رئيس مجلس الادارة : محمد حبوشة
رئيس التحرير : أحمد السماحي

لعن الله (الترند) وصانعيه ومروجيه ومريديه !

بقلم الكاتب الصحفي: محمد حبوشة

نعم أقولها بصراحة ودون مواربة: لعن الله (الترند) وصانعيه ومريديه، فهؤلاء احترفوا إيذاء الناس وخاصة نجوم الفن والمشاهير، ولايعرفون حرمة الموت، فعلا نحن نعيش عصر التفاهة والتردي الأخلاقي، بعد ما أصبحنا فى عالم السوشيال ميديا وجنون الترند الذي يطغي على كل ماهو جميل في حياتنا.

فمع كل صباح تجد شاب مغامر يتصف بكل صفات البزاءة والقبح، أو فتاة مستهرة ضاربة عرض الحائط بكل القيم والأخلاق، حين يركب (الترند) أمثال هؤلاء على منصات (التباعد الاجتماعي) – بتعبير كاتبنا الكبير حسين نوح – من (فيس بوك وتويتر وإنستجرام والتيك توك) في تبجح في محاولة للحصول على أكبر عدد من المشاهدات التي تجلب المال الحرام.

وعادة مايأتي ركوب (الترند) على حساب الجميع وهدم عادات وتقاليد المجتمع، بل وحتى على حساب حياة الآخرين أحياء وميتين؛ فمنهم من يعرضون حياتهم للخطر من أجل نفحه من لايكات ومشاهدات، إلى أن أصبح المجتمع تحت سلطة هوس (التريند) الملعون.

ولعلنا نلحظ الجرائم الأخلاقية تكثر هذه الأيام بسبب ركوب (الترند) التي ترتكب بأشكال مختلفة، رغم رصد مكتب النائب العام ووزارة الداخلية لمحاولات البعض اختلاق قصص وهمية وحكايات من وحي الخيال تشكل جريمة، وهى بث شائعات والأكاذيب التي من شأنها تكدير الأمن العام، أو عرض صور خادشة للحياء.

ومن أشهر الأكاذيب التى انتشرت وركبت (الترند) وسائني جدا مشاهدتها عن الفنان الكبير الراحل (توفيق الدقن).. هى أنه (يسكر.. ويرقص بالملابس الداخلية)، هذه الكذبة انتشرت جدا مؤخرا على السوشيال ميديا.

وقد ركب (الترند) اللعين أحد هؤلاء منعدمي الضمير والنخوة، عبر صورة قديمة يرتدى فيها الفنان الكبير (توفيق الدقن) شورت رياضى.. وجاء هذا (الترند) من خلال كذبة محبوكة جدا عن سهرة فى ملهى (الأريزونا) بشارع الهرم، والغريب في الأمر أنه تم تحديده بالإسم للمزيد من التضليل حول حقيقة الصورة.

الصورة تؤكد الرواية الكاذبة الشريرة، ومن ثم فقد ركبت (الترند) وانتشرت كالنار فى الهشيم

رواية كاذبة وشريرة

ولأن هؤلاء لايعرفون ناموسا فقد عمد المهوسين بالترند إلى نشر صورة معلقا عليها بادعاء كاذب: بعد الشرب والفرفشة خلع (توفيق الدقن) البنطلون ووقف يرقص بالملابس الداخلية.

والصورة تؤكد الرواية الكاذبة الشريرة، ومن ثم فقد ركبت (الترند) وانتشرت كالنار فى الهشيم، صارت الصورة تطارد سمعة الرجل بعد سنوات طويلة من رحيله.. وهو الرجل الذى كانت آخر كلماته لأسرته قبل الرحيل (أنا هموت.. وماسبتش لكم حاجة تخجلوا منها).

أما حقيقة الصورة فهى من مسرحية (عفاريت مصر)، وهى من أجمل المسرحيات التى قدمها العبقرى (توفيق) الدقن للمسرح القومى، وكان يجسد فيها شخصية أستاذ قانون يتم اعتقاله فيخرج من المعتقل ويفتتح معهدًا للرقص.

وفى أحد المشاهد يدرب الراقصات مرتديا ملابس رياضية، هذه الصورة نشرتها إحدى مواقع (التباعد الاجتماعي) بحثا عن (الترند) والترافيك وباتت علامة مسجلة على السوشيال ميديا رغم نفيها وتوضيح الأمر عدة مرات من ابنه المستشار (ماضى الدقن).

دعونا نبحث في الأمر ونحلل الظاهرة السلبية التي أصبحت كابوسا يجثم على أنفاسنا: نحن نعرف وندرك جيدا أنه بين عشية وضحاها وجدنا أشخاصا عاديون لايملكون غير خيال فاسد يبرع في اختلاق الأكاذيب.

والذي يغيظك أكثر وأكثر أنهم أصبحوا نجوما ومشاهير في عالم السوشيال ميديا، وتكاد شهرتهم تنافس نجوم الإعلام الثقافة والدين والسياسة والطب بولادة شيطانية عبر ركوب (الترند) القبيح.

الغريب في الأمر أنهم يصلون إلى وهم العالمية بفضل فيديو قصير تافه جدا، أو تدوينة فيسبوكية لا تعبر عن أي محتوى مفيد غير الترويج لثقافة التفاهة؛ لكنها للأسف تحقق أعلى المشاهدات لتجعل من صفحاتهم مواقع مشهورة لتبادل الآراء والأخبار، غير عابئين بأنهم يعيشون في عالم من خيال يصنع الفساد الأخلاقي.

