بقلم الكاتبة والناقدة: علا السنجري
العديد من الأعمال الدرامية تناولت فكرة السفر في الزمن، أبرزها فيلم (رسالة إلى الوالي) لعادل إمام، و(سمير وشهير و بهير)، ومسلسلي (الصفارة، والنهاية) وغيرهم كثير، أغلبهم حققوا نجاح كبير، لهذا توقعت أن يكون مسلسل (عمر أفندي) على نفس المستوى.
لكن كالعادة تخيب توقعاتي، بعض الجمل والمشاهد مأخوذة من أعمال أجنبية إلى جانب فكرة المقدمة والساعة التي تعود للوراء أيضا من عمل أجنبي، الحلقة الاولى مجرد تجميع لمشاهد متتالية دون ربط منطقي، ربما اتضحت الأحداث من خلال الحلقات التالية للمشاهد.
لكن الحلقة الأخيرة تعتمد فهم نهايتها على حوار كان في بداية الحلقات بين (علي) وتاجر التحف الذي كان يتعامل معه والده، إلى جانب الأداء التمثيلي لبعض الأبطال الذي قام بجذب الجمهور للعمل وجعله رقم في محاور البحث، تسطيع اعتباره مسلسل كوميدي خفيف يدخل الابتسامة على المشاهد.
رغم أن العمل كوميدي، لكنه لم يعتمد على كوميديا الموقف، بل ترك المجال للممثل لأداء مفتعل في بعض الأحيان بكلمات تتكرر أكثر من مرة في المشهد الواحد، على الرغم من كتابة بعض الشخصيات جيدا، مثل (لمعي النجس وشلهوب ودياسطي).
تلك الشخصيات كانت الدافع الكبير لاستمرار ارتفاع نسب المشاهدة للعمل، الحوار استخدم جمل كانت متداولة في الزمن الجميل مثل: (نهارك سعيد، ممنون، إلزم محلك يا سيدنا الأفندي، حاجة 13 خالص، يا هانم ويا أفندي وغيرها).
العمل خلق حالة من الحنين للماضي لدى المشاهد، من خلال الشارع الفاضي والملابس، خاصة السيدات، وأجواء أغنية (لولاش قلبي مايوعاش/ عاش عيشة الدراويش) أعادت للأذهان ذكريات التسعينات وشرائط الكاسيت.
العودة إلى زمن جميل
الانتقال بين الماضي والحاضر من خلال السرداب جذب المشاهدين لإيجاد مثله للعودة إلى زمن جميل.
تدور الأحداث حول (علي) الذي تزوج من فتاة ثرية رغم اعتراض والده، إلا أن زوجته (ماجي) تتعالى عليه دائما، وتعترض على تصرفاته مع ابنته مما يجعله يشعر بعدم الراحة معها خاصة بعد وفاة والده.
وجد في بيت والده سرداب يؤدي إلى عام 1943، ليكتشف أن والده متزوج من (دلال) صاحبة بنسيون وابنتها (زينات) التي تعمل مع (أباظة) في كباريه (عماد الدين)، ويستغلها مقابل دين والدتها ورهن البنسيون.
يتعرف على (دياسطي) البوسطجي الذي يتمنى أن يكون فدائي يحارب الإنجليز، يعيش بالبنسيون، شلهوب اليهودي الذي غير اسمه وأسماء أولاده خوفا من الألمان إذا دخلوا مصر.
تشك (ماجي) أن (علي/ أوعمرأفندي) يخونها، ولكن تدخله مصحة نفسية بناءً على استشارة والدها، خاصة بعدما حكى لهم (علي) عن السرداب، ويساعده (صبري) صديقه على الخروج منها.
ليعود إلى السرداب ويتعمق في حياة البنسيون، ويحاول مساعدة (زينات ودلال) في التخلص من الدين من خلال العمل كساحر أو بيع الذهب.
تتأكد (ماجي) من كلام (علي) وتذهب خلفه في السرداب لتكتشف أنه يحب (زينات)، مما يجعل (علي) في حيرة بينهما، وتكتشف (دلال) موت (تهامي) وتخبره أنه ترك وصية له بأن حل مشاكله في المرتبة الخاصة به، ويوجد بها المال الذي جمعه والده من أجل (دلال) لتدفعه (أباظة)، ليعود (علي) إلى أسرته.
الإخراج استطاع توضيح زمن 1943 رغم بعض الأخطاء في التفاصيل المتعلقة بالديكور وكل الأحداث تحدث في ديكور شارع واحد، ظهور ضوء أحمر للسيارات الحديثة في خلفية أحد مشاهد (علي وزينات) في الحديقة ،عندما كان يعلمها لعبة الواتساب.
ساعة اباظة، المونتاج سريع التنقل بين الحاضر والماضي والعكس دون تمهيد، أفضل اللقطات كانت الدمج بين حوار (علي وتهامي) في الدفاع عن (زينات ودلال) أمام (أباظة)، ما لم اجد له مبرر: لماذا جعل المؤلف المرور للزمن القديم من خلال بيت دعارة، الذي كان في ذلك الوقت مرخص بأمر الحكومة.
الحوار في بيت (لمعي) كان يحمل بعض الإيحاءات التي كان يمكن الاستغناء عنها أو عدم التطويل فيها، مثل مشاهد (شلهوب) في بيت لمعي متكررة، والحوار لا تغيير فيه.
استغلال شخصية (شلهوب)
كان هناك تلميح لما فعله الدكتور (سيد جلال) فيما بعد ذلك بسنوات حين نادى بالغاء بيوت الدعارة، وقام بتحويل اثنان منهم إلى دار أيتام ومصنع ملابس.
