كتب: محمد حبوشة
صحيح أن قضية الابتزاز الجنسي عولجت في كثير من مسلسلات الدراما العربية خلال السنوات القليلة الماضية، لكني أرى أن المسلسل الكويتي (فعل ماضي)، جاء قويا وواقعيا وجريئا في إطار معالجة هذه القضية الشائكة، والتي أصبحت ظاهرة منفرة في مجتمعاتنا العربية، مع ظهور الموبايل ومواقع التباعد الاجتماعي.
هذا الأمر يوضح أن السنوات الماضية شهدت نقلة نوعية في صناعة الدراما الخليجية، خاصة مع التغيرات الكبرى التي يشهدها قطاع الترفيه في السعودية، إذ أدت هذه التحولات إلى تطور ملحوظ في الأعمال التي باتت تنافس الإنتاجات العربية الأخرى.
فبالتزامن مع ارتفاع قيمة الاستثمار في قطاع الدراما، شهدت الأعمال الخليجية تطورا ملحوظًا على مستوى النصوص والمواهب الفنية الجديدة، فضلا عن التنوع في الموضوعات والأساليب.
ومن هنا فإن مسلسل (فعل ماضي) من تأليف (علياء الكاظمي)، وإخراج (عبد الله بوشهري) تصدر المشاهدات خلال الأسابيع الخمسة الماضية على منصة (شاهد)، حيث جاء واقعيا لدرجة مؤلمة حين ناقش المسكوت عنه ورد الفعل الظالم والقاسى للمجتمع لغلط البنت والتغاضى عن نفس الغلط للراجل.
ناقش (فعل ماضي) الجانب الآخر من الشخصيات اللى تظهر بمظهر المثالية وفى الخفاء تكون من أبشع ما يكون لذا كان المسلسل قويا على مستوى المعالجة التي قابلها استمتاع الجمهور بمشاهدته جدا نظرا لواقعية القضية.
ويشير الواقع العربي، إلى إقبال ملحوظ على جرائم الابتزاز الإلكتروني، لاسيما على ابتزاز الإناث عبر نشر صور حقيقية أو مفبركة لهن على منصات التواصل الاجتماعي، أملا في الحصول على مكاسب منهن، سواء كانت جنسية أو مادية.
ويبدو أن هذا الهوس بالإناث والإقبال الملحوظ على أداة الصور الفاضحة الضاغطة، جعل البعض يعتقد أن الابتزاز الإلكتروني، هو الضغط على امرأة أو فتاة أو طفلة، لإقامة علاقة جنسية بالتهديد بمحتوى جنسي منشور عبر الإنترنت، سواء كان المحتوى حقيقيا أو مفبركا، ما يؤدى أحيانا إلى إنتحار الفتاة (المبتزة).
طرح المسلسل المشكله والحلول
وأزمة الانتحار تلك هى ما حاولته (هند) بطلة مسلسل (فعل ماضي)، لذا طرح المسلسل المشكله والحلول بطريقة احترافية على عكس ما طرح في نظيره من مسلسلات في هذا الشأن، صحبه روعة التمثيل والأداء، على مستوى القصة والسيناريو والحوار جاءت الحبكة الدرامية بطريقة متقنة.
قصة (فعل ماضي) تحكي محاولة (سعود/ محمود بوشهري) تخطي صدمته ويتزوج من (ريتاج/ زينة مكي)، وتتعقد الأحداث إلى أن نصل إلى نهاية أعجبت البعض بينما اعترض عليها غيرهم.
كما سلط المسلسل الضوء أيضا على شخصية (هند/ شجون الهاجري) التي وجدت نفسها في مواجهة علاقة سابقة تهدد بكشف ماضيها، هذه القصة القوية لاقت تفاعلا كبيرا من الجمهور الخليجي، وجعلت العمل واحدا من أكثر المسلسلات مشاهدة في هذا الموسم.
وأثبت مسلسل (فعل ماضي) أنه لم يكن التطور في الدراما الخليجية مقتصرا على التلفزيون فقط، بل استفادت الصناعة من انتشار المنصات الرقمية التي قدمت أعمالاً درامية قصيرة ومتنوعة تتراوح بين 10 إلى 15 حلقة.
ربما استهل مسلسل (فعل ماضي) بالسؤال: (هل هو ماضي مؤلم؟)، حتى يجعل أبطاله في حالة من السرحان الدائم، وهنا نتحدث عن (هند) النجمة (شجون الهاجري)، التي تعمل كمصممة أزياء خاصة بالسيدات وتتمتع بصيت ذائع في هذا المجال.
ورغم مكانتها المهنية والاجتماعية التي تبدو أنها مستقرة للغاية خاصة وأنها متزوجة من طبيب تجميل شهير وهو (سعود) النجم (محمود بوشهري)، إلا أنها تقوم بأمور وتصرفات ربما تكون غريبة للمشاهدين وللمحيطين بها في المسلسل.
وهى دخولها في حالة من السرحان التي تجعلها تبكي، وكأنها تتذكر أشياء من الماضي سببت لها الآلام، وهذا يجعلها تخرج سريعا من لحظات السعادة التي تجمعها بابنتها وزوجها وفي أي مناسبة أخرى.
