كتب: أحمد السماحي
نحيي اليوم الذكرى المئوية لرحيل الفنان الكبير (فؤاد المهندس) الذي ملأ الدنيا فنا، وبهجة وسعادة، وأمتعنا بروائع الأعمال الفنية في كل مجالات الفن، سواء السينما أو المسرح، أو التليفزيون أو الإذاعة، أوالغناء.
لم يكن مشوار (فؤاد المهندس) سهلا ولا مفروشا بالورود، على الإطلاق، ولكنه كان مملوءا بالأشواك، وبالحفر والمطبات، ورغم هذا واصل مشواره، وأمسك بسلاحه الشهير وأطلقه بوجه كل هذه الصعوبات.
ولم يكن سلاحه معمرا بالرصاص، ولكنه كان معمرا بالضحكات التى أطلقها في وجوه كل من يقابله، فانفتحت أمامه كل الأبواب المغلقة.
كانت سعادة (فؤاد المهندس) الوحيدة حين يقف على خشبة المسرح فيجد الجماهير تملأ الصالة وتضحك، وتضحك حتى تدمع الأعين، وتلتهب الأكف من التصفيق.
وعلى مدى مشواره الفني رفع (فؤاد المهندس) شعار (الضحك للضحك)، وقد هوجم بسبب هذا الشعار طويلا، إلا أنه لم يرضخ، ولم يقدم شيئا غير راض عنه، قيل له ذات يوم أليس من المفروض أن يكون لدى الفنان شيئ يقوله للناس؟!.
رد ضاحكا: الفن متعة الحياة، وأنا أقدم فني كي يضحك الناس، وأغسل همومهم بالضحك الراقي النظيف، وهذا يكفيني، وإذا استطعت أن أمرر رسالة وسط الضحك فلا مانع.
اليوم نواصل ملف (مئوية فؤاد المهندس) ونتوقف لأول مرة عند تقديمه لمجموعة كبيرة من الأغنيات الفكاهية الناجحة التى رددها معه الشارع المصري.
المثير أن عدد هذه الأغنيات تفوق على أغنيات عدد كبير من المطربيين الذين كانت مهمتهم الوحيدة الغناء، ورغم هذا لم يردد الشارع المصري لهم إلا أغنية واحدة أو بالكثير أغنيتين.
فؤاد المهندس وعيد ميلاد أبوالفصاد
كانت بداية غناء (فؤاد المهندس) من خلال الأوبريت الإذاعي الشهير (عيد ميلاد أبوالفصاد) في بداية الخمسينات، هذا الأوبريت الذي مازالنا نستحضره، ونغني بدايته مع كل عيد ميلاد أحد من الأهل والأصدقاء، والذي يبدأ قائلا:
(يلا حالا بالا بالا هنوا ابو الفصاد، حيكون عيد ميلادة الليله، اسعد الاعياد، هنوا ابو الفصاد) في هذا الأوبريت القصير الخالد الذي كتبه ولحنه إبراهيم جكله، وأخرجه محمد محمود شعبان أو (بابا شارو) جسد (فؤاد المهندس) بالغناء دور (البغبغان).
وقدم المقطع الذى يقول: (أنا مش رايحة أغشك بغبغان كبير، يا مولود فى عشك مفطوم على الشعير، اسمك سهل جدا على بق الأولاد، فليحيا أبو الفصاد).
بعدها ومع أول أفلامه التى قام ببطولتها عام 1954 وهو (بنت الجيران) بطولته مع شادية وزهرة العلا وعمر الحريري، قدم استعراض (كل الستات حتى مراته) كلمات فتحي قوره، ألحان منير مراد.
نحن هنا لا نستعرض الأغنيات الكثيرة التى قدمها فؤاد المهندس حيث كان يتمتع بأذن موسيقية رائعة، وصوت غنائي سليم، ومحبب، واضح النبرات، ولكننا نتوقف عند الأغنيات الشهيرة التى رددها معه الشارع المصري.
رايح أجيب الديب من ديله
إذا كانت حقبة الخمسينات لم تهدي فؤاد المهندس إلا أغنية واحدة رددها معه الشارع المصري، ومازالت تتردد حتى اليوم وهي (عيد ميلاد أبوالفصاد).
