رئيس مجلس الادارة : محمد حبوشة
رئيس التحرير : أحمد السماحي

محمد عبد الواحد يكتب: (مرجريت فهمي) تقتل الأمير المصرى (3)

القصة الحقيقية لأول فيلم مصري ناطق

بقلم الكاتب والأديب: محمد عبد الواحد

بعد تكرار المشاجرات بينها و بين الأمير المصرى الصغير (على فهمي) بدأت الحسناء الفرنسية (مرجريت) تفيق من وهمها بأنها قد ملكت قلب وعقل الأمير الصغير العاشق.

وفي كل يوم بعد الزواج كان نيجاتيف صورة الأمير يظهر لها وحشا اتضحت معالمه حينما رفعت صوتها عليه على سطح اليخت المتجه بهما إلى رحلة شهر العسل ليهوى على وجهها بصفعة هائلة أمام الجميع.

وعندما وصل بهما اليخت إلى الأقصر كان الأمير قد أعد احتفالا لزواجهما دعى إليه عشرات من الشخصيات المصرية والأوربية على رأسها الجنرال ماكسويل القائد العام لجيش الاحتلال البريطاني.

وقد ظهر العروسان أثناء الحفل في أوج أناقتهما مع إظهارهما لبالغ السعادة المزيفة.. أقيم الحفل في وادى الملوك بالقرب من قبر توت عنخ آمون.. تكررت خلال شهر العسل مشاجراتهما لأوهى الأسباب حتى أصبح السباب المتبادل بينهما من مفردات قاموس تعاملهما اليومي.

لكن ما تعجب له المحيطون أن كل مشاجرة كانت تنتهى بينهما بالصلح.. كانت (مرجريت) تثير غيرته عمدا، فيردها بغيابه عنها مع سكرتيره (سعيد العناني) لأيام، و بعد عودته تنتهى مشاجرتهما بأن يقوم الأمير بضربها.

و في يوم وقع بصر الأمير على ورقة نشاف كانت (مرجريت) تكتب عليها فأخفاها في جيبه، و حينما قرأها منفردا رأى فيها استغاثة كانت تكتبها لترسلها إلى محاميها تخطره فيها بأنها سجينة لدى الأمير، و تطلب التدخل لإنقاذها.م

ما جعل الأمير يقيم نظام تجسس كامل محكم عليها، فمنع خروجها تماما من القصر، وأصدر إلى أتباعه تعليمات صارمة بأن يبلغوه بكل حركة لها، كما أنه أقام نظام هاتفى في القصر يمكنه من التنصت على كل ما يرد إليها وما يصدر منها من مكالمات.

بدأ ارتياب (مرجريت) يزداد في وجود علاقة شذوذ بين زوجها الأمير وسكرتيره (سعيد العناني)

علاقة شذوذ أدت للانفجار

بدأ ارتياب (مرجريت) يزداد في وجود علاقة شذوذ بين زوجها الأمير وسكرتيره (سعيد العناني) إذ لاحظت ثورة الأمير عليه كلما وجده يحادث رجلا آخر.

وقد نشبت بينهما  يوما مشاجرة لذات السبب انتهت بأن طرده الأمير من مجلسه ليلقى بنفسه بين أحضان (مرجريت) والدموع تهطل من عينيه، حتى أن (مرجريت) أصبحت تتعامل مع العنانى باعتباره ضرتها.

كان من تصرفات الأمير التي أثارت فزعها انهما أثناء جولتهما بين آثار أسوان قد طلب منها أن تنام داخل تابوت فرعونى، و تغلق عينيها، وتضم ذراعيها على صدرها كموتى الفراعنة.

وحينما رأت صورها تطيرت وأصابها رعب شديد.. و في ظهيرة أثناء تناولهما للغذاء، حاولت (مرجريت) كعادتها استفزازه لكنه فجأة غادر المائدة وعاد بمصحف صغير ليقسم عليه في نبرة هادئة يضغط على كل حرف منها بأنه سوف يقتلها يوما.

