بقلم الإعلامي: علي عبد الرحمن
شهدت مرحلة الستينات وبعد التحرر الوطني مباشرة نهضة ثقافيه وتنويريه أفرزت نخبا ثقافيه كثيره وإنتاجا ثقافيا وفيرا، ومواطنا مطلعا مثقفا نهما للمعرفه،وكانت هذه الفتره من أكثر الفترات في مجال الحراك الثقافي المجتمعي وفي المحيط العربي في (بناء الإنسان).
وظهرت فيها أسماءا وإصدارات وإنتاجا فنيا وإعلاميا وصالونات ونقاشات صاخبه، وكانت ملامح المواطن حينها مطلعا إيجابيا ممزوجا بالإنتماء وحب المعرفه، والإعتزاز بالذات والإلمام بملفات العمل الوطني والعربي والدولي.
وكانت فترة إنتاج وتوهج في مجالات كثيره في إطار بناء الإنسان ثم جاءت فترة السبعينات واستمر معها هذا الزخم حتي مابعد حرب الكرامه في 1973، ثم دخلنا عصر الإنفتاح وما صاحبه من سطوة أصحاب الإستيراد من ذوي المال وما رافقهم من تسطيح وتهميش لكل رموز الثقافة والمثقفين وطغيان حملة الأموال علي حملة الشهادات والأوسمة والنياشين.
وتضاءلت القيم الثقافية، وسادت مفاهيم ومصطلحات الثراء السريع علي فكر شرائح من الشباب والأسر، مما أفرز فراغا ثقافيا، وأخلاقيا وتأثيرا على (بناء الإنسان)، ثم جاءت مرحلة الثمانينات وانشغل الوطن فيها بمحاربة الإرهاب ودعاوي التطرف.
وحاولت جماعات وشرائح إسترداد ماتم طمسه من قيم ومبادئ وهوية المصري وملامح شخصيته وروافد ثقافته ومكونات (بناء الإنسان) المصري، ودخل المجتمع في حالة ركود سياسي وثقافي حتي أحدث حراك يناير 2011.
ما أحدث ودخلت مصر مرحلة من إعادة (بناء الإنسان) عبر المؤسسات ودحر العنف وإصلاح المؤسسات والنظر إلي غد أفضل عبر خطط طموحه، وإنفاق أثقل كاهل الوطن والمواطن.
وبدأت مسيرة البناء للطرق والكباري والأنفاق والمدن وغير ذلك من مقومات التنميه ومستلزمات تحديث البنيه الأساسيه، وظل الإنسان على فراغه المعرفي، فلا حراك ثقافي، ولا ملامح انتماء ولا دراية بروافد الهويه ومكوناتها في (بناء الإنسان).
غياب القدوة، واختفاء المبدعين
واختفت المشاهد التنويريه من صالونات ولقاءات ومسابقات إبداع وتقوقعت الأنشطه والنخب أيضا، وعلت الأصوات بفراغ محيط الشباب وتدني قيم الإنتماء وغياب إطار واضح للشخصية المصريه وهويتها.
مما نتج عنه رغبة في هجرة الوطن، وحالة رفض للمحيط المجتمعي، وغياب القدوة، واختفاء المبدعين، وتدني التنافس والإبداع، وشارك الإعلام بمحتواه الضعيف في ذلك علاوة علي ضعف آداء مؤسسات التنوير من ثقافية وتعليمية ودينيه وشبابيه وحزبية.
حتي كان لزاما علينا التوقف والتعامل مع ملف (بناء الإنسان) بشكل مكثف لأن الإنسان هو الاهم، وبناؤه أهم من بناء المدن والعمارات، والاستثمار في البشر هو أهم أنواع الإستثمار.
بل وأصبح هدفا أوليا لكثير من الدول التي تستثمر في مواطنيها بدلا من أن تستثمر في أرضها فقط، بل وأصبح الإستثمار في البشر أهم من صناديق الثروه السياديه التي يتم تركها للأجيال القادمة.
وأخيرا جاءت (المبادرة الرئاسيه لبناء الإنسان)، وكالعاده هرول الإعلام خلف إعلانات وتنويهات وشعارات ذات صله بالمبادره، ولكنه وكعادته مع كل مصطلح قومي، لم يوضح المعنى، والهدف، والفعاليات، وأجندة المبادرة.
وكيف سيتم العمل عليها، وكيف يشارك الإنسان المستهدف فيها، فهل المبادرة لـ (بناء الإنسان) قيميا وأخلاقيا أم تعليميا وعلميا، أم ثقافيا وتنويريا، أم لإعادة الهويه وملامحها، أم لصقل الشخصيه وروافدها؟
إنسان يلائم التطورات التقني
أم إشراك المواطن في حراك الوطن ومحيطه، أم صياغة إنسان يلائم عصر (الجمهوريه الجديدة) والتحول الرقمي، أم بناء إنسان يلائم المتلاحق من تطورات تقنيه حولنا؟
لم يقدم الإعلام كعادته شروحا لهذه المبادرة ولا أهدافها ولا الجهات المشاركة فيها ولا فعالياتها، ولا مدتها، ولا المطلوب من المواطن فيها، وكنت أتمني أن يقوم بدوره الوطني للتنوير والتوعية في تقديم صورة مثلى للإنسان المصري العصري.
شخصيته، قيمه، تعليمه، علومه، مواهبه، تميزه، فكره، إدراكه، إلمامه،تحديثه، هويته، روافد ثقافته، ملامحه العصريه المطلوبه، كيف نصل لكل ذلك، علاوة على حراك مؤسسات الميديا والفن، ومؤسسات الثقافة والتنوير، ومؤسسات الشباب، والمؤسسات الدينية، ودور النخب، والأحزاب، والنوادي، والجامعات، والأسر.
كل هؤلاء معنيون بـ (بناء الإنسان)، وإعادة ترتيب أولوياته من التربيه في الأسرة والمدرسة والنادي مرورا بالجامعة والحزب ومكان العمل، عندها يمكن ان نعيد بناء الإنسان المصري العصري أخلاقيا وتعليميا وتثقيفيا وفكريا وتقنيا وعصريا إلماما وولاءا وانتماءا وترسيخا وتحديثا وتجهيزا لما ينتظره في جمهوريته الجديدة.
وتحوله الرقمي، وهذا العالم التقني المتلاحق في متغيراته، حتي يكون لمصر العظيمة مواطن عظيم بمواصفات عصريه ممزوجة بقيم الولاء والانتماء والتنوير والمعرفه في هوية مصريه وطنية عصرية خالصه.. حمي الله مصر، وتحيا دوما مصر شعبا ومؤسسات وحكومة وقيادة.. آمين.