بقلم الشاعر الكبير: إبراهيم رضوان
بعد أيام من صدور القرار الجمهوري بمصادرة ديواني (الدنيا هي المشنقة).. وإبلاغ البريد بعدم إرساله لأي جهة.. بل والإبلاغ عن أي شخص يحاول إرساله لأي جهة أو شخص.. تم الإعلان عن المؤتمر الأول لأدباء الأقاليم بالزقازيق.
وعن مسابقة لشعر العامية من ضمن فعاليات المؤتمر.. تقدمت للمسابقة..أعلنت الصحف عن فوزي بالمركز الأول في شعر العامية.. وصلت أنا والروائي (فؤاد حجازي).. وبعض أدباء الدقهلية إلي الزقازيق.
حان موعد افتتاح المؤتمر.. وكانت المفاجأة لي و لـ (فؤاد حجازي).. أن رئيس المؤتمر هو شعراوي جمعة وزير الداخلية.. وشعراوى جمعة، كان نائبا سابقا لمدير المخابرات.. ومسؤولا عن التنظيم الطليعى.. ومعجونا بالحياة العسكرية.. و لم يعرف عنه يوما أي اهتمامات أدبية أو فنية ليرأس مثل هذا المؤتمر !!
في كلمة الافتتاح.. تكلم الوزير شعراوى جمعة، عن الشعراء الذين يحبون مصر.. وعن الشعراء الذين يكرهونها.. لم يكن لحديثه أي علاقة بالإبداع.. وإنما مبعثه كليا هو الحس الأمني.. فالانتقاد لأى وضع يمس المسؤولين الكبار هو كراهية للوطن.. قد تصل في عرفه إلى حد العمالة.
ظل (شعراوي جمعة) يتحدث كمثال عن شاعر عامية من الدقهلية.. يهاجم مصر ورئيسها جمال عبد الناصر في كل مناسبه.. لدرجة أنه أصدر ديوانا يفيض بهذه الكراهية لمصر أرضا و شعبا و ترابا.
واستمر في إسهابه بأنه قد سأل عنه شاعرا كبيرا يعتبر من أعظم شعراء مصر.. فأخبره أنه شاعر سوداوي حروفه كلها تشاؤميه و.. و… و.. مال على (فؤاد حجازي) برأسه يهمس في قلق.. أن شعراوي جمعه يقصدني.. وتعجب فؤاد حجازي): كيف يهاجم شعراوي جمعه الشاعر الذي فاز بجائزة المؤتمر؟!!
صافيناز كاظم ورضوى عاشور
وكانت المفاجأة الثانية.. قرار رئيس المؤتمر بحجب الجائزة عني.. هدد الأستاذ (محسن الخياط) بالانسحاب من المؤتمر الذي كلفوه بالإشراف عليه إن تم سحب الجائزة مني.. لأنه كان قد أعلن بالفعل خبر فوزي بالمركز الأول في صحيفة الجمهوريه.. لكن قرار استبعادي من المؤتمر قد تم التأكيد عليه.
قال لي (فؤاد حجازي): ازاي الحكومه تعمل عقلها بعقل شاعر؟!!
أوصاني الجميع بعدم مغادرة المؤتمر.. ولم أغادر المؤتمر.
وحينما ذهبت للمبيت في مقر الإقامة الخاص بالمبدعين ضيوف المؤتمر.. فأجانى قرار آخر بمنعي من المبيت.. بل ومن حصتى في الوجبات الغذائية.. اقتسم (فؤاد حجازي) وجبته بيننا.
كان (فؤاد حجازي) بين فعاليات المهرجان يأخذني بالقرب من الشاعر الكبير (محمد الجيار) – و هو من مواليد المنصورة أيضا.. لكنه غادر إلى القاهرة مبكرا فنال نصيبه من الشهرة – لنشاهده بأناقته المعهودة وهو يأكل الدجاج بالشوكة و السكينة.
وكان (فؤاد حجازي) يأخذني أيضا لمشاكسة الجميلة (صافيناز كاظم) التي كانت تضحك من معاكساته خفيفة الظل هى و(رضوي عاشور) حيث كان جمالهما لافتا للنظر.
كان معنا صديق يكتب الفصحي.. وكان يقلد (محمد عفيفي مطر).. كانت المفاجأة أنه التصق بالشاعر الكبير (أحمدعبد المعطى حجازي) كظله.. لدرجة أنه كان يذهب لشراء كل ما يحتاجه من خارج المؤتمر علي حسابه الخاص.. و كنت أرى أنه معدوم الشخصية الإبداعية و الإنسانية معا .
التقيت أيضا في المؤتمر بكاتب القصة (فاروق حسان).. الذي كان قد صدر له كتاب عن الهيئة العامة للكتاب، ولكنه كان ممنوعا من التوزيع لأنهم نسوا أن يضعوا ثمنا له!!..
انتهى المؤتمر بالإصرار على حجب الجائزة عنى.. وتم منحها لشخص يعمل معهم ويكتب تقاريرا عن كل الشعراء إسمه(ز.ع.ف)، والذي أعلنوا فوزه مناصفة مع شاعر ٱخر اسمه (ن.ش).
