بقلم الكاتب الصحفي: بهاء الدين يوسف
واحد من أشهر أمثال جداتنا يقول (الفاضي يعمل قاضي) لكن في زمن السوشيال ميديا والتغييب الإعلام يمكن أن نعيد صياغة المثل نفسه فنقول أن الفاضي في هذا الزمن ممكن جدا يعمل صحفي أو صانع محتوى (التفاهة).
فلا يحتاج الأمر سوى نشر بضعة أخبار من نوعية (التفاهة) لا هدف من نشرها إلا إشباع شبق القراء الأكثر تفاهة لمعرفة كل تفاصيل حياة النجوم وآرائهم وكل ما يخصهم، البعض يفعل ذلك حبا في هؤلاء النجوم والأغلبية يستغلوا الفرصة لإخراج كل ما في جعبتهم من حقد اجتماعي وأمراض نفسية.
رصدت بضعة أخبار منشورة في عدد من المواقع المصرية والعربية خلال الأيام الماضية، واخترت لكم منها بعض الأخبار والتقارير الأكثر في فن (التفاهة)، فهذا خبر صحفي يرصد ماذا قال النجم (أحمد حاتم) لأبنه في عيد ميلاده ولا أدري ما هى الفائدة التي يمكن أن تعود على أي قارئ من هكذا خبر؟!
خبر ثاني في إطار (التفاهة) يحمل عنوانا مضللا من عينة عناوين الـ clickbait التي تجلب الحظر على حساب من يضعونها، يقول العنوان (وتقابل حبيب.. جديد ياسمين عبد العزيز بعد طلاقها من العوضي)، وهو إيحاء رخيص يواصل استغلال جدل طلاقها ويربطه بعمل جديد تستعد للمشاركة فيه.
ربما يتواضع الخبران السابقان في جلب الاستياء أمام التقرير التالي الذي يقتطع جزءا من حوار لعمرو أديب مع (أنغام) لا أدرى متى يتحدثان فيه عما إذا كانت تعرضت للخيانة الزوجية، بينما (عمرو) يحاول مواساتها بأنها ليست وحدها التي (قرطسها) زوجها وإنما (مارلين مونرو) تعرضت للقرطسة بدورها.
هناك أيضا مجموعة أخرى من أخبار (التفاهة) التي يمكن أن تندرج تحت تصنيف (مالهاش ستين لازمة)، مثل تبرير شقيق ياسمين عبد العزيز لخبر طلاقه، ونفي مذيعة شائعات زواجها من الممثل والمطرب (خالد سليم)، وسعر فستان (أنغام) الذي ارتدته في حفل جدة، ونفي المطرب ويجز ارتباطه بالممثلة (أسماء جلال).
أخبار باتت عناوين المواقع
السؤال الذي دار في ذهني ولا يزال يؤرقني دون أن أجد له إجابة عند أحد من أصدقائي، وكلهم من الصحفيين الذين يملكون سنوات طويلة من الخبرة في الصحافة المصرية والعربية، هل هذه النوعية من الأخبار التي باتت تتسيد عناوين أغلب المواقع المتحدثة باللغة العربية هى نتاج عصر التسطيح و(التفاهة) الذي نعيش فيه؟!
أم أنها هي من مهدت الأرض لوجود هذا العصر؟
قرأت الكثير من الكتابات التي أجمعت على أن الإعلام والفن هما مجرد انعكاس للمجتمع الذي يعبران عنه، فلا يمكن أن تجد إعلاما رصينا وفنا راقيا في مجتمع هزلي يفتقد القيمة ويعظم السطحية.
نفس المعنى يؤكده الكاتب الفرنسي (آلان دونو) مؤلف كتاب (نظام التفاهة)، حيث يقول أنه عند غياب القيم والمبادئ الراقية يطفو الفساد المبرمج ذوقا وأخلاقا وقيما، والهدف هو عزل المنغمسين في ملذات الشهرة التواصلية عن واقعهم.
التطبيق العربي للتفاهة
حين تقرأ الكلمات السابقة لا تملك إلا أن تفكر أنه في التطبيق العربي للتفاهة لا يمكن استبعاد الجانب السياسي، حيث تستفيد دول العالم الثالث المتراجعة ديمقراطيا من استمرار (التفاهة)، لأنها تحجب أخطار توعية الشعوب بحقوقها وواجباتها.
فيتحول الحس النقدي الذي ينتج عن متابعة المواد الهادفة التي تشحذ الفكر وتشحن العاطفة إلى حس (فضائحي) و(سطحي)، ويحيلهم إلى حيوانات تقودها غرائزها بدلا من عقولها.
بداية اعرف أن هذا السعي وراء كل ما هو تافه وسطحي وغير مفيد في الإعلام العربي محاولة للسير على خطى الإعلام الغربي والأمريكي بشكل خاص الذي أعطى شرعية لكل ما هو تافه من الأخبار، وأصبحت برامج (الباباراتزي)، التي تترصد أخبار المشاهير هي الأعلى مشاهدة هناك.
ولدت (صحافة الفضائح) في خمسينات القرن الماضي في الولايات المتحدة وبريطانيا كواحدة من نتائج حالة الرعب التي عاشتها شعوب الدولتين خلال الحرب العالمية الثانية، ثم حالة الذعر من الشيوعية التي ولدت بعد نهاية الحرب.
كان مبدأ عمل هذه الصحف يقوم على نشر معلومات وأخبار مثيرة، علاوة على الكثير من الصور، ويلجأ صحافيوها إلى استخدام مختلف الوسائل المشروعة وغير المشروعة للوصول إلى المعلومة المحترمة وغير المحترمة.
بداية من رشوة بوابي العمارات التي يسكنها النجوم إلى خادماتهم وصولا الى التفتيش في قمامة النجوم بحثا عن معلومة مثيرة وليس بالضرورة أن تكون حقيقية.
المهم هو مغازلة غرائز القارئ بدلا من حواسه وعقله، كما فسر ذلك صحفي في إحدى هذه الصحف، حين قال (ما كان يعجب القراء ويدفعهم إلى اقتناء الصحيفة هو قلة أدبنا وانعدام أخلاقنا)، وللأسف هذا هو السائد بين جموع القراء بدليل أن الكثيرين لن يكملوا المقال لانه لم يشبع ما بداخلهم من نهم لـ (التفاهة)!