بقلم الكاتب الصحفي: محمد شمروخ
لا أدرى إلى من أتوجه من السادة مقدمى البرامج الحوارية على شاشات قنوات التلفزيونات المصرية، لطرح هذه القضية التى يراودني التفكير فيها منذ زمن طويل حول الكليات (العسكرية).
فما بعد إعلان نتيجة الثانوية العامة، تستعد الجامعات والمعاهد لاستقبال من وقع عليهم القبول من المتقدمين للالتحاق بها، لكن لنترك الجامعات والمعاهد والتنسيق ومشكلاته جانباً.
ولنذهب إلى موسم التقدم للالتحاق بكليات الحربية و(الشرطة) وبقية الكليات (العسكرية)، فحول هذه الكليات تدور أحلام كثير من طلاب الثانوية العامة وأسرهم لأسباب أكثر من أن تحصى!
وهنا لابد أن أطرح على السادة المسئولين عن وضع وفحص ومراجعة شروط القبول بالكليات (العسكرية)، ضرورة مراجعة هذه الشروط لأنها أولاً وأخيراً، ليست أوامر قرآنية أو قوانين كونية ومؤكد أنها قابلة للتعديل، وأولها الشروط المتعلقة بالبنية الجسمية للطالب المتقدم مثل الطول والوزن وأشياء أخرى تبدو فيها المغالاة كثيراً.
ولكن هل هذه الشروط المثلى لضباط الكليات (العسكرية) في المستقبل؟!
ولكن حسب هذه الشروط، لو كان الإسكندر الأكبر أو نابليون بونابرت أو تيمور لنك، مثلاً، تقدموا للالتحاق بأى من هذه الكليات، لتم رفضهم في اختبار الطول مهما بدا عليهم من صفات أخرى!.
فإن كان المبرر هو ما يعطيه الطول المثالى من هيبة للضابط، فإن ذلك لا يقتضي أن يكون كل الضباط كذلك، فعمل الضابط في أى مجال أمنى أو عسكري، لا يقتصر فقط على البنية الجسدية.
وأعتقد أننى لست بحاجة للتذكير بأن حدة الذكاء مطلوبة أكثر من أي طول فارع او قوى عضلية أو نظر حاد 6/6، بل إن حدة الذكاء واجبة في الضابط المطلوب منه الحكمة في تقدير المواقف وحسن التصرف.
فضلاً وضع الخطط الحالية والمستقبلية وتطوير أساليب العمل والتفكير خارج الصندوق ومواجهة الطوارئ والتعامل بذكاء مع الجمهور، فالقوة البدنية يمكن أن نشترطها في العناصر المساعدة للضباط.
القوى الذهنية والنفسية
لكن الضابط نفسه بصفته قائداً أو مؤهلاً دائماً لشغل مكان ما على درج القيادة، يحتاج إلى درجات أعلى في القوى الذهنية والنفسية، ولا أظن أن ما أسمعه عن الاختبارات المتعلقة بالناحية النفسية والذهنية، يمكن أن تكون كافية للحكم على المتقدم من لدن اللجان الممتحنة للطالب في الكليات (العسكرية).
وهذا ينقلنا إلى ناحية أخرى لا تقل أهمية عما سبق، وهى تدنى الحد الأدنى لدرجات القبول في تلك الكليات (العسكرية)، فما زالت تلك الدرجات تدنى من شأن طالب الشرطة أو الحربية بالمقارنة مع أقرانه من طلاب ما اصطلحنا على تسميتها بكليات القمة، مثل الطب والهندسة والصيدلة والإعلام والألسن والاقتصاد والعلوم السياسية.
هذا بجانب الجيل الجديد من الكليات المتخصصة في التكنولوجيا والإلكترونيات.
فلا يخفى على أحد أن التطور الذي تشهده المجالات الأمنية و(العسكرية،) يحتاج إلى طالب على درجة عالية من الذكاء والاستيعاب، ذلك لأن الضابط، صار الآن يعمل عبر أجهزة عالية التقنية تقتضي منه أن يكون على استعداد ودراية بها في الاتصال والتتبع والرصد والتحليل.. إلخ.