في الحلقات الاخيرة استطاع (علي) إقناع بنات (لمعي) بالتوبة وتحويل الشقة لمصنع ملابس.
أستغلال شخصية (شلهوب) اليهودي للتحدث عن تغيير اليهود لأسمائهم واندماجهم في المجتمعات، والإسقاط في استفادته من كل الأطراف، لكنه شخص ضعيف جسديا لا يقوى إلا بالمنشطات،الغدر متأصل في دمائه.
الحلقة الأخيرة جاءت نهايتها منطقية لفكرة السفر عبر الزمن، مهما حاولنا تغيير الماضي لن نستطيع، وما فعله (علي) في تغيير الأحداث جعله حين يعود مرة أخرى، رجع سنة ورا ليعود كل شيء إلى أصله.
والده (تهامي) حاول تغيير الأحداث لكن السنة كانت تتكرر باستمرار، هذا ما فهمه (علي) حين وقف يراقبهم في عيد ميلاد (زينات)، ليجد نفسه أمام سؤال: هل يستمر في نفس دوامة والده، يستمتع بحياتهم ومشاكلهم، رغم علمه أن زمنهم خاص بهم.
أكثر الأدوار حضورا هو الفنان (محمد عبد العظيم) في دور (لمعي النجس)، تظهر خبرته وموهبته في تحويل الشخصية الشريرة إلى محبوبة لدى المشاهد، جعلها شخصية كوميدية تدير بيت دعارة في زمن الأربعينات بشكل ساخر، معتمدا على تعبيرات وجهه وطريقة إلقائه للإفيهات.
الفنان (محمد رضوان) في دور شلهوب اليهودي ما بين الجدية والسخرية، قدمه بشكل جيد، أكثر المواقف التي أوضحت ذلك حين التقى مع أسرته وإصراره على أسمائهم الجديدة من أجل التخفي من الألمان.
بين الضعف والمسكنة وتدبير مؤامرات النصب من أجل مصالحه والحصول على المال، وذلك في اتفاقه مع (أباظة) ضد (عمر)، قدم الشخصية بطريقته الخاصة في الأداء والتي تختلف من عمل درامي إلى آخر، ليصبح مميزا وفريدا بهذا.
(مصطفى أبو سريع).. أداء مختلف
(مصطفى أبو سريع)، هو فنان خارج التصنيف والألقاب بطريقته الفريدة في الأداء التلقائي التي تحول الشخصية التي يؤديها وإفيهاتها إلى تريند، كما فعل في مسلسل العتاولة.
في مسلسل (عمر أفندي) قدم (مصطفى أبو سريع) شخصية (دياسطي) بشكل يشابه الفنان شكري سرحان في فيلم (البوسطجي)، يرتدي نفس البدلة بالمنديل على الياقة،طريقة فتح الجوابات وقراءتها.
لكن الاداء مختلف تماما يجعل (دياسطي) البوسطجي شخصية أساسية في الأحداث ،فهو الصديق الجدع لعلي، والمناضل الذي يجاهد ليكون فدائي يحب وطنه رغم أنه يفتح جوابات الآخرين،وهو العاشق المحب الذي يحارب ليصل لحبيته.
(آية سماحة).. أداء رائع
(آية سماحة) جسدت شخصية (زينات) لتكون الشخصية اللطيفة الناعمة في العمل، فهى راقصة تقدم الاستعراض ، لكنها تتغلب على (أباظة) لتحافظ على نفسها، تكتشف حقيقة (علي) ولا تخبر والدتها خوفا عليها، الحيرة بين حبها لعلي وبين كونه أب.
(رانيا يوسف)، لم يكن أفضل أدوارها، فضلت المنطقة الآمنة من التمثيل، جسدت دور( دلال) الراقصة المعتزلة وتدير بنسيون بأداء لا تتغير فيه ملامحها أو إحساسها، كذلك (محمود حافظ) فضل المنطقة الآمنة أيضا، رغم أنه جعل كلمة (بنت المعتزلة) علامة لشخصية (أباظة).
(محسن صبري)، يثبت أن الدور ليس بعدد مشاهده ولكن بتأثيره، قدم دور الأب البسيط الذي يحب ابنه ويرفض زواجه من هى أغنى منه، يكتب اسمه بالمقلوب على لوحات يرسمها، تهامي هو محرك الأحداث ما بين الماضي والحاضر.
(أحمد حاتم) أصاب بعض الوقت
(أحمد حاتم)، لا أستطيع أن اقول أنه أخفق طول الوقت، أو أنه نجح طول الوقت، استسهل كوميديا الاستخفاف، رغم أن دوره به العديد من التناقض والصراع، استطاع التعبير بشكل جيد في المواقف التي تعبر عما بداخله من توتر في علاقته مع (ماجي)، وحبه لابنته.
(أحمد السلكاوي) قمة النضج الفني والحس الكوميدي في دور (حماده بلال)، (أحمد سلطان) موهبة تستحق دور أكبر، (زينب العبد) رائعة، أتمنى إلا يحصرها المخرجين في أدوار مثل دورها في العتاولة،
الفنان (باتع خليل)، أداء ممتاز ومميز للمعلم (متولي)، القديرة (ميمي جمال) قمة، (جان رامز) موهبة غير عادية من التلقائية.
المسلسل هو حالة هروب من الواقع إلى ماضي، خلقت حنين لإيجاد سرداب يأخذنا إلى زمن نتمنى أن نعيشه، به راحة أكثر والخير أكثر من الشر.