بقلم الكاتب الصحفي: محمود حسونة
يعيش بيننا فنانون وإعلاميون يصنعون (التفاهة) ويعشقون إثارة الجدل، يقولون ما يصدم الناس، ويفعلون ما يستفز الرأي العام، ويتقمصون شخصية العارف والعالم وهم لا يعرفون ولا يعلمون سوى القليل، هم يعلمون أنهم يجهلون ولكنهم يجيدون الادعاء ويتوهمون أن شهرتهم تبرر لهم قول ما يشاؤون وقتما يشاؤون.
علمنا الفلاسفة أن الجدل هو الطريق إلى الحقيقة وأن الحوار هو السبيل إلى الحكمة وأن كليهما إعمال للعقل وحث على التفكير الذي يزرع الوعي ويصوب القرار والهدف من كل ذلك الوصول إلى الرقي الإنساني والسمو الأخلاقي.
وعلمتنا مواقع التواصل الاجتماعي أن الجدل هو الطريق للزيف، وأن الحوار ليس سوى سفسطة وأن كليهما إهدار للوقت وتغييب للعقل والهدف هو الوصول لحالة الفوضى الأخلاقية والفساد القيمي والفراغ الفكري وهو ما يحقق التفاهة المنشودة والمتحققة.
في زمن (التفاهة)، أصبحت (التفاهة) تلاحقنا من كل جانب، من الإنترنت والتليفزيون والدراما، من بعض الفنانين والإعلاميين والسياسيين والمؤثرين والناشطين، من الشرق والغرب والشمال والجنوب والداخل والخارج.
جدل اليوم يجسده التريند، والتريند تتم صناعته، وما أكثر عشاق ركوب التريند، ولا يهمهم ركوبه على حساب الدين أو القيم أو العادات، المهم أن يركبوه، ليست لديهم مشكلة في أن يكون ذلك بخلخلة الثوابت وزعزعة المعتقدات وضرب القيم والسخرية من العادات والتشكيك في الموروث، فهم يدركون جيداً أن ما يثير الجدل هو ما يصدم الناس، يستخدمون الصواعق الفكرية حتى يتحقق الهدف.
فنانون وإعلاميون اعتادوا (التفاهة) وإثارة الجدل بمشاكلهم الشخصية وتتصدر هؤلاء شيرين عبدالوهاب، وفنانون يركبون التريند بالاستغراق في عبادة الذات ويتصدرهم محمد رمضان، وفنانون وفنانات يثيرون الجدل بملابسهم الغريبة وخلاعتهم السلوكية وهم كثر.
وفنانون يثيرون الأزمات بالتجاوز في حق القيم والدين والمجتمع، وخلال الفترة الأخيرة ركب التريند من هؤلاء (إلهام شاهين وإيناس الدغيدي وأحمد سعد والإعلامي تامر أمين).
تفاهة (إلهام شاهين)
نعم، نعيش زمن الفوضى و(التفاهة) الذي أتاح لكل صاحب لسان فلتان أن يقول ما يريد فيما يريد وبالطريقة التي يريد وبصرف النظر عن نتائج ما يريد!، (إلهام شاهين) أثارت جدلاً رغم إرادتها هذه المرة، فالمتربصون لها فتشوا في أرشيفها واستخرجوا منه مقطعاً من حوار أبدت خلاله انزعاجها من مخرج شهير كان يعطل التصوير لأجل الصلاة.
وكأن الدقائق المعدودة التي يصلي خلالها المخرج هي التي ستعطل التصوير وتكسر الإلهام وتفصل الابداع وتخرب الفن، ولعل العاملين في المجال الفني والمحتكين به يعلمون جيداً أن معطلات التصوير كثيرة ومتنوعة ويتقدمها تأخر البطل أو البطلة عن المجيء لموقع التصوير.
وانشغال النجمات معظم الوقت بالماكياج والكوافير والنظر في المرآة خشية الإطلال على الجمهور بصورة تصرفه عنها أو عنهن، بجانب الاستراحات التقليدية سواء لتغيير في الديكور أو موقع الكاميرا أو لتناول الغذاء.
الصلاة ليست حجة للتعطيل، والتباهي بعدم الصلاة أمر يخص أصحابه، ليس من حق أحد أن يدفع أحد إلى الصلاة رغماً عنه وأيضاً ليس من حق أحد أن يتنمر على أحد ملتزم بأداء الصلاة في أوقاتها مثلما أمرنا ديننا بذلك في الكتاب والسنة.
فالالتزام بالعبادة من عدمه أمر خاص وعلاقة الإنسان بربه تخصه وحده ولا يجب أن يتدخل بها أحد، وهذا هو المفهوم الصحيح للحرية، فلا ينبغي أن يتشدق أحد بحقه في الحرية وحقه في القرار وحقه في تقرير مصيره واختيار نمط حياته ويحرّمه على غيره.
