رئيس مجلس الادارة : محمد حبوشة
رئيس التحرير : أحمد السماحي

(المتحدة) مؤسسة عملاقة تروج لنفسها بترسيخ الفشل!

كتب: محمد حبوشة

على الرغم من أنها المعادل الموضوعي للفشل في تجلياته المرعبة، لست أدري لماذا قررت الشركة (المتحدة) للخدمات الإعلامية، نشر إعلان استعراضي عجيب في هذا الوقت من عمر وطن يترنح في إثبات هويته، وهذا الإعلان للأسف تفتخر فيه الشركة بأنها رقم (1)، عبر (46 شركة، و17 قناة، و12 منصة إخبارية رقمية، و6 محطات راديو)، كلها تعمل في قلب الإنتاج الفني  والإعلام المصري، وكأنها لا تتبع المثل القائل: (إذا بليتم فاستتروا).

نعم (إذا بليتم فاستتروا)، فهذه الشركة (المتحدة) كتبت في إعلانها أنها من أكبر الكيانات في مجال الإعلام والترفيه في الشرق الأوسط، حيث تتنافس على مستوى عالمي مستندة على مجموعة من أكبر الشركات التابعة لها، وهى في الواقع تعد أكبر شركة للإنتاج الفني والمنصات والقنوات والإذاعات والإعلانات، لكنها لم تنتبه إلى أنها تستعرض امتلاكها كيانات كبيرة تلعب دورا حصريا في القوى الناعمة الحالية، في وقت تتراجع فيه القوى الناعمة نفسها.

وهذا الأمر جراء إنتاجها المتدني في المستوى الفني والإعلامي في مصر، وظني أنه كان يلزمها أن تكشف عن ماتم إفاقه وماتم تحقيقه في ترسيخ الهوية، باعتبارها صرفت عشرات المليارات منذ 8 سنوات دون (حساب) أو تحقيقي إنجاز ملموس على أرض الواقع المعاش، إنجاز يشير إلى انحيازها الكامل للمواطن المصري، الذي كل ومل من دراما تفسد الذوق العام عبر مسلسلات تروج للعنف والعشوائية، فضلا عن إعلام هزيل يخاصم الواقع والتاريخ.

هبطت (المتحدة) للخدمات الإعلامية عام 2016 علينا كطائر (الرخ الأسطوري)، لتبتلع القوى الناعمة المصرية بين عشية وضحاها، وراحت تنكل بشركات الإنتاج العاملة في الإنتاج السينمائى والتلفزيوني، وهذا أثبت فشلها، فلاهى طورت الإنتاج على مستوى الشكل والمضمون، ولاهى أفسحت المجال للمنافسة بين الشركات، بل إنها اقتصرت على فئة ونجوم بعينهم وإقصاء الباقي من المشهد.

ومن خلال متابعتي لإنتاج (المتحدة)، أوقن أنها لا تعطى للوطن أهمية كبيرة في حياة الإنسان، فهو رمز هويته وتاريخه وفخره وكرامته، فالوطن هو ذلك المكان الذي يوجد فيه حقوقه مثل حقه في الانتخاب وحق في الامتلاك وحقه في العيش الكريم وحقه في ممارسة شعائره الدينية وحقه في عاداته وموروثاته من أجداده.

بل وحقه في الاستقرار والأمن من خلال وجود حكومة أو سلطات تكون مهتمة به وبتوفير كل ما يحتاجه للحياة من غذاء وأمن وعلاج وغيرها من الاحتياجات الإنسانية المختلفة، وعلى رأسها حاجته الثقافية والفنية التي لاينبغي أن تكون حكرا على فئة دون غيرها من سائر فئات المجتمع.

ينبغي أن نكون شركاء جميعا في الفكر والإبداع

نحن شركاء في الوطن

علما بأنه ينبغي على هذه الشركة أن تعلم أننا شركاء جميعا في الفكر والإبداع من خلال التنوع بين الأفراد والشركات والمؤسات، وفتح المجال العام في الإنتاج الفني الذي من شأنه التنوع في إنتاج يليق بهذا الوطن، لكنها للأسف خلقت (المتحدة) مناخا غير صحي بالمرة، ساهم بدور خطير في إفساد الذوق العام بالضرورة.

