تعرف على الحرفين اللذين حذفتهما (أم كلثوم) من أغنيتها (ظلمنا الحب) لبليغ حمدي!
المطرب الحقيقي يمتلك حساً استثنائياً بالكلمة التي يغنيها، فهي لابد أن تتسرب إلى أعماقه، وتذوب في وجدانه، ويجب ألا تكون زائدة، أو مكررة، أو ثقيلة على الأذن، وإلا رفضها على الفور وطلب من الشاعر مؤلف الأغنية تغيير هذه الكلمة أو ذلك المقطع، فى هذا الباب سنتوقف مع بعض الأغنيات التى تم تغيير بعض كلماتها، أوحذفه.
كتب: أحمد السماحي
تعاونت (أم كلثوم) مع العبقري بليغ حمدي الذي نحيي هذه الأيام ذكراها الـ 31، في العديد من الروائع الغنائية التى لا تنسى، بداية من (حب إيه، إلى آخر أعمالهما حكم علينا الهوى).
وفي كل هذه الأغنيات تدخلت (أم كلثوم) بالتعديل والحذف والإضافة، وكان (بليغ حمدي) يستقبل كل هذه التدخلات برحابة صدر، ولا يتضايق منها، على العكس كان يرى أن أم كلثوم تعشق فنها، وتريد الوصول إلى الأفضل.
وما كان يطمئن (بليغ حمدي) إلى هذه التدخلات أن كوكب الشرق كانت على درجة كبيرة من الثقافة، رغم عدم دخولها مدارس، لكنها ثقفت نفسها بنفسها بفضل شعراء وأصدقاء كانوا بجوارها دائما تجلس معهم وتستفيد من ثقافتهم وحبهم للمعرفة.
وكان مفتاح الشاعر إلى صوت (أم كلثوم) هو عقلها، والمفتاح إلى عقلها هو الكلمة الجديدة، والصورة الجديدة والمعنى الجديد.
غنت (أم كلثوم) لشعراء عظماء كثيرين مثل (أحمد شوقي، حافظ إبراهيم، أحمد رامي، بيرم التونسي، إبراهيم ناجي، مرسي جميل عزيز، عبدالوهاب محمد) وغيرهم.
وفي كل عمل جديد يعرض عليها من هؤلاء الشعراء أو غيرهم كان عقل (أم كلثوم) يتحول إلى معمل اختبار يقارن، يختار، يضيف، يحذف، يقرر.
أم كلثوم مكان المستمع
فمثلا عدلت (أم كلثوم) في قصيدة (إلى عرفات الله) لأحمد شوقي، فمطلع القصيدة كان يقول: (عليك صلاة الله يا ابن محمد)، ولكنها غنته (عليك سلام الله يا خير زائر)، وفي نفس القصيدة حذفت كلمة (العرصات) التى قد يستهجنها البعض واستبدلتها بكلمة (الشرفات).
وفي قصيدة (الأطلال) لإبراهيم ناجي، أضافت إلى القصيدة الأصلية هاتين الشطرتين: (هل رأى الحب سكارى مثلنا، كم بنينا من خيال حولنا)، ثم هذا البيت: (وانتبهنا بعد ما زال الرحيق، وأفقنا ليت أنا لا نفيق).
لقد كتب الشاعر هذين البيتين أصلا في قصيدة أخرى بعنوان (الوداع) ولكن (أم كلثوم) أضافتهما إلى قصيدة (الأطلال) وبطريقة لا يستطيع المستمع اكتشافها بسهولة.
والمهم عند (أم كلثوم) ليس في التعديل، المهم يكون التعديل والحذف والإضافة إلى الأحسن والأفضل والأجمل، حتى لا تجرح أذن المستمع بكلمة تخاصم الذوق أو غير مستساغة أو غير مفهومة أو تحمل أكثر من معنى.
فأم كلثوم تبحث عن الشيئ الجديد، تبحث عن فكرة، عن معنى، تعبير، جملة، أو حتى كلمة!، إنها تفعل ذلك نيابة عن مستمعيها، وهذه صفة ضرورية جدا لكل مطرب يريد النجاح أو الاستمرار في النجاح أن يضع نفسه مكان المستمع وهو يختار أغنياته.
جمل أحبتها (أم كلثوم)
يقول الكاتب محمود عوض أعجبت (أم كلثوم) في أغنياتها ببعض الكلمات والجمل، فأعجبها مثلا تعبير تقول فيه (بافكر فيك وأنا ناسي)، و(عزة جمالك فين، من غير ذليل يهواك)، و(واحشني وأنت قصاد عيني) أو (أغمض عينيك حتى تراني).
وأعجبها كثيرا جملة تتلاعب فيها بكلمات تقول (يسقينا الهنا، ويقول بالهنا)، و(ياما عيون شاغلوني لكن ولا شغلوني).
كما أعجبها صورة دقيقة الظلال يرسمها الشاعر بقوله: (ما بين بعدك وشوقي إليك، وبين قربك وخوفي عليك، دليلي احتار وحيرني).
ونال إعجابها صورة تركز صراعا نفسيا حادا في أربع كلمات تقول (غلبت أصالح في روحي)، أو في خمس كلمات تقول (أكاد أشك فيك وأنت مني).
ويضيف (محمود عوض): كانت (أم كلثوم) تحب أن تتذوق التعبيرات القوية المركزة، تعبيرات مثل (ظالم الحسن)، أو (هل رأى الحب سكارى مثلنا)، أو (الثواني جمرات في دمي).
تعبيرات تصور المعنى بأسلوب مختلف، مرة بقولها: (أنت أقرب مني ليه، حتى وأنت بعيد عليه) ثم مرة أخرى (وأنت معايا يصعب عليه، رمشة عينيه، ولا حتى ثانية).
(أم كلثوم) وظلمنا الحب
من الحكايات الطريفة والمهمة في نفس الوقت ما حكاه الشاعر الكبير (عبد الوهاب محمد)، الذي كتب لها مجموعة من الأغنيات منها (حب ايه، وأسأل روحك، وللصبر حدود، وفكروني، حسيبك للزمن، وحقك بلادك، وحكم علينا الهوى) وغيرها.
ومن الأغنيات الجميلة التى غنتها الست للشاعر (عبد الوهاب محمد) من ألحان العبقري (بليغ حمدي) أغنية (أنا وأنت ظلمنا الحب).
ويحكي الشاعر (عبد الوهاب محمد) أنه أثناء التجهيز لهذه الأغنية، وأثناء قراءته لكلمات الأغنية أوقفته أم كلثوم عند البيت الذي يقول: (وضاع الحب ما بين قلبي وقلبك ضاع).
وقالت له: احذف حرفي (الياء) من كلمة قلبي، وحرف (الكاف) من كلمة (قلبك)!.
فقال لها : مش فاهم؟
ردت أم كلثوم: خليها (ما بين عند قلب، وقلب ضاع).
فسألها (عبد الوهاب محمد: ليه يا ست؟!
فأجابت: مادام العناد وصلنا لهذه المرحلة يبقى لا دا قلبي، ولا دا قلبك!.
ولحن العبقري بليغ حمدي هذه الجملة بشكل رائع رغم درامية وصعوبة الكلمات.