النابشون بحثاً عن شيء يثيرون به الناس ضد فنان أو شخصية عامة وجدوا هذا المقطع ونشروه لإلهام شاهين، وإلهام لم تغير موقفها ولو كانت فعلت ذلك لدافعت وتبرأت، ولكن يبدو أنه راق لها نشره حالياً واعتبرته فرصة تعيدها إلى دائرة الضوء.
وفرصة لأن يتجدد يقينها بأنها مازالت قادرة على إثارة الجدل حتى لو كان جدلاً يصنع فتنة ويتعلق بقضية محسوم أمرها منذ أكثر من 1400 سنة وليست مجالاً للنقاش العقيم اليوم.
(إيناس الدغيدي) تلفت الانتباه
المخرجة (إيناس الدغيدي) توقفت عن الإخراج منذ سنوات، ولم يعد لديها وسيلة للفت الأنظار إليها سوى بإثارة الفتن، حتى لو كان ذلك بالكشف عن أسرار حياتها الشخصية التي ينبغي أن تكون ملكاً لها وحدها.
المخرجة التي تعاني من فراغ فني ارتأت أن تعوض ذلك بالتصريح بأنها عاشت في مساكنة بلا زواج لعدة سنوات قبل أن تتزوج، وتحدثت أيضاً عن زواج عرفي، لتثير الناس ضدها ليس بفيلم سينمائي يتناول قضية حساسة.
ولكن بالنيل من ثوابت الدين وخلخلة ثوابت المجتمع، إنه حقاً زمن (التفاهة) والفراغ الذي ينجرف فيه الناس وراء صناع الفتنة ومثيري الجدل لأهداف غير معلومة.
أغنياء (أحمد سعد)
المطرب (أحمد سعد) اعتاد من وقت لآخر أن يثير جدلاً بكلام يخرج منه بشكل تلقائي ولكنه يصدم الناس فيه، قد يكون ذلك عن جهل بعواقب هذا الكلام، وقد يكون عن ادعاء للجهل لإثارة الفوضى على مواقع التواصل.
وفي حفله الأخير بالساحل الشمالي أدرك أن جميع الحضور من الأغنياء فأراد مجاملتهم بكلمات توهمهم أن الذكاء صفة حصرية لهم وأن غير الأغنياء وغير القادرين على الذهاب إلى الساحل والتملك فيه وهم الأكثرية، ليسوا كذلك بقوله:
(مساء الخير على الناس الحلوة، مساء الخير على الناس اللذيذة، مساء الخير على الناس المتشيكة، مساء الخير على الناس الأغنياء، أنا باحب الأغنياء قوي يا جدعان باحس إن هما أذكياء، صح ولا إيه؟).
هل من (الذكاء) مخاطبة الجمهور بهذا التمييز الطبقي؟، ألا يمكن أن تثير هذه الكلمات غضب وحقد طبقات اجتماعية وغرور طبقة اجتماعية عليهم، ومن قال أن الذكاء له علاقة من قريب أو بعيد بالمستوى المادي للبشر؟
فلننظر إلى أوائل الثانوية العامة وأوائل الكليات الجامعية المختلفة عبر سنوات وسنوات، ولنبحث في أصول الأغلبية من أدبائنا وزعمائنا وعلمائنا حتى نتبين الحقيقة التي لن يعلمها (أحمد سعد) الذي سخر سابقاً من شقيقه الذي سلك طريق العلم!
(تامر أمين).. صانع الفتنة
آخر صناع الفتنة و(التفاهة) الذين أتحدث عنهم هو الإعلامي (تامر أمين) الذي يقفز من لسانه الكلام أحياناً وهو لا يعي معناه، حيث طالب مؤخراً بهدم الأساس الذي تم بناء نظام التعليم الثانوي العام عليه في بلادنا وفي العالم، مطالباً بإلغاء تدريس التاريخ والجغرافيا والفلسفة والمنطق من الثانوية العامة.
وهذه المواد هي من الأعمدة الرئيسية للشعبة الأدبية، وهى مواد حيوية ومهمة، فمن يريد أن يفهم حاضر بلاده ويتوقع مستقبلها فلا بد أن يدرس تاريخها، ومن يريد أن يستوعب قيمة بلاده ومدى قدرتها على التأثير العالمي فلا بد أن يدرس الجغرافيا.
ومن يريد أن يبلغ الحكمة في قراراته فلا بد أن يدرس الفلسفة، ومن يريد أن يتعلم التفكير العقلي فلن يستغني عن المنطق.