بقلم الكاتب الصحفي: محمد شمروخ
غداً يوم الاحتفال بذكرى المولد النبوي الشريف، وبهذه المناسبة لابد من عرض عدة أفلام دينية ارتبطت بهذه المناسبة الكريمة، ويأتي في مقدمتها فيلم (الشيماء)، وهو الأشهر من بينها جميعاً، بل والأكثر جودة من كل النواحي الفنية، من حيث السيناريو والحوار والإخراج.
وفضلاً عن الأداء المتميز للممثلين جميعاً في فيلم (الشيماء)، وفي مقدمتهم سميرة أحمد وأحمد مظهر، كانت المطربة سعاد محمد هى البطلة الخفية التى لم تظهر إلا بصوتها وأدائها العبقريين، مما أعطى الفيلم مذاقا خاصاً بكلمات أغاني عبد الفتاح مصطفى وألحان محمد الموجي وبليغ حمدي وعبد العظيم محمد.
لكن البطل الأول في فيلم (الشيماء)، كان مخرجه (حسام الدين مصطفى)، الذي استطاع بلمسات فائقة أن يشعرنا بأننا نعيش في واقع الحياة الجاهلية بعدة مشاهد منها مشهدان للرقص الشرقي قدمتهما راقصتان محترفتان.
حيث كان مشهد الراقصة الأولى في الدقيقة 27 من الفيلم، ترقص على أغنية (رقي لنا) وكان ذلك – حسب السيناريو – بعد إتمام الصفقة التجارية بعد أن اشترى (أبو لهب) ما حملته قافلة تجارية قادمة من ديار (بني سعد) على رأسها (بجاد)، إلى سوق (حباشة) قرب مكة، فبعد إتمام تلك الصفقة، اصطحب (عكرمة بن أبى جهل)، بجاد للهو والطرب.
الموسيقى والرقص في الجاهلية
وهذ المشهد (حسام الدين مصطفى)، لم ينقله لنا من الحياة الجاهلية، إنما أشعرنا وكأنه نقلنا نحن من أمام الشاشات ليأخذنا إلى قلب الحياة هناك، هذا بالرغم من أننا لا نكاد نعرف كثيراً عن حال الموسيقى والرقص في الجاهلية.
لكنهما على أي حال لم يكونا في الواقع القديم في حياة العرب الجاهلين، خاصة في الآلات أوالأداء في المشهد، غير أن أجواء الفقرة الراقصة أنجزت ما أراده المخرج بتجسيد حياة اللهو والعبث في حياة الجاهليين.
ومع أن فيلم (الشيماء) تاريخي ديني، إلا أن أحداً في ذلك الحين (1972 سنة إنتاج الفيلم) لم يعترض أو يعرض بذلك!
أما المشهد الثاني، فقد كان بعد الساعة الأولى من الفيلم بحوالى 10 دقائق، حيث شاهدنا استعراضاً راقصاً ثانياً ولكن بالموسيقى وحدها بدون غناء، لراقصة أساسية بين أربع راقصات قدمن للاستعراض ومهدن لظهورها في لوحة لا يمكن وصفها إلا بأنها بارعة رغم أنها وضعت للتنفير من حياة هؤلاء.. والعجيب أنه مع هذه البراعة، إلا أن هذا التنفير المقصود قد أحدث أثره!
ولا يجادل مجادل أن كلا المشهدين لا يمكن أن يكون أى منهما قد أقحم على الفيلم، ولا تم حشرهما لأسباب تجارية أو على سبيل الإغراء، فرغم الأداء الراقص إلا أن المخرج نجح في توليد حالة من التبغيض لحياة اللهو من جيل الجاهليين الرافضين للرسالة المحمدية.
ما بين الخمر والرقص
وأظهر بوضوح كيف كانوا عبيدا لشهواتهم ما بين الخمر والرقص والعبث مع الجوارى والغلمان، فقد ظهر في جانب من المشهد، كيف كان عكرمة – قيل إسلامه – يعبث بأحد الغلمان!
وفي الوقت نفسه، كانت جرأة من صناع الفيلم، أن يقدموا (الشيماء)، وهى أخت الرسول، صلى الله عليه وسلم في الرضاعة تشدو بالغناء، ففى حين كان الرقص في خدمة التنفير من الكفار، كان الغناء على العكس تماماً بالترغيب في الدين الجديد الذي ينكر مظاهر اللهو في الحياة الجاهلية!
هذا مع أنه لم يثبت أن (الشيماء) – رضي الله عنها، كانت تغنى، بل إن هناك من يشككون في بعض الروايات الواردة بأنها كانت تنشد الشعر.
لكننا هنا نقف أمام عبقرية مخرج وإن لم يلتزم تاريخياً بدقة الروايات الواردة عن الأحداث، (وهذه ليست مسئوليته)، إلا أنه بدا وكأنه امتطى آلة عجيبة اخترق بها حواجز الزمن ليجعلنا نعيش أجواء عصر فجر الرسالة المحمدية في تلك البيئة العربية.
لقد قاد (حسام الدين مصطفى) فريق عمل أخرج لنا واحداً من أروع ما يمكن أن نطلق عليها (أفلام الذكريات)، حيث تمكنوا جميعاً من إنجاز عمل من روائع السينما العربية، من خلال الديكورات والموسيقى التصويرية والإضاءة والمؤثرات الصوتية واللغة العربية السليمة.
مع براعة القصة والسيناريو والحوار لكل من (على أحمد باكثير، وصبري موسى وعبد السلام موسى)، وكذلك دقة المراجع اللغوى الممثل (أحمد شوقي) والذي كان؛ بالإضافة إلى دوره القصير في الفيلم؛ مساعداً للمخرج.
فهذا هو الفن الأصيل عندما يتمكن من إعادة تشكيل العناصر الدرامية والخروج بها من دلالاتها المباشرة إلى ما يخدم العمل ويخرج الصورة العامة كما يراد من أجل تكريس مقصدها العام الذي أثر في نفوسنا جميعاً مع كل مشاهدة للفيلم في أى مناسبة من المناسبات الدينية!