رئيس مجلس الادارة : محمد حبوشة
رئيس التحرير : أحمد السماحي

أمينة صبري تحاور (محمد عبد الوهاب) عن الحب، والشجن، وطه حسين، وفكري أباظة (3)

* أردت إرضاء (أحمد شوقي) أثناء تلحيني لأغنية (في الليل لما خلي) فثار علي لهذا السبب!

* أدخلت الآلات الغربية لأول مرة في الموسيقى من خلال لحن (في الليل لما خلي)

* (أحمد شوقي) شجعني على أن أقدم نظرتي ورؤيتي وعصري، وألا ألتفت لغير ذلك، ولا ألتفت للهجوم الذي سأوجهه من أصحاب التيار التقليدي!

* أحاول أن أتمرد دائما وأقدم أشكالا موسيقية مختلفة دائما، وأيضا دائما أشعر بأنني غير راضي عما أقدم وأريد أن أقدم الأفضل والأفضل

* أقف مع التطوير، ولكن التطوير المدروس الذي يبقى على الروح الحقيقية والأصيلة، ولا يفسدها، ولا يجعلها مسخا

* الوجود هو الحب، أنا وأنت والشعوب كلها ثمرة حب، والحب عند المرأة أخلص، وعندما تحب لا تسمح بأن يخدش هذا الحب

بقلم الإعلامية الكبيرة: أمينة صبري

على مدى الأسبوعين الماضيين، تابعنا حوار الإعلامية الكبيرة (أمينة صبري)، رئيس إذاعة (صوت العرب) السابق، مع الموسيقار الخالد (محمد عبد الوهاب)، حيث تحدثت في الحلقة الأولى عن كواليس هذا الحوار، وكيف تم بفضل الكاتب الكبير محمود عوض.

كما تحدث الموسيقار (محمد عبد الوهاب) عن نشأته في حي (الشعراني) هذا الحي الذي كان له أثر كبير في حياته، وتكوينه الموسيقي الفني، وتذكر أنه كان يظل ساعات طويلة، وهو طفل صغير يستمع إلى قراءة القرآن الكريم من المقرئين العظام.

وصرح أنه غنى وهو طفل صغير جدا عند الفنان (فوزي الجزايرلي) لملئ الفراغ بين الفقرات الفنية، ويومها ثار أهله ومنعوه من الغناء، فهرب من المنزل لكي يزاول فن الغناء الذي يعشقه.

كما تحدث عن (أحمد شوقي بك) الذي خاف على موهبة الطفل الصغير محمد عبدالوهاب من الضياع وسط السهر والتعب، فذهب إلى الحكمدار الإنجليزي وأبلغ عن الذين يشغلونه.

من المستحيل أن يشارك في مناقشة تجمع (شوقي بك، وثروت باشا، وصدقي باشا، ومكرم باشا)

كان يستمع ويتعلم ويستفيد

وفي الحلقة الثانية تحدث (محمد عبد الوهاب) عن (أحمد شوقي)، وأكد أنه كان يشجعه دائما على الدراسة، وأن يتشبه بالفنانيين الذين ارتفعوا بالفن وبمستواه، مثل المحامي والفنان (عبدالرحمن رشدي) والفنان (يوسف وهبي).

وأشار موسيقار الأجيال أنه كان من المستحيل أن يشارك في مناقشة تجمع (شوقي بك، وثروت باشا، وصدقي باشا، ومكرم باشا)، كان يستمع ويتعلم ويستفيد فقط.

وأوضح أنه بسبب الطفل (إحسان عبد القدوس) كاد أن يتعرض للرفت، وإحسان هو أول من اخترع (الدوبلاج)!

وأكد أن (أحمد شوقي) علمه من يجالس، وأن يحافظ على مستوى معين في الصداقة، لأنه إذا صادق الكبار كبر معهم، وارتفعوا به، وإذا صادق الصغار نزلوا به، وانخفض مستواه الفكري.

