رئيس مجلس الادارة : محمد حبوشة
رئيس التحرير : أحمد السماحي

شهادة نادرة وساخنة للكاتب الساخر (محمود السعدني): ننشرها في مئوية (فؤاد المهندس)

أعد الشهادة للنشر : أحمد السماحي

تكتسب شهادة الكاتب الكبير (محمود السعدني)، في حق الفنان الكبير (فؤاد المهندس) أهمية كبرى، لكونه واحدا من نجوم الكتابة الساخرة التى كانت ترسم البسمة على وجوهنا من خلال نقده الساخر لما يحدث في الحياة السياسية والإجتماعية والرياضية والفنية في مصر المحروسة، عندما كانت هناك جهات رسمية تتقبل النقد بصدر رحب ولا تخشى منه!.

في كتابه (المضحكون) الذي صدر عام 1971 عن سلسلة (الكتاب الذهبي) الذي كانت تصدره مؤسسة (روزاليوسف) تحدث (محمود السعدني) عن مجموعة من نجوم الكوميديا الذين يرى أنهم (مضحكين) حقيقيين.

(فؤاد المهندس) الذي كتب عنه (السعدني) باب من أبواب الكتاب تحت عنوان (الذكي)

فؤاد المهندس الذكي

 منهم الفنان الكبير (فؤاد المهندس) الذي كتب عنه باب من أبواب الكتاب تحت عنوان (الذكي) قال فيه: (ليس من بين المضحكين من هو أذكى من (فؤاد المهندس)، وذكاؤه هو الذي جعله يحط كالصقر على طبق المهلبية الشهير بـ (شويكار طوب صقال).

وهو بهذا الزواج الذكي سيصبح (فؤاد المهندس) المضحك الرسمي للمسرح المصري، فهو بالرغم من هذا القفص الصدري المطبق، والوجه المفعص، وهو بالرغم من ساقيه المعوجتين، وأوراكه التي تشبه أوراك معزة حاوي مفلس.

هو بالرغم من هذا سيصبح فتى أحلام طبق المهلبية، هذه البنت السنيورة الغندورة التى هى فتاة أحلام كل الرجال، هذا الدويتو العجيب، الحسناء والقرد، سيصبح أنجح (كوبل) في المسرح المصري الحديث.

لم يكن (فؤاد المهندس) مغامرا حين ارتبط بهذه البنت الحلوة المجهولة التى لا يعرفها أحد

(فؤاد المهندس) مغامرا

ولم يكن (فؤاد المهندس) مغامرا حين ارتبط بهذه البنت الحلوة المجهولة التى لا يعرفها أحد، والتى أصابها الفشل الذريع عندما صعدت أول ليلة على خشبة المسرح.

لم يكن (فؤاد المهندس) مغامرا، ولكنه كان يجرب وصفه جربها (نجيب الريحاني) من قبل، وكانت الوصفة ناجحة للغاية، ضمنت للريحاني التفوق المطلق، ومع التفوق ضمنت له الأشتهار والأزدهار.

شويكار المهندس، هى (بديعة مصابني) الجديدة، وهي (ميمي شكيب) بعد ذلك، ومن نجيب وبديعة، ثم نجيب وميمي، كانت الضحكات ترن بين جدران مسرح الريحاني.

 لقد أدرك (الريحاني) أن ارتباطه بالحسناء يرضي غرور الرجال، خصوصا وأن معظم الرجال يحسون بالنقص، ويحلمون بأن تقع النساء الجميلات في غرامهم.

وتبقى الأحلام مجرد أحلام طبعا، ولكن الأحلام تتحقق على مسرح الريحاني، ثم تتحقق بعد وفاة الريحاني على مسرح (فؤاد المهندس).

وذكاء (فؤاد المهندس) هو الذي جعله يطمع في تقديم روائع المسرح العالمي مثل (سيدتي الجميلة، الملك وأنا، إيرما الغانية)، ولو كانت إمكانات (فؤاد المهندس) في حجم ذكائه لاستطاع أن يحقق شيئا كبيرا!، ولكن (العين بصيرة، واليد قصيرة) وليس كل ما يتمنى المرء يدركه، على رأي شعراء العرب الأقدمين!.

وذكاء (فؤاد المهندس) هو الذي جعله يقبل العمل مع المؤسسة العامة للسينما حين وضعت المؤسسة كل إمكاناتها تحت أمره، وذكاؤه هو الذي دفعه إلى رفض العمل مع المؤسسة حين قررت أن تضع امكانياتها في خدمة العمل الفني، وليس في خدمة الفنان.