فإن حقبة الستينات أهدته مجموعة من الروائع الكثيرة التى لا تنسى، والتى رددها معه الشارع منها أغنية الأطفال الشهيرة (رايح أجيب الديب من ديله) كلمات بخيت بيومي، ألحان منير مراد والتى غناها مع الطفلة (منى وهبي) في مسرحية (أنا فين و انتى فين) عام 1965، والتى يقول مطلعها:
رايح أجيب الديب من ديله، واقلق نومه ف نص الليل
وان ما قدرتش أجيبه هاسيبه، وأرجع أقول مالقتولش ديل
رايح أجيب الديب من ديله بس على الله يكون له ديل
حظرتنا، وأنا واد خطير
بعد زواج (فؤاد المهندس) من الفنانة شويكار قدم معها العديد والعديد من الأغنيات الشهيرة، لعل أشهرها أغنية (حظرتنا، عظمتنا) كلمات حسين السيد، ألحان الموسيقار محمد عبدالوهاب الذي كانت تربطه صداقة وطيدة به.
ويقول (فؤاد المهندس) في أحد حوارته النادرة عن ظروف تقديمه لأغنية (حظرتنا، عظمتنا): كنت تلميذا من تلاميذ محمد عبدالوهاب في مدرسة الحياة، كنت أحد مريديه ومحبيه، ولقد اقتربت منه كثيرا كفنان وإنسان، وتعلمت منه الكثير جدا في مشوار الحياة الطويل.
وأثناء تجهيزنا لمسرحية (أنا وهو وسموه) وخلال جلسات العمل قلنا: (عاوزين هنا غنوة) فاتفقنا جميعا على طرق باب الأستاذ (عبدالوهاب)، وقلت للجميع اتركوني من فضلكم أذهب للأستاذ وأعرف رأيه، وهل يرحب بإعطائنا أغنية أم لا؟!
وبالفعل ذهبت إليه وعرضت عليه الموقف في المسرحية، فرحب على الفور وقال: (يا سلام تحت أمرك يا فؤاد)، ولحن لنا أغنية من (حظرتنا، عظمتنا)، أو (هيعيش عمر، ويموت عمر) وجاء اللحن بديعا، ونالت هذه الأغنية استحسانا جماهيريا عظيما جدا.
وهذا النجاح جعل محمد عبدالوهاب ينتج لي فيلم (جناب السفير)، ولحن لي في هذا الفيلم الأغنية الشهيرة جدا (أنا واد خطير) كلمات حسين السيد، وهي أغنية نجحت نجاحا مذهلا بكل ما تعنيه الكلمة، ولا زالت ناجحة حتى اليوم).
وفي هذا اللحن وجدنا تناغما جميلا بين موسيقار ذكي يجيد قراءة الصوت الذى أمامه، وبين ممثلٍ مغن يُحسن تطويع أدوات صوته لتحقيق تكاملٍ بين ما تتطلبه الشخصية وما يتطلبه اللحن.
كما تعانقت ألحان محمد عبدالوهاب مجددا مع فؤاد المهندس من خلال فيلم (اعترفات زوج)، حيث لحن له واحدة من أشهر الأغنيات وهى (حبيبي يا رقة، فاكر ولا لأ) كلمات فتحي قوره، والتى غناها المهندس كديو مع المطربة (تيتا صالح).
تتوالى نجاحات (فؤاد المهندس) الغنائية وفي مسرحية (حالة حب) عام 1967 يغني واحدة من الأغنيات التى مازالت عالقة حتى اليوم في ذهن الجمهور وهي (يا سنية فين لياليكي الهنية) أو (قصة حبي) كلمات فتحي قوره، ألحان عزت الجاهلي.
سيدتي الجميلة والرجل ده هيجنني
تتوالى أغنيات الستينات التى جاءت في الأفلام، والتى قدمها له الثنائي العبقري الشاعر فتحي قورة، والملحن منير مراد، فسمعنا أغنية (ياسو) في فيلم (هارب من الزواج).
و(أنا ممنون) في فيلم (الرجل ده هيجنني)، و(فرافيرو) في فيلم (العتبة جزاز)، و(تيجى معايا على فوق) في مسرحية (حواء الساعة 12)، و(يا مفكر يا هايل) في فيلم (أجازة غرام) ولم تحقق هذه الأغنيات شهرة كبيرة.
