رئيس مجلس الادارة : محمد حبوشة
رئيس التحرير : أحمد السماحي

عصام السيد يكتب: كوارث تهدد (المسرح) بالتوقف!

هل هناك مخطط للخلاص من (مسرح) القطاع العام؟

بقلم المخرج المسرحي الكبير: عصام السيد

غبت عن القاهرة لفترة قصيرة توقفت فيها عن استكمال مقالاتى عن مستقبل الثقافة في مصر، والتي كنت أنوى استكمالها لعلها تجد أذنا صاغية أو على الأقل تثير حراكا في الحركة الثقافية، ولكن أحداثا وقعت حول (المسرح) قبل سفرى وبعد عودتى جعلتنى أصاب بالخوف والهلع على حاضر الثقافة المصرية – وليس على مستقبلها – بل ألح على سؤال: إذا كان هذا هو الحاضر، فهل هناك مستقبل؟!

عدت الى القاهرة لأجد المسرحيين مشغولين بمعاركهم عن (المسرح)، مثل تكريم فلان وهل يعاد العرض الفلانى؟ وهى معارك قصيرة النظر لأنها تشتعل لأوهى سبب، وتحتد الى درجة تبادل الاتهامات و السباب المعلن و المغطى.

وتستنفر (كلاب الصيد) التي تتبرع لتهاجم بضراوة كل من انتقد أو خالف السائد ظنا أنها وسيلة للتقرب من المسئولين الذين يعتقدون أن أي انتقاد هو انتقاص منهم و كأن أي حديث هو طعن فيهم،  في حين أن الأمر لا يستحق كل هذا.

ولكنى أعتقد أن تلك المعارك هى الظاهر الذى يخفى باطنا أكبر، إنها صراعات تخفى خلفها احتقانا شديدا نتيجة لتقلص الإنتاج المسرحى، وانعدام الفرص الحقيقية، فأى مراقب واع لحركة (المسرح) سيجد أن مسرح القطاع العام قد قلت (كمية) عروضه عن السنوات السابقة، و لتلك الظاهرة أسبابها

أولها: أن تضاعف الأسعار على مدار السنوات الماضية مع عدم زيادة الميزانيات المرصودة للإنتاج، أدى بشكل طبيعى الى تقلص هذا الإنتاج.

ثانيها: أن هناك عشرات المعوقات الإدارية و المالية المفروضة على وزارة الثقافة التي تكبل إنتاج (المسرح) والتي شرحنا جزءا منها بالتفصيل في مقالات سابقة مما أدى الى أن ظهور أي عرض معناه أنه اجتاز بحورا من المعاناة.

ثالثها: أصبح مسرح الدولة مطالبا بتحقيق إيرادات وإلا توقفت العروض أو تقلصت إلى 4 أيام في الأسبوع كحد أقصى، في حين أن الرواج وتحقيق الإيرادات يتطلب وجود نجوم، فكيف نحقق لهؤلاء النجوم مطالبهم في ظل أجور هزيلة لا تعترف بواقع الحياة الآن؟

رابعها: في حين يتم مطالبة مسرح الدولة أن ينافس القطاع الخاص يتم تكبيله في كل شيء حتى في الدعاية لتجد أن العروض معظمها سري، إن لم يبذل أصحابها جهدهم وأموالهم – أحيانا – لترويجها – ونتج عن ذلك أن جماهير (المسرح) المستهدفة أصبحت لا تعرف أن هناك نشاط مسرحى في مصر!

كل هذه الظروف لابد و أن تصيب فنان (المسرح) بالإحباط، وأن يتخيل كل فرد في الحركة المسرحية أنه المظلوم الوحي، فتراه يكره الأجيال القديمة، لتصوره أنها تسرق حقه في الظهور و التألق.

في حين تشكو الأجيال الأقدم من التهميش والوقوع في خانة النسيان والتجاهل، والنتيجة الطبيعية أن يصاب الجميع بكراهية ان يتفوق شخص، أو ينال فرصا متوالية بينما آخرون يتعطلون بالسنوات.

لم تتم اعمال الصيانة بالمسرح القومي لأجهزته سواء أجهزة الصوت أو الإضاءة

غياب الصيانة في (المسرح)

في حين غاب عن المسرحيين أن هناك ما هو أهم و أجدى، فالصراع على الفرصة او التواجد لابد أن يسبقه وجود مال للإنتاج ووجود أماكن للعرض، ولكن الغالبية لاتنتبه لهذا !!

و في وسط تلك المعارك لم يتكلم أحد عن دور العرض المتهالكة في (المسرح) والتي تفتقر إلى الصيانة الدورية، والتي كانت نتيجتها هى خروج عدة مسارح من الخدمة مؤقتا.

وهى على التوالي مسرح (متروبول) ثم (المسرح القومي) – الذى تم اغلاقه لمدة أيام – وحاليا مسرح (الهناجر)، وبداية لابد أن أعترف أن مشكلة الصيانة أكبر من أي مسئول في ظل اللوائح و القوانين الحالية.