وأخيرا صرح أن رحلته الأولى  لباريس مع  (شوقي بك) كان لها تأثيرا كبيرا علي شخصيته الفنية والإنسانية، لأن تسليه (شوقي بك) عبارة عن تعليم.

والآن تعالوا بنا لنستمتع بقراءة الحلقة الثالثة من الحوار، ونعود بالزمن إلى الوراء بطريقة (الفلاش باك) السينمائي، ونستعيد حوار الأعلامية القديرة أمينة صبري مع الموسيقار الكبير (محمد عبد الوهاب)، ونستكمل ما توقفنا عنده.

قدم لي شوقي بك درسا استفدت منه طوال المشوار

* علمنا في الحلقتين الماضيتين تأثير صداقتك بأحمد شوقي على شخصيتك، ولكن لابد لنا أن نتحدث عن التعاون الفني بينكما، فأنت لحنت الكثير من أشعاره..

 وانقسم الناس وقتها على ما تقدمه، فمنهم من رأى أنك خرجت عن أصول الموسيقى العربية، وإن ذلك لا يجوز، ومنهم من رأى فيك تيارا جديدا مجددا فى الموسيقى العربية..

 والمزج بين التخت العربي والموسيقى الغربية مما أثار العديد من الناس عليك، وكانت أهم المعارك عندما ظهرت لك أغنية (فى الليل لما خلي) لأحمد شوقي؟

** (محمد عبد الوهاب): نعم هذه الأغنية أحدثت ضجة كبرى وقتها، وأنا أذكر أنني عندما كنت أقوم بتلحينها أردت أن أرضي (شوقي بك)، وقلت له: (يا باشا أنا سوف ألحن هذه القطعة كما تريد أنت على ذوقك، أي ألحنها على نمط ألحان (عبد الحي حلمي).

ففوجئت بثورته عليّ قائلا: (مالك أنت ومال ذوقي، ومال أذني، أنا ذوقي خلاص سيذهب يجب أن تعمل أنت لعصرك للجيل بتاعك، أعمل ولحن لذوقك أنت، وإياك إياك أن تنافق في الفن.

ولا تقوم أبدا بعمل أي شيئ لا تكون مقتنعا به، لابد أن تكون نفسك، وأن تتمرد حتى على أنا).

الحقيقة كان درسا مفيدا جدا، وأنا منذ زمن وبذرة التمرد كانت بداخلي، وكنت أحتاج فقط للتشجيع، فما بالك والتشجيع يأتي من رمز من رموز الثقافة.

وأخذ يشجعني على أن أقدم نظرتي ورؤيتي وعصري، وألا ألتفت لغير ذلك، ولا ألتفت للهجوم الذي سأوجهه من أصحاب التيار التقليدي، كان ذلك بمثابة نقطة تحول حقيقي، وفارق بالنسبة لي.

كانت النقلة الحقيقية في موسيقاي، نقلت كل أحلامي الموسيقية، وظهر ذلك أول ما ظهر في أغنية (في الليل لما خلي)، وهى أول أغنية أدخلت فيها الآلات التى لم تكن تستعمل في ذلك الوقت أي الآلات الغربية.

وبذلك قدمت نقلة وطفرة كبيرة فى الموسيقى، والألوان والأشكال الموسيقية التى قدمتها حتى أثر ذلك أيضا في اختيار الكلمة المناسبة للأشكال الموسيقية الجديدة.

ومن ذلك الوقت وأنا أحاول أن أتمرد دائما وأقدم أشكالا موسيقية مختلفة دائما، وأيضا دائما أشعر بأنني غير راضي عما أقدم وأريد أن أقدم الأفضل والأفضل.

ما في شك أنني دائما أقف مع التطوير، ولكن التطوير المدروس

* محاولة تطويرك للموسيقى العربية، وأنت الدارس الفاهم لها، كنت تريد لها أن تحلق في أفاق أوسع وأرحب، ومحاولتك لتطوير التخت العربي الشرقي الذي ظل فترة طويلة كما هو، هذه المحاولات تجعلنا نسأل عن العالمية..