ومع نهاية الستينات يتعاون (فؤاد المهندس) مع الملحن الجديد (حلمي بكر) في أروع ما قدمه المسرح الغنائي الاستعراضي من خلال مسرحية (سيدتي الجميلة)، وحققت ألحان الملحن الجديد نجاحا كبيرا.
ويواصل (فؤاد المهندس) دعمه وتشجيعه للموهوب الجديد (حلمي بكر) فيتعاون معه ومع الشاعرعبد الوهاب محمد فى (إلزم حدودك) في فيلم (ربع دستة أشرار)، و(لومي يا لومي) في فيلم (إنت اللى قتلت بابايَ).
وفي هذه الفترة يتعاون (فؤاد المهندس) مع الملحن الكبير محمد الموجي في واحدة من أشهر أغنيات شهر رمضان الكريم وهي (الرجل ده هيجنني) كلمات حسين السيد، وغنائه مع المطربة (صباح)، وتحقق الأغنية نجاحا كاسحا ومازالت تذاع وتعرض كل عام مع بداية شهر رمضان.
هذا النجاح تكرر على نفس اللحن ومع نفس المطربة، ونفس الشاعر، في ديو (الطاقية والجلابية).
قبل أن ننتقل إلى حقبة السبعينات لا يمكن أن ننسي أغنية (قلبي يا غاوي خمس قارات)، التى قام (فؤاد المهندس) وشريكته في النجاح صاحبة الصوت الأنثوي المليئ بالغنج والدلع (شويكار) بغنائها عام 1968 في فيلم (مطاردة غرامية).
وفي هذا الاستعراض يبدع ويتألق الموسيقار المتجدد منير مراد أيقونة فؤاد المهندس في الألحان، وهو يقدم له لحنه الشهير أو الاستعراض المهم (قلبي يا غاوي خمس قارات) كلمات المبدع فتحي قورة.
كمال الطويل ومصر هيّ أمي
نأتي إلى حقبة السبعينات وأشهر ما فيها تعاون (فؤاد المهندس) مع الموسيقار المتطور والمتجدد (كمال الطويل)، من خلال واحدة من أشهر أغنياتنا الوطنية الحالية، وهى (مصرهي أمي) كلمات الشاعر عبدالوهاب محمد.
وفي هذا اللحن لابد أن تدمع عيناك وأنت تسمع (فؤاد المهندس)، وهو يغني بشكل مؤثر وشجي (مصر، مصر، مصر شمسها فى سمارى شكلها فى ملامحى، حتى لونى قمحى لون خيرك يا مصر).
كما لا يمكن أن ننسى في هذه الفترة أغنيات (فؤاد المهندس) و(شويكار) من خلال مسلسلاتهما الإذاعية الرمضانية الشهيرة مثل (شنبو في المصيدة، والعتبة جزاز، ودنيا بنت دنيا، وأنت اللي قتلت باباي، وسها هانم رقصت على السلالم) وغيرها.
عمو فؤاد والفوازير
في حقبة الثمانيات كان أبرز ما فيها تقديم فؤاد المهندس لفوازير شهر رمضان للأطفال، والتى تعاون فيها لسنوات طويلة مع الملحن الموهوب المظلوم إعلاميا المبدع محمد الشيخ، ومع الشاعر المبدع المظلوم هو الآخر مصطفى الشندويلي.
وفي هذه الفترة أيضا قدم (فؤاد المهندس) مسرحية (هالة حبيبتي) التى قدمها عام 1985، وغني فيها مع الطفلة (هالة) الأغنية الشهيرة (يا حتة مارون جلاسيه).
وفي عام 1987 يقدم رائعة (علشان خاطر عيونك) مع المخرج حسين كمال، وفيها يغني مع بطلة المسرحية (شريهان) الأغنية الجميل (ليلتك فل يا رزه يا فولالي، ده أنتي لا حصلتي ولا هتحصلي).
ورغم كل الأغنيات الناجحة التى حققت نجاحا كاسحا، وغزا فيها (فؤاد المهندس)، الشارع المصري، وقلوب الجماهير، لم يذكر مرة واحدة أنه مطرب!.
ولكنه كان يقول: (لست مطربا، ولكني مؤدي جيد بنظر البعض، ومجتهد بنظر نفسي، هذا هو كل ما في الموضوع!).
هل هذا صحيح كل ما في الموضوع؟! لا أعتقد ولكنه تواضع العظماء والنبلاء.. رحم الله الفنان المبدع (فؤاد المهندس).