وظني أن الممارسات التي تقوم بها الشركة (المتحدة) من جانب (شلة) بعينها تعتمد القرابة والمصاهرة، وغيرها من أمور لاتشجع على الشعور بالانتماء الوطني، بقدر ما ترنو نحو التنفير والإقصاء والاستفزارإلى حد الشعور بالقهر، خاصة في غياب الدولة بشكل رئيسي في أمور الفصل بالقانون بين حقوق هذه الشركة وواجباتها.

وذلك بغض الطرف عن الممارسات التي تخالف المنطق والعقل والدين، ومن فوق ذلك كله تخالف الدستور الذي يؤكد في مواده وبنوده على حقوق المواطنة وتأكيد الهوية المدنية، رغم أنها مصونة بالحقوق التي تسبغها الدولة، وبالواجبات التي يؤديها المواطنون.

أيتها الشركة التي تدعي الوطنية: أليس هؤلاء المواطنون مستقلون ومتساوون في أوضاعهم الشرعية، وأعتقد أنه لا يتعارض الانتماء الوطني مع الانتماءات المتعددة الأخرى للفرد، مثل الانتماء للدين أو القبيلة أو الطائفة، بل إن الانتماء الوطني هو الذي يتكفل بحماية الانتماءات المختلفة في ظل نظام يحكم بالعدل والقانون.

السطور الماضية أعتبرها إنذار خطر جديد للانتباه للآثار السلبية التي نعاني منها طوال 8 سنوات عجاف شهدت (غياب التنافسية التي تهدد صناعة الدراما المصرية)، في إطار التأكيد على أن المواطنون المصريون متساون في الحقوق كما هم متساون في الواجبات.

كتبت هنا في (شهريار النجوم) منذ أكثر من سنة صارخا، حول ما يتهدد صناعة الدراما المصرية، وفي حينه وردت إلينا ردود فعل كثيرة منها ماهو مبطن برسائل الغضب المكتوم، ومنها ماهو معلن يتضمن صرخة مدوية تطالب بتعديل المسار بعد أن انحرفت (المتحدة) عن الهدف الذي حدد لها منذ ما يقرب من حوالي 15 عاما.

ولعله معلوم بالضرورة، أنه كان الهدف وقتها إنشاء (شركة واحدة وقناة واحدة وجريدة واحدة) تختلف في مضومنها عن السائد بإنتاج يعتمد الموضوعية والتأكيد على الهوية الوطنية في المعالجة لكافة القضايا المصيرية في حياتنا، شريطة الاعتماد على الكفاءات المهنية في الفن والإعلام.

كان الهدف الأساسي لها أن تعمل بمقاييس الجودة بضم الكفاءات الحقيقية لها في سبيل إشعال المنافسة

فكرة سيطرة (المتحدة)

هذه الشركة كان الهدف الأساسي لها أن تعمل بمقاييس الجودة بضم الكفاءات الحقيقية لها في سبيل إشعال المنافسة الشريفة التي تكفل تحريك المياه الراكدة، وذلك بعيدا عن المحسوبية والعائلية وغيرها من قيم تأسست عليها (المتحدة) ككيان يبتلع كل الشركات تحت مظلة واحدة عام 2016 بدعوى الحفاظ على قيم المجتمع.

والحقيقة أن فكرة سيطرة (المتحدة) على المشهد الفني والإعلامي برمته على جناح (الاحتكار)، أحكم الخناق على الشركات الوطنية الأخرى التي أنتجت أعمالا كثيرة تعد علامات بارزة في صناعة الدراما المصرية على مدار عشرات الستين سنة الماضية، بل إنها ترصع لوحة الفن المصري بألماس الموهبة والإبداع.

لقد كانت روح المنافسة هى التي تصنع الجودة، وكان هناك تعاون مشترك بين هذه الشركات ومدينة الإنتاج الإعلامي، ومن قبلها قطاع الإنتاج في التلفزيون (أيام المرحوم ممدوح الليثي) رئيس قطاع الإنتاج بالتلفزيون المصري، حتى أنهم كانوا يستوعبون الشركات العربية بالتعاون في إنتاج أعمال مشتركة.

ذلك التعاون الذي كان من شأنه أن تضمن عرض مسلسلاتنا على القنوات العربية من ناحية وتوثيق الروابط الأخوية من ناحية أخرى على جناح القوى الناعمة، لكن حينما دست (المتحدة) أنفها في الإنتاج والإعلام فإنها ابتلعت الأخضر واليابس في أحشائها، وراحت تعبث بالإنتاج على هوى أشخاص بعينهم رغم معرفة قيادتها الرشيدة بفسادهم وجهلهم بأبسط قواعد الإنتاج الفني الذي يعلي من شأن المجتمع. 

