* (أحمد شوقي) كان يشجعني دائما على الدراسة، وأن اتشبه بالفنانيين الذين ارتفعوا بالفن وبمستواه مثل المحامي والفنان (عبدالرحمن رشدي) والفنان (يوسف وهبي)
* كان من المستحيل أن أشارك في مناقشة تجمع (شوقي بك) وثروت باشا، وصدقي باشا، ومكرم باشا، كنت أستمع وأتعلم وأستفيد فقط.
* بسبب (إحسان عبدالقدوس) كدت أتعرض للرفت وهو أول من أخترع (الدوبلاج)!
* (أحمد شوقي) علمني من أجالس، وأن أحافظ على مستوى معين في الصداقة، لأنك إذا صادقت الكبار كبرت معهم، وارتفعوا بك، وإذا صادقت الصغار نزلوا بك، وانخفض مستواك الفكري
* كانت رحلتي الأولى لباريس مع (شوقي بك) لها تأثير كبير علي، لأن تسليه (شوقي بك) عبارة عن تعليم
بقلم الإعلامية الكبيرة: أمينة صبري
مازالنا مع حوار الإعلامية الكبيرة أمينة صبري، مع الموسيقار الخالد (محمد عبد الوهاب)، في الحلقة الماضية حدثتنا عن كواليس هذا الحوار، وكيف تم بفضل الكاتب الكبير (محمود عوض).
وفي الحلقة الأولى تحدث الموسيقار (محمد عبد الوهاب) عن نشأته في حي (الشعراني)، هذا الحي الذي كان لها أثر كبير في حياته، وتكوينه الموسيقي الفني، وتذكر أنه كان يظل ساعات طويلة، وهو طفل صغير يستمع إلى قراءة القرآن الكريم من المقرئين العظام.
وصرح أنه غنى وهو طفل صغير جدا عند الفنان (فوزي الجزايرلي) لملئ الفراغ بين الفقرات الفنية، ويومها ثار أهله ومنعوه من الغناء، فهرب من المنزل لكي يزاول فن الغناء الذي يعشقه.
كما تحدث عن (أحمد شوقي بك) الذي خاف على موهبة الطفل الصغير (محمد عبد الوهاب) من الضياع وسط السهر والتعب، فذهب إلى الحكمدار الإنجليزي وأبلغ عن الذين يشغلونه.
وعن هذا الحوار الممتع تقول الإعلامية الكبيرة أمينة صبري: بعد أن أجريت الحوار الأول مع الموسيقار (محمد عبد الوهاب)، وتم إذاعته نال إعجابه جدا.
وعندما رحلت كوكب الشرق (أم كلثوم) اتصلت به في البيت، وبعد أن رحب بي، طلبت منه حوارا جديدا لبرنامج (حديث الذكريات) عن ذكرياته بالسيدة أم كلثوم، واستحسن الفكرة الجديدة، خاصة أنه تجمعه بكوكب الشرق ذكريات كثيرة جدا منذ نهاية عشرينات القرن الماضي.
ويومها قال لي ضاحكا وهو معجب جدا بحديثنا الأول: (بس بلاش تذكريني أوي، كما حدث في المرة الأولى للبرنامج) ويومها تعلمت درسا مهما في الإعلام، وهو أن أترك الضيف يحكي ذكرياته دون أن أظهر له أنني أعلم ما يحكيه.
المهم ذهبت إليه، وسجلت حلقة جديدة من برنامج (حديث الذكريات) وكانت حلقة في غاية الجمال، ويومها قال (محمد عبد الوهاب) معلومات نادرة لا أحد يعرفها عن كواليس علاقته بأم كلثوم، وسر تأخر تعاونه بها، وقصة تلحين أغنية (أنت عمري)، وغيرها من الكواليس.
والآن تعالوا بنا نعود بالزمن إلى الوراء بطريقة (الفلاش باك) السينمائي، ونستعيد حواري مع الموسيقار الكبير (محمد عبد الوهاب)، ونستكمل ما توقفنا عنده.
* متى بدأت العلاقة بينك وبين الشاعر الكبير (أحمد شوقي) تأخذ مسارا آخر انتهى بصداقة عظيمة، ورعاية شديدة من جانبه لك، حتى إنه شارك في تكوينك الثقافي؟
** (محمد عبد الوهاب): كنت أغني في (سان ستيفانو) في حفل تابع لنادي الموسيقى الشرقي، وإذ بهم يقولون لي أن (شوقي بك) يريدك، ويريد أن يسلم عليك، فحاولت الهروب، ولكنهم أصروا، وأنا كنت وقتها شاب في حوالي الخامسة والعشرين.
وكنت قد التحقت بمعهد الموسيقى، وتعلمت الموسيقى، وكنت مدرسا في مدرستي (الخازندار) و(السلحدار) للموسيقى والأناشيد، وكنت تعلمت (النوتة) في نادي (الموسيقى الشرقي).
ودخلت أيضا المعهد الإيطالي تعلمت فيه الهارموني، وأيضا تعلمت على يد مدرس روسي، وأيضا تعلمت على يد الموسيقي المصري (صفر علي).
