الترويح لأمثال (حمو بيكا) وهؤلاء السفهاء الذين يرون أنفسهم نماذج من الكفاح في الحياة ينبغي أن يحتذي بهم الشباب، فإن تلك بالضرورة هى المعضلة في عصر السوشيال ميديا.
(حمو بيكا) وأمثاله من غربان المهرجانات الذي ينعقون ليل نهار في أفراحنا ومقاهينا وشوراعنا في (الميكروباصات والتكاتك) وغيره من وسائل المواصلات العامة والخاصة – للأسف – كانوا قد تواروا قليلا، لكنهم عادوا من جديد (بفعل فاعل) كي يحتلوا مساحة تسمح لهم بممارسة أفعالهم الرجيمة للعبث بالذائقة المصرية.
جريمة فى حق البلد
الملحن الكبير الراحل (حلمى بكر) – رحمة الله عليه – كانت له العديد من اللقاءات التلفزيونية والتصريحات الصحفية يحذر فيها من انتشار ما أسماه بأنواع الفن الهابط مثل (حمو بيكا) وأمثاله، وأن الأمور قد تتجه للأسوأ ولن يتمكن أحد من إيقاف ما ينتجوه فيما بعد.
وهذا ما أكد عليه قائلا: (نتحدث دومًا عن الاعتناء بالشباب لأنهم المستقبل، ومن هذا المنطلق لابد النظر لهؤلاء الشباب الضائع المنتشرين على المواقع ويدعون أنهم يغنون، وعندما تستمتع لمن يغنون، تجده جريمة ترتكب فى حق البلد أكثر من العمارات المخالفة).
ويضيف الملحن الكبير: (أطالب بمداهمة مواقع الأغانى الهابطة، ونحن لدينا قانون طوارىء، يتم اتهامهم بالإساءة للذوق العام لأن من يسمع تلك الأغانى بالتأكيد (هيلطم من كثر القبح)، مضيفا: (إذا طالعت موقع توك توك أو المهرجانات الفلانى، ستجد محتوى أقل وصف له بأنه دعارة فنية).
وتابع بكر: (للأسف الأصوات الرديئة تؤذى الأصوات الجيدة، فهى مثل حشرات الزرع التى تتغذى على الثمار الصالحة، وتسيء للذوق العام، فكيف يمكن لموهبة جيدة تظهر وسط هذا المستنقع)، مشددا على ضرورة تطهير عالم الفن من مثل هذه الأصوات.
وأذكر بما كتبته هنا قبل ثلاث سنوات، مستنكرا ومحذرا من ظاهرة (حمو بيكا) ورفاقة قائلا: بحسب أفلاطون: الغناء بمثابة حب الطبيعة، وهذا ما يصنع لغة مشتركة يمكن أن تتجاوز الحدود السياسية أو الاجتماعية، لأنه يعرض جهازنا الحسى لوابل مستمر من الصور السريعة الحركة، والموسيقى، والمؤثرات الصوتية
وهذا بطبيعة الحال يؤدى فى نهاية المطاف إلى أن تصبح قدراتنا على اتخاذ قرارت عقلانية إزاء أى شىء أمر ليس صعبا، وفى هذا يقول الفيلسوف اليونانى الذى عاش عصر أثينا الكلاسيكي: (سيصرخون ضد الغناء وسيغنى الشعب.. سيصخرون ضد الموسيقى وسيطرب الشعب..
سيصرخون ضد التمثيل وسيحرص على مشاهدته الشعب.. سيصرخون ضد الفكر والمفكرين وسيقرأ لهم الشعب.. سيصرخون ضد العلم الحديث وسيتعلمه أبناء الشعب).
سيصرخون ويصرخون وسيملأون الدنيا صراخا، وسترتفع أصوات مكبرات أصواتهم وستنفجر قنابلهم وتتفرقع رصاصاتهم وسوف يكونون فى النهاية ضحايا كل ما يفعلون، وسوف يدفعون الثمن غاليا حين يحتقرهم الجميع ويرفضهم الجميع ويطاردهم الجميع.
