رئيس مجلس الادارة : محمد حبوشة
رئيس التحرير : أحمد السماحي

أمينة صبري تغوص في بحار (محمد عبد الوهاب) عبر حديث الذكريات (1)

* نشأتي في حي (الشعراني) كان لها أثر كبير في حياتي وتكويني الموسيقي الفني

* كنت أظل ساعات طويلة، وأنا طفل صغير أستمع إلى قراءة القرآن الكريم من المقرئين العظام

* غنيت وأنا طفل صغير جدا عند الفنان (فوزي الجزايرلي) لملئ الفراغ بين الفقرات الفنية

* ثار أهلي ومنعوني من الغناء، فهربت من المنزل لكي أزاول فن الغناء الذي أعشقه

* أحمد شوقي بك خاف على موهبتي من الضياع وسط السهر والتعب، فذهب إلى الحكمدار الإنجليزي وأبلغ عن الذين يشغلونني

بقلم الإعلامية الكبيرة: أمينة صبري

هذا الأسبوع تتوقف الإعلامية الكبيرة (أمينة صبري) في حواراتها التى تهديها لـ (شهريار النجوم) عند شخصية عظيمة ومؤثرة في الحياة الفنية عامة والموسيقية خاصة، وهو الموسيقار الكبير (محمد عبد الوهاب).

وعن ظروف لقائها بهذا العملاق الفني تقول: منذ طفولتي كنت معجبة بأغنيات الموسيقار (محمد عبد الوهاب)، وكانت أغنياته تتردد حولي باستمرار، وعندما التحقت بالإذاعة، كنت أتمنى وأحلم بإجراء حوار معه.

وعندما بدأت برنامجي (حديث الذكريات) في إذاعتي الحبيبة (صوت العرب) كبر حلم اللقاء بمحمد عبدالوهاب، وبدأ يطاردني، وفي هذا الوقت كانت تربطني بالكاتب الكبير (محمود عوض) صداقة وطيدة.

وفي نفس الوقت كان (محمود عوض) من الأصدقاء المقربين لمحمد عبد الوهاب، وأم كلثوم، وعبد الحليم حافظ، وغيرهم من نجوم الفن والسياسة والأدب، فطلبت منه أن (يتوسط لي) لإجراء حوار مع (محمد عبد الوهاب) لبرنامج (حديث الذكريات).

فقال لي (محمود عوض): لابد أن أسأله في البداية، وأعرف رأيه، لو رحب باللقاء سأبلغك فورا حتى تستعدي لمحاورته، لو رفض هبلغك أيضا!.

سعدت جدا عندما أبلغني (محمود عوض) موافقة عبد الوهاب على إجراء الحوار معي

عبد الوهاب يرحب بالحوار معي

بعد أيام اتصل بي (محمود عوض)، وقال لي: (استعدي لجراء الحوار مع الأستاذ محمد عبد الوهاب، فعندما سألته، رحب بالحوار معك جدا، وقال لي: عارفها جيدا، وأسمع برنامجها، ولقد أجرت أكثر من حوار عجبني جدا منهم حوار مع المطرب محمد عبد المطلب).

وسعدت جدا بما أبلغني به (محمود عوض)، وبدأت استعد لحواري مع الأستاذ (محمد عبد الوهاب)، فذهبت لأرشيف جريدة (الأهرام) وقرأت ما كتب عنه.

وبعد انتهائي من تجهيز نفسي، ذهبت لإجراء الحوار، واصطحبني (محمود عوض)، وأجريت حواري معه، وللحديث مع (عبد الوهاب) بقية سأقصها عليكم الأسبوع القادم، والآن أترككم مع الجزء الأول من حواري معه:

أنا وأنت وكل الناس العاديين عندما يمضون في مشوار الحياة على طريق الأيام فإنهم عادة لا يتركون إلا أثرا بسيطا، والأغلب فإنهم لا يتركون أي أثر.