رسالة من الماضي
ومع وتيرة الأحداث السريعة – عبر 8 حلقات تبعد تمام عن الملل والتكرار – فقط تزداد التكهنات حول أن الشخص الذي يدعى (براك) الفنان رائع الأداء (علي كاوكولي)، كانت تربطه علاقة قديمة بـ (هند) والدليل على ذلك هي محالاوت الهروب التي كانت تقوم بها في الأماكن التي تجلس بها مثل (الكافيهات).
وذلك أثناء رؤيتها لشقيقته أو أي شخص قريب منه، أو حتى (براك) نفسه الذي بدأ في الظهور دون التحدث معها، وكأنه يريد أن يوصل لها رسالة من الماضي.
علامات الاستفهام التي أحاطت بـ (هند) أحاطت أيضا بزوجها (سعود) ولاسيما حول السبب وراء زواجه منها، خاصة وأن لديه علاقات نسائية متعددة بحكم طبيعة عمله.
التعرض للابتزاز من أجل الحصول على أموال كثيرة هو جوهر قصة (فعل ماضي)، باعتبارها مشكلة كبيرة تواجه الكثير من الفتيات اللاتي يقعن في فخ (الحب والغرام) من قبل أشخاص يغررن بهن، ولكن سريعا تنكشف نواياهم السيئة، بطلب مقابل مادي لحذف المبتز للصور التي في حوزته.
هذا ما حدث في علاقة (نورة/ أسرار دهراب) و (براك) ، وتماشيا مع عبارة (البدايات هي الأجمل) بدأت علاقتهما رومانسية للغاية، ولكن انقلبت الأحوال 180 درجة، عندما فاجأ (براك) ضحيته (نورة) بوجود صور لها على هاتفه تظهر من خلالها بطريقة مخجلة.
ولم يتوقف عند هذا الحد بل قرر (براك) في أن يجعل صدمة (نورة) مضاعفة عندما ساومها على مبلغ مالي كبير قائلا في تبجح ينم عن نذالته وغياب ضميره: (الستر أم الفضيحة؟)
وبعيدا عن الصورة السابقة هناك قصة حب أخرى، نراها في الكثير من الفتيات اللاتي لا يستطعن التخلي عن حبهن القديم الذي يظل في مخيلتهن رغم ارتباطهن بشخص آخر، وهذا ما حدث بالفعل في في علاقة (مناير/ فرح المهدي) وشاب يدعى (عيسى)، الذي قرر التخلي عنها عقب ارتباطها رسمياً بشخص آخر.
إلا أن (مناير) ظلت تطارد (عيسى) حتى لا يتخلى عنها في ظل رفض الأخير الدائم، وهناك حالة جديدة نراها أيضا في عدد من الفتيات اللواتي يضعن شروطاًحال توافرها يتخذن قرار الزواج، هذه الحالة تتمثل في طبيبة التجميل (ريتاج).
والتي وضعت شروطا في شريك حياتها، أبرزها أن يكون مستواه التعليمي عاليا كحصوله على شهادة من إحدى الجامعات إلى جانب تمتعه بمستوى مادي يشبه مستواها .
براعة أداء (شجون الهاجري)
يحسب لصناع العمل الأداء الاحترافي لكل من (شجون الهاجري) التي تمتعت بلغة جسد رائعة تجعلها في مصاف نجمات الخليج، ومحمود بوشهري يأداء ناعم يعكس موهبة كبيرة، (مصطفي كاكولي) الذي استخدم أسلوب الحرباء بطريقة متقنة، وبالتأكيد يرجع النجاح للقصة السيناريو والإخراج.
وسجل المطرب الإماراتي الكبير (حسين الجسمي) حضورا مميزا حيث يغني تتر المسلس، بعد فترة من غيابه عن غناء شارات المسلسلات الخليجية، والأغنية من كلمات الشاعر أحمد الصانع، وألحان ياسر بو علي، وتوزيع موسيقي براك المطوع، وتقول كلمات الأغنية:
فعل ماضي، أبد ما كنت به راضي
أنا مشغول بك، ما كنت له فاضي
في هالدنيا البشر تخطي وتتعلّم
حبيبي… لا تحاسبني على الماضي
وجاءت الموسيقى التصويرية في مسلسل (فعل ماضي) بلمسات مؤلفها بحيث تعتبر جزءًا رئيسياً من نجاح العمل، حيث جاءت هادئة في الكثير من المشاهد معبرة عن حالة الحزن الذي عاشها بعض من أبطال العمل تارة، ومعبرة تارة أخرى عن حالة الصراع التي تدور بداخلهم، وبالتالي فهى جاءت انعكاساً لحالة الممثل ومواكبة لحركاته وانفعالاته وانكساراته.
ظني أن هذا المسلسل على قلة عدد حلقاته (8 حلقات فقط)، سيصبح علامة بارزة في تاريخ الدراما الخليجية التي اتجهت مؤخرا لعرض القضايا الشائكة والمسكوت عنها لسنوات طويلة، والتي سبقت فيها الدراما السورية كل الدرامات العربية تحت عنوان (دراما الجرأة الاجتماعية) منذ تسعينيات القرن الماضي.