بقلم الكاتب الصحفي: بهاء الدين يوسف
أكثر ما جذبني لمتابعة حلقات المسلسل الكوري (قاضي الشيطان) أو (The Deviljudge) هى الخلطة التي قدمها صانعوه حول فساد الدولة والمسؤولين، بحيث تشعر وأنت تشاهد الأحداث أنها تحدث في أماكن ودول كثيرة جدا حولك.
مسلسل (قاضي الشيطان) الذي حرصت شركة (ستوديو دراجون) المنتجة له على الإشارة إلى أنها خيالية تدور في (كوريا بائسة) يدور حول كانج يو هان (جي سونج).
وهو قاضي شريف وثري يلقب بالشيطان بسبب لجوئه الى التحايل والالاعيب ويطبق القانون بطريقته الخاصة التي يرى من خلالها أنه لا وجود للعدالة في المحاكم وإنما هي لعبة يفوز فيها الأكثر استعدادا لها.
في المقابل هناك رئيس الجمهورية الذي كان فنانا مغمورا ومعه جوقته من أصحاب المصالح وفي مقدمتهم اثنين من مالكي أشهر المحطات التليفزيونية، لديهم استعداد لدهس شعب كوريا بالكامل من أجل تحقيق مصالحهم.
هناك أيضا مؤسسة تسمى (المسؤولية الاجتماعية) هى التي تسيطر على الرئيس والإعلام والوزراء والقضاة وكل شيء تقريبا، وتحركهم مثلما تريد لتحقيق مصالحها وفي المقابل تدفع لهم بسخاء.
المؤسسة يديرها بروفيسور كهل لكن تظهر الأحداث ان سكرتيرته الحسناء يونج سون اه (كيم مين يونج)، هى من تدير الأمور من خلف ستار وهى تعمل خادمة في منزل والد القاضي عندما كان طفلا ووقعت في غرامه لكنه لا يبادلها نفس المشاعر.
يتحول القاضي في مسلسل (قاضي الشيطان) إلى بطل شعبي مع إطلاق برنامج تليفزيوني يعرض المحاكمات التي يجريها ويتم فيها تصويت الجمهور على الأحكام التي يصدرها، لكنه دائم الصدام مع قاض شاب يعمل معه هو كيم جا أون (بارك جين يونغ) بتوصية من أستاذه وعضو المحكمة العليا بهدف مراقبة أفعال القاضي الشيطان وضمان عدم خروجه عن القانون.
(قاضي الشيطان) يبرز الفساد
يبرز مسلسل (قاضي الشيطان) الفساد الذي يحكم عالم السياسة في كوريا حيث لا يتورع رئيس الجمهورية هيو جونج سي (قام بدوره بإتقان مثير للإعجاب الممثل والموسيقي بايك هيون جين)، وهو شخص تافه محدود الذكاء والقدرات عن ارتكاب أي شيء مقابل ترسيخ حكمه وتعظيم ثروته هو ومعه جوقته من المنافقين.
يعادي الرئيس الفقراء ولا يرى فيهم سوى مصدر لجلب المال عبر تحويلهم الى فئران تجارب للأمصال والأدوية الخطيرة التي يصدرها للخارج، ويكسب من خلالها مليارات الدولارات، وعندما يبلغه الطبيب أن عدد وفيات التجارب 182 من أصل 3 آلاف مشترك في التجارب (قسريا) يهز رأسه مبديا إعجابه بقلة نسبة الوفيات!
في سعيه لترسيخ حكمه يقوم بتأليب الشباب الكوري العاطل عن العمل ضد المهاجرين واللاجئين الذين يحصلون على فرص هؤلاء الشباب في العمل، ولا يكتفي بذلك بل يقوم بتكوين جيش من البلطجية لنشر الذعر بين الفقراء والمهاجرين تحت شعار الوطنية ومن أجل (كوريا نظيفة).
لكن الحقيقة أن الرئيس الكوري (الخيالي) بالاشتراك مع مؤسسة (المسؤولية الاجتماعية) وجوقة المنافقين يريد هدم الأحياء التي يسكن فيها الفقراء في وسط العاصمة سول لإنه اتفق مع مستثمرين أجانب على بيع الأرض لهم.
قبل عامين من موعد الانتخابات التي لا يحق له المشاركة فيها يطلق الرئيس التافه والفاسد شعارا جديدا: (في أوقات الأزمات تصبح الديمقراطية رفاهية)، بهدف إلغاء الانتخابات والاستمرار في منصبه.
بمرور الوقت يكشف مسلسل (قاضي الشيطان) أن الرئيس بات يؤمن بتفرده وقدراته المتعددة وأنه مبعوث العناية الإلهية للكوريين، ويعرض العمل مشاهد لطيفة للرجل في خطاباته وهو (يحزق) مرة ليحذر الشعب من عدم الالتفاف حوله.
ومرة ثانية يحذر الشعب من الاستماع لـ (قاضي الشيطان) الذي يلاحق فساد نظامه مدعيا أن ما يفعله هو مؤامرة على كوريا العظيمة التي يعيد بنائها من أجلهم، وأن القاضي غير وطني ويعمل لمصلحة قوى خارجية لا تريد الخير لكوريا.
لكن في الجلسات الخاصة تظهر مدى تفاهة الرئيس وجوقته ورئيس مؤسسة المسؤولية الاجتماعية، حيث تتحكم فيهم السكرتيرة الحسناء بشكل كلي وتصفعهم حينما تريد لاعادتهم الى رشدهم ومكانتهم الحقيقية.
مدى نبل القاضي الشيطان
الصراع الرئيسي في مسلسل (قاضي الشيطان) يدور بين القاضي والسكرتيرة، التي تسعى لكسب وده بصفتها الجديدة كواحدة ممن يديرون الدولة، لكنه يستمر في التعامل معها باعتبارها خادمته السابقة، ولهذا تتحول الى ألد اعدائه وتسعى لتدميره.
تستخدم في سعيها القاضي الشاب الذي يعمل معه واقترب منه، وتحاول عن طريق أستاذ القاضي الشاب هز ثقته في الشيطان، فتقوم بقتل حبيبته الشرطية وتجعل الاستاذ الذي يبدو نقيا ومثاليا يوهمه أن القاضي الشيطان هو من أمر بقتلها.
في النهاية يتضح مدى نبل القاضي الشيطان، وينجح في التغلب على أعدائه فتنتحر السكرتيرة ويقوم القاضي بتفجير قاعة المحكمة التي كان يتواجد فيها زمرة الفاسدين من رئيس كوريا وجوقته وزوجاتهم، ويختفي ليتفرغ لعلاج ابنة أخيه المقعدة.
المشهد الأخيرة في مسلسل (قاضي الشيطان) الذي عرض في 16 حلقة يظهر اجتماع القاضي الشاب مع المسؤولين الجدد وكيف أنهم يفكرون بنفس طريقة الرئيس السابق، في إشارة قوية على أن الفساد يعشش في نفوس النخب السياسية الكورية مهما تغيرت اسماء وأحزاب من يديرون البلاد.
مسلسل (قاضي الشيطان) حافل بالرمزيات التي تستحق التأمل، أولها: أن المدافعين عن القانون إما من الحالمين الرومانسيين، مثل الشرطية حبيبة القاضي الشاب أو من الحمقى والضعفاء الذين لا حول لهم ولا قوة.
ثانيا: أن الفاسدين من عينة الرئيس الكوري لا يحبون نزاهة القضاء والإعلام، وأخيرا أن الفساد مهما ازدهر وصارت له أنياب ومخالب لا يمكن أن يستمر.