ارتعبت مرجريت لهذا القسم حتى أنها أودعت لدى محاميها خطابا بخط يدها تقر فيه بأنه في حالة مصرعها فإنها تتهم رسميا زوجها.. شدد الأمير الحراسة عليها وفوض الباشا (أغا) و الخدم النوبيين بالتعامل معها كما يروق لهم فأصبحت تتلقى منهم الأوامر بدلا من أن تصدرها لهم.

وكانوا يخبرون سيدهم بعدد أنفاسها خلال تغيبه عن القصر، وإذا ما خالفت أيا من أوامره أو اعترضت عليها اشتبكا في شجار عنيف يتخلله وصفه لها بالمومس لترد عليه بأنه قواد لتنتهى المشاجرات غالبا في كل مرة بصفعها.

وحينما ردت له الصفعة مرة بعضه في إصبعه لم يكف عن ضربها وركلها حتى كادت تفارق الحياة، ليحبسها بعد ذلك في غرفتها 18 يوما قضت منها يومين بلا أي طعام، و حينما انتهى حبسها طالبها بأن تسلمه المجوهرات التي اشتراها لها فرفضت مما أشعل مشاجرة أخرى هائلة بينهما انتهت بعد أيام بالصلح كالعادة.

عام 1923 سافر الزوجان إلى باريس لتشتعل المشاكل بينهما بأكثر حدة، وكان من ضمن أسبابها اعتراضها على إقامة سكرتيره (العناني) في نفس فندق إقامتهما.

كما كان من بين الأسباب أثناء الحفلات ظهور بعض من عشاقها القدامى مما أثار غيرة وغضب الأمير الذى كان يتشاجر مع كل منهم ثم يعود إليها في نهاية المشاجرة بصفعات وسباب.

وقد أصبح شكه في كل رجل ينظر ناحيتها أو يومئ لها برأسه محييا ولو من بعيد، رغم ذلك كانا يسهران كل ليلة في المسارح وصالات الرقص وحفلات الاستقبال، وقد تعمدت (مرجريت) في باريس أن تظهر دائما بأكبر قدر من المجوهرات لتثبت ملكيتها أمام الجميع تحسبا لتجريدها منها يوما.

الأمير يهديها مسدسا أوتوماتيكيا صغيرا لتستطيع به الدفاع عن نفسها ومجوهراتها

الأمير يهديها مسدسا أوتوماتيكيا

مما جعل الأمير يهديها مسدسا أوتوماتيكيا صغيرا لتستطيع به الدفاع عن نفسها ومجوهراتها إذا ما تعرضت يوما لمحاولة سطو، و قد جعل المسدس محشوا بشكل دائم ومعدا  للانطلاق بمجرد شد الذراع والضغط على الزناد.

و حينما توعدها في إحدى المشاجرات بأنه سيجلدها بسوطه هددته بالمسدس فانتزعه من يدها وأطبق على عنقها بأصابعه، وغادر غرفتها في الفندق وهو يتوعدها بأنه سيطلب يوما قريبا من حارسه الشخصى( كوستا) أن يلقى بحمض الكبريتيك على وجهها ليشوه جمالها الذى تغتر به.

اتخذت مشاجراتهما منحى آخر حينما بدأ الأمير يطلب منها شذوذا في علاقتهما الجسدية لترفض ذلك بشكل قاطع أثار جنونه، وقد نصحها (العناني) بأن ترضخ لطلبه لأنه لن يتراجع عنه أبدا بحكم معرفته به.

وقد رضخت (مرجريت) في النهاية لطلبه لتحول بينه وبين الاستمرار في علاقته مع (العناني)، والذى كان يغيب عنده في غرفته كل ليلة قبل عودته إليها.

بعد فترة بدأت (مرجريت) تشعر نتيجة هذه الممارسات بالتهاب حاد في البواسير جعلها تطلب الذهاب إلى لندن للعلاج، وأن تستغل هذه الرحلة لرؤية ابنتها غير الشرعية التي كانت تقيم هناك في إحدى المدارس الداخلية.