ولكى أوضح سنضرب مثلا بالمسرح القومى الذى تم افتتاحه عام 2014، ومنذ افتتاحه لم تتم اعمال صيانة لأجهزته سواء أجهزة الصوت أو الإضاءة، والتي أصبحت تصاب بالأعطال بشكل مستمر.

وهذا أمر طبيعى في ظل عدم وجود (مهندسى صيانة)، برغم مطالبة الكيان الذى قتل في مهده والمسمى (مجلس أمناء المسرح القومى) بضرورة وجود هؤلاء المهندسين، ولكن الدولة توقفت عن التعيين في جهازها الحكومي!

ربما ظن البعض أن (المسرح) القومي حالة خاصة بسبب النزاع القضائى بين الشركة المنفذة لتجديده و وزارة الثقافة ، و لكن الأمر ينسحب على كافة المسارح.

فلكى تتم أعمال الصيانة لابد أن يتعاقد قطاع الإنتاج الثقافي – و ليس كل مسرح على حدة – مع شركات صيانة متعددة منها ماهو للتكييفات، ومنها ماهو لأجهزة الإضاءة ومنها ما هو لأجهزة الصوت.

وهنا سنجد معضلات كبرى لا تحلها الا المعجزات أولها هو تعدد أنواع تلك الأجهزة ولكن لا يجوز التعاقد مع أكثر من شركة لنفس الصنف، وعلى المسئولين أن يختاروا الشركة الأرخص و ليس الأجود.

هذا بالطبع في حال توافر البند المالى لكل هذه التعاقدات، وهو ما نشك فيه، وفي حال التوافر سيتم طلب قطع غيار بشكل دورى فمن يتحمل تكلفتها؟ القطاع أم شركة الصيانة؟

وإذا خرجنا من تلك الورطة فكم من الوقت سيستغرق شراء مجرد لمبة في ظل الإجراءات المالية من مناقصات لها شروط، ولابد لها من إعلان.. إلى آخر تلك الديلمة؟

صدر قرار مؤخرا بإخلاء المسرح العائم (مسرح فاطمة رشدى)

إخلاء المسرح العائم

وهل يجوز للقطاع الشراء؟ فمن المعروف أن هناك جهازا حكوميا يقوم بعمليات (الشراء الموحد) ولا يجوز تخطيه، و أبسط الأمثلة أن ينتهى ورق الطباعة من مسرح ما، فعليه انتظار العام المالى الجديد لنيل حصته أو يتحمل صاحب أي نص أو المخرج طباعة النسخ للممثلين والفنيين.

وإذا تركنا الحالة العبثية تلك سنجد على الجانب الآخر أن الشركات التي تنتج أجهزة الإضاءة والصوت تطور أعمالها باستمرار، ولا تنتج قطع غيار للموديلات القديمة بل تدفعك دفعا لشراء جهاز جديد.

فهل يوجد لدينا جدول إحلال زمنى للأجهزة التي انتهى عمرها الافتراضى؟، هل هناك إمكانية مادية وإدارية للإحلال والتبديل بشكل دورى؟، وتكون نتيجة السكون وعدم التجديد أن يتم صرف مبالغ طائلة لإيجار معدات لتجهيز المسارح أثناء المهرجانات الدولية، كما حدث في الدورة الأخيرة من المهرجان التجريبى!

يضاف إلى ذلك أن معظم الأجهزة يعمل عليها فنيين بعضهم يجهل أى لغة، فكيف يتعامل مع جهاز مكتوب عليه بالإنجليزية – حتى لو تم تدريبه عليه لمدة شهر – هل يستطيع أن يفتح الكتالوج ليستطلع أمرا ما؟

وهنا لابد ان نضع هامشا لسوء الاستخدام، وفي هذه الحالة هل ستقبل شركة الصيانة التعامل مع هذا الهامش؟ أم ستسعى لتحميله للعامل المسكين الذى استلم الجهاز كـ (عهدة).

وإذا تركنا أمر الصيانة – التي تهدد (المسرح) بالتوقف – سنجد كارثة أكبر تهدد وجود مسارحنا نفسها، فلقد صدر قرار مؤخرا بإخلاء المسرح العائم (مسرح فاطمة رشدى)، والذى يضم مسرحين هما العائم الصغير و العائم الكبير.

ويقال أنه صدر قرار بعدم تجديد التعاقد على إيجار مسرح السلام من أكاديمية البحث العلمى، وهناك شائعة أخرى قوية باقتطاع جزء من مسرح البالون لاستكمال توسعات كوبرى 15 مايو، فإذا فقدنا خشبات (المسرح) فماذا يتبق لنا؟، فهل تلك بداية الخلاص من مسرح القطاع العام بالكامل؟

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.