وفجأة يجدون أنفسهم داخل عالم (الترند) الشهير الذي لا يهدأ، ويصبحوا  لهم جماهير كثيرة من جميع الأعمار، تنقل أحداثهم بسرعة البرق؛ ويعد هذا الجمهور المريض بداء هوس المتابعة، بمثابة ترمومتر لنقل الأحداث السريعة التافهة لهم.

في أحايين كثيرة يعتبر هذا (الترند) مصنعا متجددا للشهرة

(الترند) مصنع متجدد للشهرة

بل إنه في أحايين كثيرة يعتبر هذا (الترند) مصنعا متجددا للشهرة من نقل الأغاني الهابطة والمحتوي الردئ والأخبار المفبركة الكاذبة، والشائعات المغرضة، التي تجتزأ أقوال النجوم والمشاهير من سياقها وبثها على أنها حقائق مكتملة ودامغة.

وفي واقع الأمر فإن أغلب جمهور مواقع (التباعد الاجتماعي) يتحدث عن القيم والأخلاق والمبادئ، ويعلن دائما رفضه للنماذج التافهة، مع أنه يضمن محتواه كل ماهو تافه وسطحي، وهو الذى أصبح يفرض نفسه في الفضاء التخيلي رغم عنا، ويسيطر على (الترند) طوال اليوم.

وللاسف فإن جماهير (الترند) الكثيرة ومشاهداته العالية جدَا، وقد استطاعت اختراق الجدار الرابع في حياتنا الواقعية بلغة الدراما، وأصبحوا يضربوا بالأخلاق والقيم والمبادئ عرض الحائط.

والمصيبة أن هناك من يري ويسمع لأمثال هؤلاء، رغم أنه ليس في نجاحاتهم ما يبهر العقول، بل هى فرقعات كاذبة وإعلانات رديئة المستوي وأغاني هابطة وأخبار كاذبة تخترق الأذن والعين في تحد سافر دون رقيب أو رادع لأفعالهم الرديئة!

ما أكثر التفاهات التي تقترن بتفاهات أكبر ليس لها محتوي أو مضمون، بل إنها تجنح في معظمها نحو الأكاذيب والأحاديث المفبركة، وحوادث وطلاق وزواج  وكشف أسرار  وفضائح وخصوصيات أسرية تزلزل المشهد الفيسبوكي، لتحصد ملايين المتابعين والمال فقط لا غير .

لابد من وجود حسيب ورقيب لأمثال مهاويس (الترند)

لابد من وجود رقيب

وبعد ما مضى ياسادة: لابد من وجود حسيب ورقيب لأمثال مهاويس (الترند)، بعدما أصبحنا في زمن مريب وصل بنا الحال لخلق قصص وحكايات لنصبح ملوك (الترند) في كشف العورات وسيادة ثقافة التفاهة التي تأكل الأخضر واليابس.

علينا الانتباه!، فقد أصبح  البقاء للأقوي في النصب والصراخ  والصياح والغش والكذب والتدليس ونشر الخصوصيات للوصول للثراء الفاحش الذي لا يستغرق الوصول إليه سوي عدة أيام، وتتضخم أرصدتهم من المال الحرام في البنوك.

والسؤال هنا: أين الجهات الأمنية لإيقاف هؤلاء الفاسدين من خربي الذمة والضمير؟، هؤلاء الذين تجاوزوا في نشر الفساد الأخلاقي ونشر الفسوق والأكاذيب والشائعات، وعدم احترام المجتمع والتأثير علي العامة وصغار السن والشباب الذي أصبحوا جمهورا مستهدفا للهوس بأكاذيب وشائعات تخاصم الفطرة السليمة!

فلماذا لم يتم فرض أنظمة صارمة وتغريم المفسدين لوقف هذه الفوضي الفيسبوكية، حفاظا على السلم الاجتماعي والحد من الهدر والإسراف في انتشار التدني الأخلاقي الذي طال الشعب المصري  الأصيل الذي يتم تجريفه من نقائه مع سبق الإصرار والترصد وفي وضح النهار.

لقد أصبح الإسفاف والانحطاط الذي طال السويشال ميديا يخرج للمشاهد والمستمع على شكل جريمة مكتملة الأركان، بفرط من العمد، ومن ثم فيجب علي المسئولين أن يعاقبوا من إفسادوا الذوق العام، ومراقبة كل ماهو مسيئ عن كثب وفرض عقوبات صارمة على المخالفين للعرف والتقاليد.

لعلنا نستطيع أن نوقف هذا التدنى الحادث، فعلينا علاجه قبل فوات الأوان، يجب علينا إيجاد حل لطاعون العصر المنتشر علي السويشال ميديا الذي يعرف بـ (الترند)، فالترخيص والسماح والرقابة والعقاب أفضل حل لأمثال هؤلاء المغامرين والعابثين في الفضاء التخيلي، الذي يؤثر سلبا على واقع الحياة.

لابد من التصدي لظاهرة انتشار (الترند) التي أصبحت لاتراعي حتى حرمة الموت، هى محاولة إذن لإنقاذ الشعب المصرى من زمن الانحدار الأخلاقي الذي طغى على كل ماهو جميل في حياتنا الواقعية وسحبها إلى الواقع الافتراضي المخيف!

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.