العظماء وحدهم هم الذين يتركون بصماتهم وأثارهم على طريق الأيام في مشوار الحياة، ويحضرون في ذاكرة الناس أحداثا وأياما لا تنسى.

 ودائما وكما تقول لنا تجربة الحياة فإن الذي يترك أثرا ويفعل شيئا لابد أن يعيش مع الناس وبالناس، بقدر ما يأخذ منهم يعطيهم، وبقدر ما يتأثر بهم يؤثر فيهم.

والموسيقار الكبير (محمد عبد الوهاب) واحد من تلك الشخصيات العظيمة في حياتنا الفنية، أرتبط فن الغناء والموسيقى به، وأرتبط هو بفن الغناء والموسيقى.

حتى أننا يمكن أن نقول ببساطة شديدة إنه لا يمكن أن نذكر الغناء والموسيقى العربية المعاصرة دون أن نذكر (محمد عبدا لوهاب)، إنها واحدة من المعادلات الثابتة في حياتنا.

ونستطيع أن نقول أيضا إن معظم من وضع الموسيقى واقترب من الغناء في بلادنا، وفي جيلنا المعاصر خرج من معطف (محمد عبد الوهاب) بشكل أو آخر.

وفي حديث لا يتسع بالطبع لكل شيئ عن (محمد عبد الوهاب) نحاول أن نتعرف على بعض ذكرياته، وبدأنا حوارنا معه حول نشأته في حي (باب الشعرية) بالقاهرة في حارة (الشعراني) بجانب مسجد (سيدي الشعراني) حيث تلاوة القرآن والجو والإحساس الديني الذي يلف الحارة.

عن هذه النشأة قال (محمد عبد الوهاب): نشأتي في حي (الشعراني) كان لها أثر كبير في حياتي وتكويني الموسيقي الفني، وهذا الحي الذي أثر في خاصة في شهر رمضان الكريم.

كنا نسهر مع الذكر والتراتيل الدينية في جامع (سيدي الشعراني) وفي غيره من الجوامع

مع الذكر والتراتيل الدينية

حيث كنا نسهر مع الذكر والتراتيل الدينية في جامع (سيدي الشعراني) وفي غيره من الجوامع، وكانت منازل الأثرياء في الحي لها تقليد جميل في هذا الشهر.

فكل بيت يأتي بشيخ من المشايخ لقراءة القرآن، وتقديم الذكر الجميل، مثلا تجدي الشيخ أحمد ندا، يسهر بدار، والشيخ منصور بدار أخرى، وكان هؤلاء الشيوخ نجوم في ذلك الوقت.

وكنت أمر على البيوت أستمع للقرآن، وكان ذلك يشدني كثيرا، ويبهرني، وكنت أظل ساعات طويلة، وأنا طفل صغير أستمع إلى قراءة القرآن الكريم من هؤلاء المقرئين العظام.

* وأنت انبهرت أيضا في طفولتك بالمسرح وأضواء المسرح في (الكلوب المصري)؟

** (محمد عبد الوهاب): نعم كنت أذهب إلى هناك، وتأخذني المناظر الباهرة، والملابس اللامعة، والغناء لدرجة إنني عملت وأنا صغير جدا عند الفنان (فوزي الجزايرلي)، أغني لملئ الفراغ بين الفقرات الفنية.

الفنان فوزيلي الجزايري الذي اشتغل عنده عبدالوهاب وهو طفل

* ولكن كيف استطعت أن تعمل في هذا التياترو وأنت طفل صغير؟

** (محمد عبد الوهاب):  كان هناك جار لنا يعمل في الكورس، وعندما سمعني أغني للشيخ (سلامة حجازي) أخذني معه بالليل بعد أن نامت أسرتي، وقابلت (فوزي الجزايرلي) وغنيت أمامه أغنية (عذبيني في مهجتي… فمهجتي في يديك) لسلامة حجازي، فأعجب بي جدا.

وسألني هل أستطيع أن أغني هذه الأغنية أمام الجمهور، ويعطيني خمسة قروش، فوافقت، وغنيت لأول مرة أمام الجمهور.