وكأن لسان حاله يقول بأن الغناء والفن هو علاج لكل معضلاتنا إذا توافرت أصوات شجية فى وقت يندر فيه أن توجد فى عالم الطرب والمطربين (ممن يستحقون أن يلقبوا بالمطربين)، ما بالك بما يسمى بالمهرجات الغنائية التي تجمع بين قبح الشكل والمضمون على حد سواء.
فرض لونه الرديئ
ومن ضمن هؤلاء ظاهرة (حمو بيكا) الذي فرض لونه الرديئ على كل البيوت المصرية بفضل تبجح بعض الإعلاميين الذين يستضيفونة عنوة وتكتب بعض الصحف أخباره في تبجح من أجل ركوب الترند.
ولأن ما يقدمه (حمو بيكا) وأمثاله مرتبط بثقافة البلطجة والتحرش والعدوان أكثر مما يرتبط بالحب والغزل والرومانسية والعتاب، لذا كان لابد لي من التطرق إليه ظاهرة هذا (العجل الاسترالي) على وجه التحديد، الذي وصل صيته الآن إلى أمريكا وأصبح رمزا من رموز الفن المصري، ولايهم إن كان هابطا أو رديئا!
ويبدو في الظاهر أن (حمو بيكا) يضحك الجمهور بتلك الأفعال في أثناء تأديته المهرجان، لكنه فى الحقيقة يضحك على الجمهور.. ويضع يده فى جيوبه يغرف منها مايشاء دون أن يشعر هذا الجمهور الطيب الباحث عن الضحك.
والمشكلة أن مايفعله هذا (البغل) من استعراض ثرواته ورفاهيته التى طبت عليه من الترندات تحول الى قدوة ورمز لجيل سطحى عشوائى يبحث عن الثروة دون تعب أو بذل جهد وموهبة حقيقية تؤهله لذلك مما حول الحياة إلى تفاهة وبلطجة فنية.
وبمناسبة البلطجة الفنية فهذا الـ (حمو بيكا) الباحث دائما عن (الترند) أصبح (الترند) نفسه يبحث عنه.. ومشاكله أصبحت مشهورة بحجم سذاجته الغنائية.. فلأنه ليس فنان حقيقي يتمتع بالوعى والثقافة، ولأن ما أصبح فيه هو وليد الصدفة لا الموهبة فهو لايصدق نفسه بل أصبح يرى فى نفسه أنه نجم وفوق الحساب.
وأخيرا أقول: مايجب أن يفهمه (حمو بيكا) ومن على شاكلته أن الفنان الحقيقي يتباهى به الجميع ويتمنوا القرب منه جراء تصرفاته الأخلاقية وتسامحه مع الناس، ولا يتباهى بنفسه.
أما مدعى الفن من أصحاب المهرجانات أولئك الذين يغنون بذراعهم فهؤلاء ظواهر وفقعات إلكترونية هبت علينا مثل الجراد الأحمر القادم من الجنوب في العادة، ومع ظهورهم وغيرهم يستطيعوا إضحاك الجمهور لفترة مؤقتة.
لكنهم لن يتمنكوا طويلا من الضحك عليهم وحتما ستختفى هذه الفقعات ما يقدمونه هو بمثابة خروج على قيم المجتمع وانحدارا بالذوق العام.. لذا ينبغي مطاردتهم قبل أن يستغلهم المتآمرون على مصر وتشويه وجهها بأمثال هذه الخفافيش التي تسعى للخراب في الظلام.
انتبهوا لمؤامرات الغرب الذي فشل في مواجهة مصر على المستوى السياسي والعسكري، فسعي إلى مسخ الهوية بالترسيخ لما يطلق عليه (فن حمو بيكا) مستخدما نظرية التفاهة التي تستهدف ضياع الهوية.