بل يمكنني القول براحة تامة: أنها سدت الأفق العام، وعرقلت القنوات الطبيعية في الإنتاج الجيد، دون مراعاة قواعد المنافسة والإطاحة بشركات عربية خارج حلبة المنافسة على الدراما المصرية، حتى تنفرد وحدها بالسيطرة على عقول المصريين بإنتاج يخاصم القيم والأعراف وحتى الخروج على القانون من خلال عشوائية المسلسلات، وفوضى القنوات العابثة في اللامعقول من القضايا التي تعلي من شأن التفاهة.

لقد آن الأوان لتقديم جردة حساب تعتمد الشفافية بعد 8 سنوات بعد أن قضت على الفن المصري، فضلا عن إهدار المال العام، وكان هذا سببا في تراجع دور القوى الناعمة المصرية في عصر السماوات المفتوحة، بعد صعود نجم دول مجاورة، رغم أنها لا تحمل تاريخا يذكر في الفن،مثل مصر التي تقوقعت على نفسها الآن، وصارت مطمع للجميع من خلال استقطاب نجومها ورموزها كي تلمع سماء تلك الدول على حساب قوة مصر الناعمة.

ياسادة لم ينجح أي موسم رمضاني منذ 8 سنوات في لوحة رمضان كل عام سوي بعض المسلسلات التي تعد على أصابع اليدين فقط، لذا أتمنى أن تفيق إدارة (المتحدة) على الواقع الدرامي المأزوم جراء سياساتها العقيمة، وذلك بإطلاق روح المنافسة ليس بالاحتواء ضمن باقات إنتاجها، بل بإفساح مجال يسمح بإنتاج لايخضع لرقابة تعمل على تنقيه الدراما إلى حد خلوها من مضمون جيد.

أرى أن إنتاج (المتحدة) الحالي يرسخ للإسفاف

إنتاج لايرقى إلى المستوى

ولهذا وذاك، أرى أن إنتاج (المتحدة) الحالي يرسخ للإسفاف وعدم مراعاة أن (الدراما تكتب التاريخ حاليا)، لذا أنبه إلى خطورة الموقف الحالي، حتى لا يأتي ذلك اليوم الذي نسكب فيه الدمع على دراما كانت لاتعنى بالوطن والموطن ولاتعكس هموم الإنسان المصري، بل تسعى لإفساد القيم والأخلاق والاجتراء على القنانون.

فضلا عن أنها لا تستعرض تاريخيا بشفافية مطلقة بعيدة عن الهوى الشخصي وضيق الأفق والجنوح نحو أفكار تدعي عصريتها بإنتاج لايرقى إلى المستوى الذي يليق بالفن المصري الذي كان شامخا عاليا تنظر له الأمم بسمو وفخر الصناعة المصرية التي تصب في خانة بناء الإنسان وليس هدمه كما هو كائن حاليا.

وهى أقل ما توصف به أنها محاوللات (خزعبلاية) تنطق بها ورش للكتابة الساذجة، بينما هنالك كتاب مشهود لهم بالكفاءة على مستوى الخيال الخصب الرشيق الذي يذهب إلى مناطق غير مؤهلة، ومع ذلك يجلسون في بيوتهم دون أن يطرق أبوبهم عاقل رشيد يخاف على مصلحة هذا البلد، ويغار على فنه الذي هوى أمام عوصف تكنولوجية جديدة لن تكن في الحسبان.

دعونا نستقدم من الواقع قضايا حقيقية تنتمي لهذا الوطن بدلا من سرقة أفكار مسلسلات (تركية، أسبانية، أمريكية، إنجليزية، وكورية)، والأخيرة هى من رسخت للعنف والقتل بأعصاب باردة، كما ساهمت في انحطاط القيم عبر علاقات مفتوحة تخاصم ديننا وأخلاقنا، وللأسف سادت هذه الظاهرة الدراما المصرية خلال السنوات القليلة الماضية، وأصبحت طوفانا هادرا على جناح التراخي بدعوى الحريات المفتوحة.