ولا أظن أن قبول دفعات من خريجي الكليات الأخرى للعمل كضباط متخصصين بعد حصولهم على شهاداتهم الجامعية، يمكن أن يسد الحاجة أمام هذا التطور السريع والمذهل للوسائط التى يعتمد عليها العمل.
فلما لا يتم إعداد الطالب فور التحاقه بالكلية (العسكرية) مع ضرورة تطوير الدراسات في الكليات نفسها بما يتناسب مع ما يحتاجه المجال واقعيا حاضراً ومستقبلاً.
لكن من ذا الذي يمكن أن يصدر ذلك القرار (الشجاع) برفع الحد الأدنى للقبول ليتساوى مع كليبات القمة أو على الأقل يقاربها؟!
ولنكن أكثر صراحة مع أنفسنا، فلا يمكن إغفال أن مصر دفعت الثمن باهظا بسبب ذلك الحد الأدنى المتدنى بجانب ما نعلمه جميعاً عن الأبواب الخلفية للالتحاق، خاصة بكلية الشرطة التى اشتهرت في فترة ما بأنها (كلية الاستثناءات).
لأن السادة أعضاء المجالس النيابية وكبار رجال الأعمال وكبار الموظفين الحاليين والسابقين، ومن في مستوياتهم السياسية والمالية والاجتماعية، كانوا يجدون في كلية الشرطة بديلاً لضمان مستقبل بعض أبنائهم الذين فشلوا في تحقيق مجموع درجات في الثانوية العامة بما كان يمكن أن يؤهلهم لدخول كليات عادية.
الالتحاق بكليات القمة
فضلاً عن خيبة آمالهم في ضياع فرص الالتحاق بكليات القمة بسبب تدنى مجموع الدرجات النهائي، فيلحقونهم بالطرق التي نعرفها جميعاً بكلية الشرطة والتى اشتهرت بذلك.
حتى أنه كان ينظر إلى طلابها على أنه فاشلون، حتى لو كان من بينهم متفوقين دخلوا الكلية بمجموع درجات يؤهلهم لدخول كليات القمة لكنهم دخلوا بكامل رغبتهم، وأنا شخصياً أعرف نماذج كثيرة.
ولكن مع الأسف النماذج الأخرى متوافرة بكثرة حتى أن كل طالب شرطة ينظر إليه على أنه دخلها بنفوذ ومركز أبيه أو أحد أقاربه، وكذلك كان على كل من يرغب في إلحاق ابنه ( مالم يكن من الفئات السابق ذكرها من الكبار) أن يبحث له عن واسطة قوية وعضمة تقيلة لتعديل مسار حياة ابنه المهددة بالضياع لو لم يلتحق بالشرطة.
باختصار نحن في حاجة إلى مناقشة جادة في هذا الأمر وللبحث عن أساليب أخرى للالتحاق بتلك الكليات (العسكرية) التى يعهد إلى خريجيها مجتمعين بمسئولية أمن مصر القومي.
وحتى لا يؤخذ كلامي هنا على أنه يقع في دوائر التحريض او التخوين (وأهل الخير كتير)، فلذلك أقترح على الأساتذة الإعلاميين من مقدمى البرامج على القنوات (التي تقف بجانب الدولة)، أمثال الأساتذة (عمرو أديب وتامر آمين وأحمد موسى ومحمد الباز ونشأت الديهي)، أن يثير أى منهم هذه القضية مع المسئولين والخبراء.
فنحن نواجه مستقبلاً – ما يعلم به إلا ربنا – فلابد ألا يقل مستوى طالب وخريج الشرطة والحربية وغيرهما من الكليات (العسكرية)، عن مستويات نظيره في كليات القمة.
وعلى رأي الفنان الكبير (فؤاد المهندس) – رحمة الله عليه والذي نحتفل هذه الأيام بمئوية ميلاده: (مش كده ولا إيه؟!).