في لندن تلقت (مرجريت) على عنوانها في فندق (سافواى) خطابا من مجهول يحذرها فيها من العودة مع زوجها إلى القاهرة، لأنه لن يتورع عن دس السم لها في طعامها أو قهوتها أو حتى في زهرة يهديها إليها.

حينما وقع الخطاب في يد (علي فهمي) ثار عليها واتهمها بأنها تسرب أخبارهما الزوجية للغرباء لتنتهى المشاجرة بكيله اللكمات لها وتهديدها بالقتل إذا ما هجرته يوما.

وحينما طلبت (مرجريت) العودة إلى باريس لإجراء عملية البواسير رفض مذكرا إياها بأنها من طلبت الحضور إلى لندن لعلاجها، وحينما أصرت على العودة أعلن أنه لن يمنحها مليما واحدا، لكنها بالفعل حجزت تذكرة لسفرها.

في الليل وعلى العشاء في الفندق اشتعل الخلاف بينهما لإصرارها على السفر في اليوم التالي، وانتهت المشاجرة بصياحه قائلا: (ستموتين قبل أن تغادرى لندن)، لينصرف بعدها عن الطاولة غاضبا لتصعد هى الأخرى إلى حجرتها وتعد حقيبة ملابسها.

أطلقت عليه ثلاثة رصاصات

لتعثر بالصدفة على المسدس الصغير في اللحظة التي كان الأمير في الخارج يطرق بابها، و حينما لم تجيبه ثار ثورة عارمة اضطرتها لفتحه، وحينما دخل حاول ملاطفتها وطلب منها إقامة العلاقة الشاذة الآن رفضت لما يلم بها من آلام هائلة.

وحينما اقترب منها في محاولة لإجبارها نشبت أظافرها في عنقه في اللحظة التي التقطت فيها المسدس وصوبته نحوه وهددته بان يغادر الغرفة فورا، عاود الأمير التقدم ناحيتها فضغطت على الزناد لتنطلق رصاصة لم تصبه فخرج من الغرفة.

لاحقته بالصياح في الممر بين الغرف فحاول شل حركتها لتطلق عليه رصاصات ثلاث اخترقت جميعها عنقه ليسقط على الأرض منتفضا وشلال دماء غزيرة يندفع مكونا تحته بحيرة على أرض الممر.

في المحكمة ترافع عنها المحامى الشهير السير (مارشال هول) ليثبت أمام المحكمة أنها كامرأة أوربية متحضرة كانت في حالة دفاع عن نفسها ضد همجية رجل شرقى، وقد قيل إنه كمحامى هو من دفعها للتقول على الأمير بما يخص الشذوذ كى ينقذها.

وانتهت الجلسات المتوالية للمحكمة شبه الصورية ببرائتها، ليقوم (يوسف وهبي) الذى تزوج بالفعل من شقيقة الأمير علي فهمي، ردا على ذلك  بتحويل القصة عام 1932 إلى فيلم مع صديقه المخرج محمد كريم.

 كان الفيلم هو (أولاد الذوات) أول فيلم مصري ناطق، و قد تم تصوير المشاهد الناطقة في باريس، ليكون صوت يوسف وهبى هو أول صوت لممثل مصري في السينما، بينما تم تصوير المشاهد الصامتة في ستوديو رمسيس بالقاهرة.

وقد شارك في الفيلم (سراج منير ودولت أبيض وأنور وجدي) وغناء (أم كلثوم) ورقص (بديعة مصابنى)، كان الفيلم ردا مصريا على المحاكمة غير العادلة التي برأت القاتلة، ولم تعيد للأمير المصرى أيا من حقة كقتيل.

وقد عبر (يوسف وهبي) عن غضبه لهذا الموقف في الفيلم، وهو يصيح في زوجته الأجنبية بأسلوبه المعروف (يا امرأة لكل الرجال.. يا مزبلة التاريخ)!

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.