وأخيرا أقول: نظرا لأنه لم ينجح في لوحة رمضان 2024 بالكاد سوى مسلسين، هما (الحشاشين، جودر)، بينما جاءت بقية المسلسلات تتبارى في الإساءة لأخلاقنا وعاداتنا وسلوكنا، وحتى المسلسل الوحيد الذي عالج القضية الفلسطينية وجاء ساذجا مهلالا لايليق بجهود مصر المشهودة في دعم القضية الأبرز في تاريخ العرب، لذا أتمنى أن يكون 2024 هو آخر مواسم العبث بالدراما المصرية.

وفي هذا الصدد أشير أيضا إلى أن (المتحدة) أجهزت على (ماسبيرو) حين وقعت برتوكولا مع وزارة الإعلام على احتكار كل كنوز وتراث ماسبيرو (الإذاعة والتلفزيون) من مسلسلات وأفلام وبرامج قديمة وتسجيلات ومواد نادرة للتلفزيون والإذاعة المصرية منذ عشرات السنين، وذلك في إطار الاستغلال والجشع والعبث بتراث مصر الذي كانت تفخر به الأجيال. 

إذا ليس الأمر فقط حماية الفضيلة كما يزعمون، بل هو في أصله استنزاف اقتصادي، وقد اعتمدوا في هذا على تصريح شهير للرئيس السيسي وقتها – عندما قال إن (جمال عبد الناصر) كان محظوظا بوسائل الإعلام في عصره، عندما كانت تسانده في كل خطواته، ليستولوا على أجمل ما في تاريخنا الفني والإعلامي ووضعه ثلاجة (واتش إت) التي لا تحقق أي انتشار يذكر، رغم أنهم يرجون لها بأنها أقوى المنصات. 

ياسادة أفيقوا يرحمكم الله، فقد ضاق صدر المواطن المصري عندما وضعته (المتحدة) في موقف المشاهد – رغم أنفه – لمسلسلات وأفلام وسماع أغان تعد كغثاء السيل، وفرضت عليه قيما جديدة وورشا تعبث بالإبداع، وفنانون يستفزون الشعب المصري بأفعالهم الشائنة.

وبعد أن طفح الكيل من دروب إفساد (المتحدة) للشباب التي فاقت الحدود بإنتاج فني وإعلامي ردئ، لا نجد سبيلا لوقف هذا النزيف المادي والفني إلا السيد الرئيس عبد الفتاح السيسي، للتدخل فورا لوقف هذا الورم السرطاني الذي أصبح يتفشى في جسد الهوية المصرية، ويعمل على إجهاض على أية محاولات لاسترداد قوانا الناعمة الحقيقية، في ظل مبادرة (بداية جديدة لإعادة بناء الإنسان المصري) التي بدأت من 7 سبتمبر الحالي لمدة 100 يوم في محافظات مصر.

سيدي الرئيس: إذا كانت هذه المبادرة هدفها الاهتمام بناء الإنسان المصرى الحقيقي، وفى ضوء توجيهات سيادتكم تأتى بهدف الاستثمار فى رأس المال البشرى، من خلال برنامج عمل يستهدف تنمية الإنسان والعمل على ترسيخ الهوية المصرية عبر تعزيز الجهود والتنسيق والتكامل بين جميع جهات الدولة فى مختلف أقاليم الجمهورية.

وعلى رأسها الوزارات المعنية، مثل: التربية والتعليم والصحة والأوقاف والثقافة والتضامن الاجتماعى والشباب والرياضة وغيرها، فإن هذا يستلزم إعادة النظر في خطط الشركة (المتحدة) باعتمادها على الكوادر المهنية الاحترفية الحقيقية في الإبداع الفني والإعلامي، رافعة شعار (لا للإقصاء.. لا لقتل المواهب)،  وهذا كله من شأنه أن يصب في تحقيق مستهدفات المبادرة، بحيث يشعر المواطن بالمردود ايجابي خلال فترة وجيزة.

خاصة أنه إلى جانب اهتمام المبادرة بالأسرة المصرية عبر برنامج متكامل، فإنها ترتكز أيضا على بناء الوعى، وإعداد أجيال جديدة تترسخ لديها قيم الانتماء والولاء للدولة المصرية، والحفاظ على مقدرات الوطن والمشاركة بفاعلية فى عملية التنمية الشاملة، وهذا لايتأتي إلا بتعديل مسارالشركة (المتحدة) باعتبارها المحتكر الأول والأخير للإنتاج الفني والإعلامي، وحتى أنها تحتكر الوطنية مدعية أنها لها حصريا.. اللهم بلغت.. اللهم فاشهد!

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.