المهم ذهبت لمقابلة (شوقي بك) وأنا شاب متسلح بالعلم، وكان هو سعيد جدا بهذه الخطوة، وكانت سعادته أكبر بأنني لم أكتفي بالغناء فقط، مثل باقي الفنانيين في ذلك الوقت، ولكني أصررت على الدراسة.
وكان يشجعني دائما على الدراسة، وأن أتشبه بالفنانيين الذين ارتفعوا بالفن وبمستواه مثل المحامي والفنان (عبد الرحمن رشدي)، والفنان (يوسف وهبي).
* أثر أمير الشعراء (أحمد شوقي) عليك كبير جد، وكما ذكرت فقد شارك في تكوينك الثقافي، وفي رؤيتك الفنية، وفي انفتاحك على فنون العالم، فهل لنا أن نتعرف منك أكثر على أهمية هذه العلاقة؟
** (محمد عبد الوهاب): شوقي بك علمني الكثير، أولا الجلوس معه في حد ذاته كان علما مثل الذهاب للجامعة، فالطالب في الجامعة يذهب للمحاضرة، يستمع ويكتب، وأنا كنت أجلس معه أستمع إليه، وأستفيد.
وكنت أحفظ ما يقوله، أحفظ كلامه مثل حفظي للموسيقى، وكان (شوقي بك) يجلس مع عمالقة مثل (حافظ إبراهيم، وحيد الأيوبي، عباس محمود العقاد) وغيرهم.
وكان يجلس أيضا مع (مكرم عبيد)، وغيره من كبار السياسيين والأدباء، وكانوا يتناقشون وأنا أقرأ عنهم، فكان ذلك أكبر منبع للتعليم، كنت أتعلم علم الحياة، وأتعلم من المناقشة وأنا صامت.
فكان من المستحيل أن أشارك في مناقشة تجمع (شوقي بك، وثروت باشا، وصدقي باشا، ومكرم باشا)، كنت استمع وأتعلم وأستفيد، وشعرت بأنني لابد وأن أحافظ على المستوى.
وأصبحت لا أجد متعة إلا وسط الأصدقاء الذين أستطيع أن أقيم معهم حوارا فكريا ثقافيا، فعرفت الكاتب (توفيق الحكيم) وصادقته صداقة كبيرة جدا، نخرج سويا، ونأكل سويا، ونتسامر معا، وكنا جيرانا، أنا كنت أقطن عمارة (الإيموبيليا).
وكان هو يعيش في (بنسيون) بجانبي، ثم عرفت الفنان (نجيب الريحاني)، وكان جارا لي في نفس البناية، ثم عرفت مصطفى أمين، وكامل الشناوي، وإحسان عبدالقدوس.
والأخير هذا درست له أناشيد، وكدت أتعرض للرفت بسببه، فقد كان صوته نشاذا جدا، فرجوته أن يصمت ولا يغني، ورجوته أن يغني بلا صوت!، أي أن يفتح فمه فقط كما لو كان يغني، يعني أول من اخترع الدوبلاج كان الكاتب إحسان عبدالقدوس!.
أقصد أن أقول أن (أحمد شوقي) علمني من أجالس، وأن أحافظ على مستوى معين في الصداقة، لأنك إذا صادقت الكبار كبرت معهم، وارتفعوا بك، وإذا صادقت الصغار نزلوا بك، وانخفض مستواك الفكري، وظلت هذه المسألة عندي منذ ذلك الوقت.
* كانت أول رحلة لك لباريس هامه جدا في حياتك، وبعد ذلك تعددت رحلاتك هناك، ولكن هذه الرحلة بالذات كانت بمثابة فتح أفاق واسعة من المعرفة لديك؟
** (محمد عبد الوهاب): بالفعل كانت رحلتي الأولى لباريس مع (شوقي بك) لها تأثير كبير عليّ، لأن تسليه (شوقي بك) عبارة عن تعليم، فعندما يريد أن يرفه عن نفسه يذهب إلى أهم المسارح هناك.
ورغم أنني لم أكن أجيد الفرنسية، ولكني كنت أشعر بالجمال وبالحركة والإخراج وبالموسيقى المسرحية، ثم يأخذني في يوم آخر لمشاهدة أشهر عروض البالية، أو نذهب إلى الأوبرا، أو نذهب إلى متحف (اللوفر).
وأنا معه أعيش كل ذلك واستوعبه، وأتذوقه واتفهمه، كان عندما يريد شرب القهوة مثلا يذهب إلى المقهى الذي كان يجلس عليه (فولتير)، ويتحدث معي عن لماذا هذا المقهى بالذات؟!
ومن هو (فولتير) هذا، وأجدني تلقائيا أرجع وأقرأ عن (فولتير)، وهكذا نذهب إلى الغابة التى كان يعشقها الشاعر الكبير (لامارتين)، وهكذا، كان يعشق باريس، والجو الثقافي لها، وعلمني كل ذلك.
……………………………………………..
في الحلقة القادمة نواصل السباحة في بحر حياة الموسيقار محمد عبد الوهاب الفنية والشخصية