بقلم الكاتبة الخليجية: زينب علي البحراني
وُلد الفنان (بشار نصري) في دمشق عام 1943م، خلال طفولته افتُتن بالموسيقى فتعلَّق بعزف الناي في المدرسة ثم وقع في غرام الجيتار ليكون أول المعروفين بالعزف عليه في سورية.
استمرّ هذا العشق مع انتقاله إلى جامعة دمشق طالبًا في كُلية العلوم (قسم الجيولوجيا والفيزياء)، هُناكَ التقى بصديقه الفنان (دُريد لحَّام) الذي سبقه للدراسة على مقاعد كُليَّة العلوم، فنالا عضويَّة نقابة الفنانين السوريين في المرحلة ذاتها.
وبدأ (لحَّام) يشق طريق شُهرته كمُمثل بينما اختار (بشَّار نصري) العزف الموسيقي عبر أثير الإذاعة وشاشة التلفزيون العربي السوري.
الرحيل إلى باريس
بعد تخرّجه من جامعة دمشق بدرجة البكالوريوس في الجيولوجيا والفيزياء؛ فكَّر بالسفر إلى الولايات المُتحدة الأمريكيَّة لاستكمال دراساته العُليا لاسيما وأنه كان يُتقن اللغة الإنجليزيَّة.
لكن والده السيّد (سعيد نصري) أشار إليه باستكمال دراسته في إحدى جامعات مدينة باريس الفرنسيَّة.. كان (سعيد نصري) شخصيَّة راجحة الفكر ولها مكانتها المرموقة في المُجتمع.
لا سيما وأنه من أوائل المُتعلّمين تعليمًا رفيع المستوى في البلد، فهو ثالث شخص نال شهادة البكالوريا (الثانوية العامة) في سورية، ودرس الهندسة المدنية في باريس بين عامي 1928-1944م ليكون من أوائل المهندسين في سورية.
وكان يحب باريس ويزورها مرَّة كل عام على الأقل، لذا كان لرأيه منزلة مُحترمة عند ابنه (بشار نصري).
عبَّر (بشَّار نصري) لوالده عن مخاوفه التي منها عدم إتقانه اللغة الفرنسيَّة، فشجعهُ والده مؤكدًا أنه سيكون بوسعه تعلمها عند الذهاب إلى هناك بسهولة، كما أن باريس أقرب إلى سورية من أمريكا؛ ما يجعل الأسرة مطمئنة عليه أكثر.
فما كان منه إلا أن أخذ برأي والده وسافر إلى هناك؛ وتمكن من الحصول على درجة الماجستير خلال عامٍ واحد، عندها شجَّعه أحد أساتذته على استكمال الدكتوراة؛ ثم الدراسة في معهد البترول الفرنسي الذي يدعم شهادة الدكتوراة الأكاديميَّة بالخبرات العمليَّة في مجال التنقيب عن النفط.
مشاريع توافِق الإبداع
بعد انتهاء الدراسة عاد إلى دمشق، وقدَّم شهادة الدكتوراة ورسالتها الحديثة التي اجتهد في العمل عليها، ففوجئ من أحد المسؤولين بردٍ صادم لشخصيّته التوَّاقة للتجديد والإبداع.
ما جعله يختار العودة إلى فرنسا والبحث عن عمل في إحدى الشركات هناك، ثم استكمال حياته في باريس والانطلاق في مجموعة من المشاريع التي توافق ميوله الإبداعي.
سُرعان ما أسس (بشار نصري) شركة تُدعى (شركة التعاون الصناعي الفرنسية العربية)، ومن هناك صار مستشارا في مجاله، وفتح له هذا الباب فرصة التعرف الشخصي مع وزراء النفط العرب والتعامل معهم.
ثم كلفته إحدى المجلات العالمية المتخصصة بمجال البترول والغاز بتقديم مقالة أو مادة صحفية شهرية تتحدث في هذا الشأن، وكانت علاقاته الودية مع وزراء النفط العرب خير مُعين في اجراء أحاديث صحفيَّة معهم ونشرها.
بعدها أسس شركة متخصصة بمجال تصميم الديكور الداخلي، وحققت نجاحًا وصَل إلى تصميم ديكور قصور نُخب المُجتمع والأمراء العرب، لكنه ملَّ من تلك المهنة بعد أربع سنوات؛ فقرر دخول مجال الإنتاج السينمائي بمُشاركة أحد أصدقائه المُنتجين.
فتم تأسيس شركة (فيلم ماكس) للإنتاج السينمائي الفرنسي، وانطلقت تلك الشركة تنتج الأفلام في فرنسا وأمريكا وكندا وإنجلترا على مدى أربعة أعوامٍ أيضًا، وكان من أبرز الأفلام التي شارك في إنتاجها فيلم مقتبس عن رواية للأديبة الفرنسية سيمون دو بوفوار بعنوان:
(LE SANG DES AUTRES – دماء الآخرين)، من بطولة النجمة (جودي فوستر) وإخراج الفنان (كلود شابرول) عام 1984م، وفيلم (Louisiane) بطولة (مارجريت كيدر) وإخراج (فيليب دي بروكا) عام 1984م أيضًا.
وفيلم (UN DIMSNCHE DE FLIC – شرطي يوم الأحد) عام 1983م من بطولة (فيكتور لانو) وإخراج (ميشيل فياني).
بين العطر والفن!
ما أن مضى وقتٌ حتى استهواه إنتاج العطور وتصميم عبواتها الزجاجية بطريقة مُختلفة عن المُعتاد، لكن شغفه بالموسيقى والفنون تدخّل مرَّة أخرى؛ فأطلق على أوّل عطرٍ أنتجه اسم (بي بوب) مُقتبسًا من موسيقى البوب. وشاء القدر أن يعرض عليه صاحب معمل (دوران) للعطور في فرنسا بيعه ماركة (دوران) التي تمتد جذورها إلى عهد (ماري أنطوانيت)، فمؤسسة تلك الماركة – التي كانت من صديقات (ماري أنطوانيت) اللواتي يرتدن قصر فرساي – ممثلة مسرحية مشهورة تُدعى (مارغريت مونتاتسييه – Mademoiselle Montansier).
وكان لها اهتمامًا خاصًا بمساحيق التجميل وتطويرها باعتبارها إحدى ضرورات إطلالتها كممثلة، ولعلَّ من أهم ابتكاراتها في هذا المجال (البودرة المضغوطة)، بعد أن كانت البودرة قابلة للتبعثر بصورة عشوائيَّة تصعب السيطرة عليها.
بين باقات العطور الفرنسية التي تُنتجها الشركة اهتم الفنان (بشار نصري) باستحضار تاريخ الفن العربي لتتجلى في عناوين بعض مُنتجاته، فولعه بأعمال كوكب الشرق (أم كلثوم) جعله يُطلق على أحد العطور لقب (كوكب الشرق).
وعطرٌ آخر لقب (يا حبيبي) مُقتبسًا من بداية إحدى أغنياته المُفضلة وهي أغنية (ألف ليلة وليلة)، وكان لأغنية (الأطلال) نصيب من عطوره بأن أطلق عليه اسم (يا فؤادي).