رئيس مجلس الادارة : محمد حبوشة
رئيس التحرير : أحمد السماحي

(شفيق المغربي).. سائق التاكسي الذي أوصل النجوم إلى باب الشهرة !

بقلم الفنان التشكيلي: أحمد الفايد

هناك شخصيات تستوقفك تتأملها، وتفكر مليا فيما أنتجوه، وما أبدعوه، تجد إنك أمام كنز من الجمال وثراء من الإبداع وعمق هائل في الرؤية، من هؤلاء الشاعر اللبناني الراحل (شفيق المغربي).

والذي يعتبرا واحدا من أشهر شعراء لبنان الذين تركوا بصمة واضحة في تاريخ الأغنية اللبنانية المعاصرة، وكان تميمة حظ لكل مطرب يبحث عن النجاح.

 خاصة أن كل الأغنيات (الضاربة) التى استمعنا إليها في السبعينات والثمانينات والتى مازالت تتردد حتى اليوم كانت من كلمات (شفيق المغربي).

كان (شفيق المغربي) الموظف المثقف في أحد الجهات الحكومية اللبنانية، يحمل حلمًا كبيرًا في قلبه، وهو أن تصل كلماته الغنائية التى يكتبها إلى كبار الفنانين.

وذلك في زمن كان فيه الوصول إلى عمالقة الفن من المطربيين والملحنيين مثل: (فيروز، وصباح، ووديع الصافي، ونصري شمس الدين، ونجاح سلام، ونور الهدى) والملحنيين (الأخوين رحباني، فيلمون وهبه، حليم الرومي) وغيرهم أمرًا صعبًا.

صباح
هيام يونس

يارب تشتي عرسان

واجه (شفيق المغربي) تحديات كبيرة، وحاول التواصل مع شيخ الملحنيين اللبنانيين (فيلمون وهبي)، ولكن لم يكن رد الأخير مشجعًا على الإطلاق.

فقد كان (فيلمون وهبي) يقول له بتعالي: (دق أبواب الناس كلّا وبالآخر دق أبوابي)، مما يعني أنه يفضل أن يكون آخر الخيارات بدلاً من الاستسلام.

أخذ (شفيق المغربي) هذه الجملة المحبطة وحولها إلى عمل فني غنائي، فكتب أغنيته الشهيرة (دق أبواب الناس كلّا) التي غنتها الفنانة الكبيرة (هيام يونس)، لتحقق نجاحًا باهرًا وتصبح جزءًا من التراث الغنائي اللبناني.

لكن لم تكن هذه الأغنية هى البداية، بل كانت أولى أغنياته (يا رب تشتي عرسان) عام 1964، ويومها عرضها على الملحن (فيلمون) وهبي الذي عرضها بدوره على المطربة صباح، والتي كانت بمثابة انطلاقته الفنية.

وليد توفيق
ربيع الخولي

أبوكي مين يا صبية

بعد النجاح الكبير الذي حققته (يارب تشتي عرسان) توالت أغنيات (شفيق المغربي) لكل نجوم الأغنية اللبنانية تقريبا، فكل الأغنيات الناجحة في رصيد أي مطرب لبناني خاصة من نجوم السبعينات والثمانينات كانت بتوقيع (شفيق المغربي).

فهو الذي أهدى للنجم العربي (وليد توفيق) أروع أغنيات البدايات مثل (أبوكي مين يا صبية، مغرم بعيونك أنا مغرم، يا بنات العشرين، خطوة عزيزة، آلو آلو، عيني يا عيني، يانسيمة) وغيرها.

كما أعطى للمطرب (ربيع الخولي) أشهر ما غنى مثل (مثل الغربا منتلاقى، جيدها يا بحر المرمر، على كيفي، نوينا عا الجازي، وقفوا صفين، يا حلوى يا نور الشمس).

وكتب (شفيق المغربي) للمطرب نهاد طربية (برج الميزان، بيك صاحبنا، وقفوني على حدي) ومنح المطرب الجديد في هذا الوقت راغب علامة عدة أغنيات ناجحة مثل (راغب بقربك، بكره بيبرم دولابك) وغيرها.

كما كتب لجورج وسوف: (حلف القمر، ترغللي يا ترغللي، يا مولدني)، وللمطرب أحمد دوغان (يا زمن، حسبنا حساب)، غسان صليبا (وجه السعد)، وللمطربة داليدا رحمة (ما دام السما زرقا).

ملحم بركات
نصري شمس الدين

ملحم بركات ونصري وطروب

لم يقتصر إبداع (شفيق المغربي) على جيل الشباب فقط الذى كان يرى أنهم أمل ومستقبل لبنان، ولكنه كتب للجيل الذهبي للأغنية اللبنانية مثل الشحرورة (صباح).

والتى كتب لها بعد النجاح الكبير الذي حققته أغنيتهما الأولى (يارب تشتي عرسان)، عدة أغنيات أخرى نذكر منها (كحيل العين، يدوم عزك يابو العز، ألو بيروت).