ووصول الأغنية والموسيقى العربية للعالمية، وهل يجب أن نتمسك بالمحلية أم لا؟ وهل الهارموني يصلح لموسيقانا أم أنه يفسد مذاقها؟

** (محمد عبد الوهاب): ما في شك أنني دائما أقف مع التطوير، ولكن التطوير المدروس الذي يبقى على الروح الحقيقية والأصيلة، ولا يفسدها، ولا يجعلها مسخا، ونحن نكون عالما بحد ذاته، فلماذا دائما ننظر للغرب.

فالعالم العربي عالما بأكمله، فالأغنية التى تنجح مثلا في مصر نجدها قد نجحت وفي نفس الوقت في المغرب، وفي المشرق أي في العالم العربي كله، ولكن المشكلة أننا لسنا متعلمين تمام التعليم أو كما يجب أن يكون التعليم.

والموسيقيون عندنا ليسوا على معرفة عميقة بالعلم الموسيقي، والمتعلم منهم غير مؤمن بالموسيقى الشرقية، والتطور الحقيقي دائما يحدث من الإيمان بالشيئ ثم المعرفة السليمة والتعليم الجيد.

* لماذا تغلب على أغانينا نبرة الحزن والشجن؟

** (محمد عبد الوهاب): أحنا شعب يميل للشجن، عندنا الحب حزين مهما كان، فهنا الواحد يكون جالس مع حبيبته يكاد يبكي، لماذا لا أعرف؟! أحنا شعوب عاطفية، مثلا عندما ترى الأم أولادها العائدين من سفر تعبر عن فرحتها بالدموع.

أوعندما تودع الأولاد تودعهم بالدموع، أما في الغرب فهذا يحدث ببساطة وابتسامة مع السلامة، وهكذا الموسيقى عندنا فيها جزء كبير من التطريب، الموسيقى إذن تعبر عن طباع شعب.

مع وردة أثناء العمل على أغنية (بعمري كله حبيتك)

* أنت ذكرت الحب في الأغاني، ولكنني انتهز هذه الفرصة لكي أتعرف على رأيك في الحب؟

** (محمد عبد الوهاب): أحمد شوقي قال: (الحياة الحب، والحب الحياة)، أما أنا فأقول إن الوجود هو الحب، أنا وأنت والشعوب كلها ثمرة حب، والحب عند المرأة أخلص، وعندما تحب لا تسمح بأن يخدش هذا الحب.

* كان لعميد الأدب العربي د. طه حسين، وللكاتب الساخر فكري أباظة أثرهما أيضا عليك؟

** (محمد عبد الوهاب): نعم جمعتنا صداقة كبيرة وأنا أتذكر واقعة هامة حدثت لي في لبنان، فقد تلقيت نبأة وفاة والدي وأنا هناك، وكان علي أن أقيم حفلا، فرفضت الغناء لحزني على والدي، ورغبتي في العودة.

ولكنهما أقنعاني بضرورة الغناء، وقالا: (إن الغناء ليس تعبيرا فقط عن الفرح والتسلية والتهريج، ولكن الفنان يستطيع أن يعبر عن كل الأحاسيس، وإذا كنت أنت حزين، فيجب أن تعبر عن حزنك بالغناء أيضا).

* ماذا غنيت في ذلك اليوم؟

** (محمد عبد الوهاب): غنيت أغنية لـ (شوقي بك) باللهجة العامية، كان اسمها (الليل بدموعه جاني)، وآخر بيتين في هذه الأغنية أعتبرهما من أجمل ما كتب باللهجة العامية، وتقول هذه الكلمات:

(توحشني وأنت ويايا، وأشتاق لك وعينيك في عنيه

وأذلل والحق معايا، وأعتبك متهونش عليه).

انظري جمال الكلمات، أعتقد أنه من الصعب الآن أن يقول أحد هذه الكلمات، والمعاني بهذا الصدق والأحساس العالي.

………………………………………………………………………………………………….

في الحلقة القادمة نواصل السباحة في بحر حياة الموسيقار (محمد عبد الوهاب) الفنية والشخصية

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.