بعد انتهاء المؤتمر.. عدت إلي المنصورة حيث ندواتي اليومية وعشرات القصائد التي أنشرها في معظم الصحف والدوريات التي يسيطر عليها أصحاب المذهب الشيوعي قبل أن ينقلبوا علي شخصي.
موت جدي فاحش الثراء
عدت من المؤتمر إلى منزلي حزينا.. لأنني كنت في أشد الحاجه للمكافأة التي حجبوها عني.. عفش المنزل يتناقص كل يوم من أجل إطعام 9 أشقاء وأمهم وأبوهم.. ومشاوير (محمود رضوان) وسفرياته إلي بلدته (أبو داود السباخ) زادت وأصبحت شبه يومية من أجل بيع قطعة من أرضه الصغيرة التي ورثها عن أبيه.
جدير بالذكر أن كل العائلة أثرياء عدا هو.. لماذا؟.. لأن والده توفي قبل جده.. فورثت العائلة كلها بعد موت الجد الفاحش الثراء والمالك للأطيان عدا هو ..وأصبحنا الفرع الفقير من العائلة!
عدت ولاحظت في اليوم التالى أن الشارع الذي أسكن فيه – شارع الورشه بطلخا – ملغم بمخلوقات من ذوى الجلابيب والشوارب الضخمة تحوم حوله وحولنا.. كان جليا لى أن هناك غمامة سوداء قادمة في الأفق ..
و
فؤاد حجازى
من نشأتك.. و(كلابش) حامى
ف إيدك..
والشنطه جاهزة لكل رحلة طويلة
من طلعتك.. أصغر فقير بقى سِيدك.
والشيلة.. آه يا فؤاد.. تقيله الشيلة
……………………………….
يا حجازى.. نازى داس عليك فى الضلمة..
والنسمه دخلت خلسه غصبن عنهم
انت انسحلت عشان كرامة الكلمة
ولا يوم حاولت ف يوم تقرب منهم
……………………………….
آه يا فؤاد الحب.. يا متبسم.
الزنزانات.. وحشتها رنة صوتك
كنت الرغيف على ألف شئ متقسم..
والصمت يعني.. أو يساوى مُوتك
……………………………….
جوه طرة.. يوصل لقلبى جوابك..
مين اللى جوه السجن.. أو مين بره
فى أى حالة.. إيدى دقت بابك. ودخلت
قولنا الكلمه صافيه وحُرة
……………………………….
ولا كان يهمك سجن أو زنزانة..
تخرج وتدخل.. ياللا إرجع بيتك
تبكى لمصرك.. لو تشوفها.. حزينة
تضحك إذا شفت الجميع بيفوتك
يا فؤاد حجازى العمر ضاع فى العنبر..
فى السحل والتعذيب ونومك صاحى
دمك نزل فى (الواحه) زى العنبر..
علشان يقول للأرض ياللا ارتاحى
……………………………….
جنبك فؤاد حداد.. معاه أوراقه..
ومعاك صلاح حافظ وصُحبة أصيلة
كل اللى خارج.. فرحانين لفراقُه..
الله عليكم وانتوا زى العيله
……………………………….
تكتب رواية فيها بحر سياسة..
عمرك ما خفت دقيقه من كارهينك
البيت.. بدون ما تدرى.. كله حراسة..
ماشى وراك يا صاحبى.. طيف سجانك
……………………………….
يا فؤاد يا بحر الصبر..يا مواويله..
إمتى الخروج من سجن داس أهالينا
اللى هاينطق كلمة كدب.. يا ويله..
ويا ويلنا م اللى هاييجى يسجن فينا
……………………………….
لسه السجون مفتوحة للى هاينطق ..
إوعى تصدق إننا اتحررنا
لو يوم تقول الحق.. برضه هاتغرق..
لسه على الطرقات طابور أشرارنا
……………………………….
مكتوب علينا الفقر والترحيلة..
مكتوب يكون السجن داخل روحنا
عمرك ما كنت ف يوم قليل الحيلة..
ولا يوم رضيت القط يوم يدبحنا
……………………………….
يا فؤاد ما زلت (الشيلة) و(الشيالو)..
والليله دافيه فى سجن إسود غامق
باصص ببسمه صافية للقتالة..
فى عنيك ثبات وحنان ونور ومبادئ
……………………………….
آه يا فؤاد يا حجازى صوتك باين..
فى كل قلب هَدِيتُه للحرية
عمرك ما كنت فى يوم فراغ أو خاين..
ولا يوم حلمت بغير (خلاص النيّة)
……………………………….
بيتك فتحته لكل واحد خَبط..
وفتحت قلبك للصراخ الدامى
قلمك فى ضلمة سجن أيوه اتظبط..
كان (سامى) أصبح يومها (مليون سامى)
……………………………….
أيوه ابتسم.. الليلة جاية شحيحة..
أيوه انقسم ليتيم ناداك فى الزحمة
لسه بلدنا التايهه فى
(المرجيحة)
لسه الولاد يا فؤاد فى حاجة لـ (لحمة)
من كتاب (مدد.. مدد)
سيرة ذاتية لبلد