* ولكنك كنت صغير السن جدا، فكيف لم ترتبك ولم تخف؟

** (محمد عبد الوهاب): لم أرتبك لأنني كنت متعودا على الغناء أمام الطلبة في المدارس أو في (كتاب الشيخ عاشور)، ومنذ ذلك اليوم بدأت أغني من دون علم أسرتي، وبدأ طريق الغناء.

وكنت أغني الأغاني السائدة في ذلك الوقت للشيخ (سلامة حجازي) مثل (إنت كنت في الجيش أدعى صاحب العلم) وغيرها من الأغنيات التى كان يغنيها في مسرحياته، ثم بدأت تظهر قليلا أغاني أدوار الشيخ سيد درويش.

اقتنعت العائلة بأنه لا فائدة من منعي فقرروا السماح لي بالغناء في مكان لائق

* كان لأمير الشعراء أحمد شوقي دور كبير في حياتك الفنية، والشخصية، وتكوينك الثقافي أيضا، وأعرف أن بداية المعرفة بينكما كانت سيئة للغاية حتى أنه منعك من الغناء وكنت تكرهه بشدة، كيف تحول الكره إلى حب شديد؟

** (محمد عبد الوهاب): هذا ما حدث بالفعل، فبعد أن عرفت العائلة بأنني أتسلل ليلا لكي أغني في (الكلوب المصري) وكان ملها بسيطا جدا، ثار أهلي ومنعوني من الغناء، فهربت من المنزل لكي أزاول فن الغناء الذي أعشقه.

المهم بعد أن اقتنعت العائلة بأنه لا فائدة من منعي فقرروا السماح لي بالغناء في مكان لائق، فتوصلنا بأن أغني عند (عبدالرحمن رشدي)، وكان محاميا شهيرا، وأنشأ فرقة مسرحية محترمة.

وكانت حادثة اجتماعية خطيرة في الحياة المصرية أن يفتح محامي شهير مسرحا، غنيت هناك بالفعل، وكان يوجد تياترو اسمه (برينتانيا) وأتى (شوقي بك) وسمعني وأنا أغني، وكان عندي تقريبا تسع سنوات.

 وكنت أغني في غاية الجدية، وأرتدي بدلة ببنطلون طويل، وياقة منشية، وأمسك عصا وألبس طربوش، وكنت جد في الفن وحتى وأنا صغير السن، عندما (شوقي بك) سمعني شعر بتجربته ونظرته الثاقبة أن هناك موهبة حقيقية يجب الأعتناء بها.

فسأل إلى متى أظل ساهرا في (التياترو)؟ وكنت أظهر بين الفصول، أي أظل ساهرا حتى الواحدة صباحا، وأذهب إلى منزلي في الثالثة صباحا، وكنت نحيفا جدا وقتها.

فخاف (شوقي بك) على صحتي، وكان يؤمن بأن العقل السليم في الجسم السليم، وخاف على موهبتي من الضياع وسط السهر والتعب، فذهب إلى الحكمدار الإنجليزي وقتها وقال له: (كيف وأنتم تدعون التحضر، كيف تتركون أطفال يسهرون حتى الثالثة صباحا في العمل في المسارح؟).

وفعلا أوعز للمحامي والفنان (عبد الرحمن رشدي) بالاستغناء عني، وعندما سمعت هذ الخبر كرهته جدا، وأصبح عدوا لي، فقد حاربت أهلي من أجل السماح لي بالغناء، ويأتي هو ويمنعني من الشيئ الذي أحبه وأحارب من أجله.

……………………………..

في الحلقة القادمة نواصل السباحة في بحر حياة الموسيقار محمد عبدالوهاب الفنية والشخصية.

ونعرف كيف تحول العداء الشديد بينه وبين (أحمد شوقي) إلى حب شديد!، وتأثير الكاتب الكبير (طه حسين) عليه، وكذلك الكاتب الساخر (فكري أباظة).

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.