فالعمل الفني لا يهم (فؤاد المهندس)، لأن العمل الفني (طظ)، والفن (طظ) وأي شيئ (طظ) إلا إذا كان المحور والهدف والغاية هو فؤاد المهندس!.

وذكاء (فؤاد المهندس) هو الذي جعله يعدل مساره قليلا لينحرف عن مدار الريحاني، وليصبح له في النهاية مدار مستقل، حتى صوت الريحاني الذي ركبه فؤاد المهندس في البداية تخلى عنه بعد ذلك.

إذا كان (عبدالمنعم مدبولي) قد اشترك في صنع المهندس يوما فلسوف يركله المهندس عندما يحين الوقت

أنانية فؤاد المهندس

فؤاد المهندس استخدم الريحاني كالصاروخ دفع به حتى انطلق إلى الفضاء الخارجي ثم تخلى عن الصاروخ بعد ذلك، واتخذ لنفسه مدارا حول الكرة الفنية.

وهو من لحظة اشتهاره وإلى أن ينتهي ستكون كل الأشياء بالنسبة له مجرد سلالم!، وسيصعد فؤاد المهندس كل مراحل حياته على كل السلالم ثم يركلها بقدمه ويقذفها إلى بعيد.

 فهو قرر منذ البداية أن يكون ارتباطه الوحيد بفؤاد المهندس، وهو لن يبحث في مستقبل المسرح المصري، أو تعلية شأن الكوميديا في مصر، ولن يهتم بأي شيئ، ولكن محور قلقه واهتمامه سيكون فؤاد المهندس ذاته.

وإذا كان (عبدالمنعم مدبولي) قد اشترك في صنع المهندس يوما فلسوف يركله المهندس عندما يحين الوقت، وإذا كان سمير خفاجي قد ساهم في صنع المهندس فلسوف يلقى مصير مدبولي هو الآخر.

إنها ليست حركة نذالة من (فؤاد المهندس)، ولكنه سلوك طبيعي ليحتفظ فؤاد بأثمن وأغلى شيئ في حياته، وهو (فؤاد المهندس)!، ولكن إذا كان هذا السلوك يؤدي إلى خير فى المدى القريب، فهو يؤدي إلى كوارث في المدى البعيد.

فهذه الأنانية الشديدة، جعلت (فؤاد المهندس) لا يهتم بأحد إلا فؤاد!، فلا مسرح خاص، ولا فرقة خاصة، ولا شلة زملاء يصنعون معا شيئا للمستقبل، ولا جيل جديد ينبغي تربيته ورعايته.

و(فؤاد المهندس) يعمل في المسرح بالقطعة، وينفض المولد دائما مع آخر يوم من أيام الرواية، ولكن ذكاؤه سيخونه في موقف واحد، هو موقفه من السينما، أنه لكي يبتعد عن الريحاني دخل في جاذبية (إسماعيل يس) ودار حوله.

وأصبح (فؤاد المهندس) جوكر السينما المصرية، وفي كل يوم نشاهد له أفلاما بايخة إخراج فطين عبدالسميع، وحسام عبدالسميع، وعبدالسميع عبدالسميع!.

وهي أفلام لا تخرج عن دائرة أفلام إسماعيل يس في اللوكاندة، وإسماعيل يس في الشاطئ، وإسماعيل يس في المطعم إلى آخر هذا الهرش مخ الذي قضى على إسماعيل يس قبل الأوان!.

(فؤاد المهندس) يتمتع بلياقة بدنية يحسده عليها كباتن كرة القدم

لياقة فؤاد المهندس البدنية

لكني أعتقد أن ذكاء (فؤاد المهندس) سيشده مرة أخرى خارج هذه الدائرة، وسيفر من حكم الإعدام، أو على الأقل سيستبدله بالأشغال الشاقة المؤبدة.

وهى مسألة ضرورية وهامة للغاية، لأن (فؤاد المهندس) هو أكثر الناس لمعانا في المسرح المصري، وهو أكثرهم جماهيرية، وهو الفنان الوحيد الذي يستطيع أن يحل بالفعل محل نجيب الريحاني كزعيم للكوميديا، ومحور لها في مصر والعالم العربي.

وهو بذكائه ولياقته البدنية، وعلى فكرة (فؤاد المهندس) يتمتع بلياقة بدنية يحسده عليها كباتن كرة القدم، ولو كان (علي أبوجريشه) يتمتع بنفس اللياقة التى يتمتع بها المهندس لضمن لنفسه لقب أحسن لاعب، ليس في مصر وحدها ولكن في العالم كله.