وكتب (شفيق المغربي) أيضا لملحم بركات (على بابي واقف قمرين، علواه يا ليلاه، أبوها راضي وأنا راضي) ولسمير يزبك (دقي دقي يا ربابا)، وللمطربة هيام يونس: (دق بواب الناس كله)

وللمطرب طوني حنا (حدي يا حدي، لا تحلفيني بالشنب، يابا يابا له)، كما خص المطرب رائع الصوت نصري شمس الدين بعدة أغنيات منها (الطربوش، سامحينا).

كما كتب (شفيق المغربي) لمطربين آخرين نذكر منهم المطرب نزيه المغربي (بطّل عاجبها، نجوم السّعد)، وفريال كريم (قرقورك يا بديعة)، محمد جمال (علالي وقصور عمّر)، ولطروب (يا حلاق عمللي غرّة)، ولعبد الكريم الشعار (صعب المنال)، وجيزيل نصر (ماحاسيبك إحنا ماحاسيبك).

شفيق المغربي وزوجته

سر دموع شفيق المغربي

(شفيق المغربي) كان مثالاً للتواضع والإيثار في أوقات الحرب والاضطراب، خلال الحرب الأهلية اللبنانية، لم يكن الشاعر العظيم يتفرغ فقط لكتابة الأغاني، بل عمل أيضًا سائق تاكسي على خط (دمشق – بيروت)، ليعيل أسرته.

كانت كتابة الأغاني وحدها غير كافية في تلك الفترة لتلبية احتياجات أسرته، لذا وجد في قيادة سيارته وسيلة لدعم عائلته.

لقد كانت سيارته بمثابة شريان حيوي يربط بين (دمشق وبيروت)، كان (شفيق المغربي) ينقل مطربي لبنان الهاربين من لظى الحرب في وطنهم إلى دمشق الآمنة، حيث كانوا يحيون حفلاتهم في مطاعمها ومرابعها، ثم يعيدهم إلى بيروت، عابرًا بين مناطق المعارك وحواجز الأطراف المتحاربة.

عندما كان يُسأل عن أحوال بيروت جراء الحرب، كان (شفيق المغربي) يغرق في دموعه، متأثرًا بعمق لما حل بمدينته الحبيبة من دمار وخراب، لقد كان ألم الحرب يثقل قلبه، وعجل منيته ما تعرضت له بيروت من دمار بسبب غزو الاحتلال الإسرائيلي عام 1982.

راغب علامة
جورج وسوف

أغنيات خالدة في ذاكرة الفن

رغم كل الصعوبات، ظل (شفيق المغربي) صامدًا، يواصل عمله ويعبر عن حبه لوطنه من خلال كلماته التي خلدت في ذاكرة الفن، بفضل إرادته وإبداعه، وقدم المغربي عددًا غزيرًا من الأغاني في فترة قصيرة، ليصبح منافسًا قويًا لكل شعراء لبنان، بما فيهم (الأخوين رحباني)، ولكن بأسلوبه الخاص والمميز.

وعلى مدى مشواره أثبت (شفيق المغربي) أن الإبداع الحقيقي يمكن أن يحقق النجاح حتى في أصعب الظروف، ولقد كتب أشعارًا لكبار الفنانين في فترة بين 1960 و1982، وكان له تأثير عميق على الساحة الفنية اللبنانية والعربية.

وكانت أعماله الغنائية تتميز بالعمق والإبداع، وساهم في إغناء أرشيف الفن بأغاني قام بغنائها عمالقة الفن مثل (صباح، هيام يونس، نصري شمس الدين، فيلمون وهبي، وملحم بركات، طوني حنا، وليد توفيق، ربيع الخولي، راغب علامة، جورج وسوف،).

المثير هو أن حوالي 80% من أعماله ظهرت للنور بعد وفاته، مما يعكس مدى قوة وتأثير كلماته، التي استمرت في التأثير حتى بعد رحيله.

كان (شفيق المغربي) منافسًا شرسًا للشعراء في لبنان، لكن تأثيره كان أكبر من مجرد الجسد؛ فقد عاشت كلماته وفنه، وبقيت حيه في قلوب الناس.

(شفيق المغربي)، هو تجسيد حقيقي للقدرة على تحويل الصعوبات إلى نجاحات لامعة، فعلى الرغم من الظروف التي واجهها، وإحباطاته التي عاناها، استطاع أن يترك بصمة عميقة في عالم الفن، عبر كلماته وأشعاره التي تغنى بها أبرز الفنانين.

 ومن خلال مسيرته، أثبت (شفيق المغربي) أن الإبداع لا يحتاج إلى جسد بقدر ما يحتاج إلى روح صافية وإرادة قوية، لقد عاش المغربي بأعماله وأشعاره، واستمرت تأثيراته حتى بعد رحيله، فقد جاءت أعماله بمثابة إلهام للكثيرين.

 وكانت دليلاً على أن الفن الحقيقي لا يموت بل يعيش في القلوب والعقول، رحم الله الشاعر اللبناني الكبير (شفيق المغربي)، وتحية مودة لصديقي العزيز المخرج (ماهر المغربي)، الذي يحمل شعلة الإبداع في عالم الفن.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.