و(فؤاد المهندس) يعرف هذه الحقيقة، ويعرف كيف يستغلها، وهو لذلك يستطيع أن يضحك الناس حين يتكلم، ويستطيع إضحاكهم أكثر حين يتحرك، وهو قادر في كل وقت على أن يمثل بصدره، وبمؤخرته، وبكعوب رجليه، وبرموش عينيه، وصلعة رأسه!

ولكن هذه الموهبة الضخمة الجبارة تتبدد كدخان في الهواء، أنه يتصرف كرجل يملك مليون جنيه اشترى بها حشيشا لينسطل، وينسجم ويحلق في الفضاء اللانهائي، ويحلم أسعد الأحلام.

إن (فؤاد المهندس) لانشغاله الشديد بنفسه لم يلحظ حركة الجماهير يوما ما، ولم يحاول أن يرتبط بها على الإطلاق، وهو ينظر إلى الحياة بعين مغلقة، وعين نصف مفتوحة.

(فؤاد المهندس) رغم كل شيئ سيكون أطول المضحكين عمرا

لو أدرك فؤاد المهندس

وهذه العين النصف مفتوحة تنظر دائما إلى فوق، ولا تنظر أبدا إلى تحت، فهو مضحك الطبقة الجديدة، وحتى عندما تحرك لينقد، نقد القطاع العام ومؤسساته ليس نقدا من أجل الإصلاح، ولكن فقط للسخرية والأنبساط.

وهو أعلن صراحة أنه يتخلى عن دور الأفندي البسيط الغلبان ليؤدي الأدوار الشيك، دور المؤلف في مسرحية (حواء الساعة 12)، ومدرس الملوك في (سيدتي الجميلة).

ثم لأنه لا يريد أن يتفرغ للمسرح، يلعب حركة قرعة على الجماهير فيتصدى للإخراج، وكانت رواية حصة قبل النوم دليلا على أنه أخرج الرواية وهو نائم!.

ولكن (فؤاد المهندس) رغم كل شيئ سيكون أطول المضحكين عمرا، وسيظل أطولهم باعا، وسيكون اسمه أشهر الأسماء في دنيا المضحكين، لأنه إذا كان بينهم من يتمتع بموهبته، فليس من بينهم من يتمتع بذكائه.

لو أدرك (فؤاد المهندس) أنه وصل الآن إلى الفضاء الخارجي، لو أدرك أنه من خلاله نستطيع أن نحقق كوميديا هادفة، وكوميديا راقية، ولو تخلى فؤاد المهندس عن الطبقة التى اختارها ليضحكها.

ولو فتح عينه النصف مغلقة ليشاهد حركة الجماهير الواسعة العريضة، ولو أنه ذاب في زحمة الناس، وملأ خياشيمه برائحة العرق، ولو قبض بأصابعه على حفنه الأرض.

لو فعل (فؤاد المهندس) هذا كله، لصار بلا جدال وبلا نقاش، مضحك مصر، ولكن فؤاد المهندس حتى ولو لم يفعل ذلك، سيظل أشهر مضحك، وأكبر مضحك، غير أنه سيضحك الناس من أجل لا شيئ.

سيضحكهم لكي يقال أنه أضحكهم، بدلا من أن يكون صاحب مدرسة سيتحول إلى صاحب سيرك، وبدلا من (فؤاد المهندس)، سيصير (فؤاد المهرج) ويا أسفاه!.

يبدو أن نجمنا (فؤاد المهندس) قرأ ما كتبه محمود السعدني، واستوعبه، وحاول تنفيذ كل ما فيه

تعقيب من (شهريار النجوم)

هذا المقال الساخن شديد القسوة، شديد الحب! كتبه أستاذنا الكبير محمود السعدني عام 1971، ولم يكن نجمنا (فؤاد المهندس) نضج وقدم أعماله المسرحية والسينمائية التى قدمها بعد عام 1971، والتى شهدت نضجه وتألقه.

ويبدو أن نجمنا (فؤاد المهندس) قرأ ما كتبه محمود السعدني، واستوعبه، وحاول تنفيذ كل ما فيه، وتفادي السلبيات الكثيرة التى ذكرها عمنا السعدني.

مع تلميذه عادل إمام وزوج تحت الطلب
مع أيقونة الساحرة شريهان في (عشان خاطر عيونك)
مع حسن يوسف وعلوية جمال في أحد أفلامه
مع سعاد حسني ورشدي أباظة في جناب السفير

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.