بقلم المخرج المسرحي الكبير: عصام السيد
منذ سنوات اتخذت الحكومة عدة إجراءات لمواجهة الأزمات الاقتصادية المتتالية نتاج لانتشار جائحة كورونا، ومن بعدها الحرب الروسية الأوكرانية التي ألقت بظلالها على الاقتصاد العالمى – و التي لم تنته حتى الآن، وهو ما انعكس سلبا على وزارة (الثقافة) بأنشطتها المختلفة.
ثم جاءت حرب غزة لتزيد من معاناة المصريين بسبب آثارها السلبية على إيرادات قناة السويس والسياحة وهما موردان أساسيان من موارد الاقتصاد المصرى، ولكل هذا اتخذت الحكومة إجراءات لترشيد الإنفاق العام و أصبحت تكرر هذه الإجراءات أو تزيد عليها كلما تزايدت الأزمة.
وخلال العام المالى الماضى 2023/ 2024 أصدر مجلس الوزراء قراره بتأجيل الصرف على أية احتياجات لا تحمل طابع الضرورة القصوى، مع تأجيل تنفيذ أية مشروعات جديدة لم يتم البدء في تنفيذها، ولها مكون دولاري.
والتوجيه لدى كافة الجهات الداخلة في الموازنة العامة للدولة للعمل على تنمية مواردها الذاتية لتلبية جانب من احتياجاتها لتخفيف الضغط على الاعتمادات التي يتم تمويلها بعجز فى الخزانة العامة، والتي يتم توفيرها من خلال وسائل الاقتراض المختلفة.
كما تضمنت الضوابط والقواعد ترشيد كافة أعمال السفر خارج البلاد إلا للضرورة القصوى وبعد موافقة رئيس مجلس الوزراء، أو في حالة تحمل الجهة الداعية لكافة تكاليف السفر وبعد موافقة السلطة المختصة، بالإضافة إلى حظر الصرف على تكاليف النقل والانتقالات العامة للسفر بالخارج أو صرف بدل انتقال.
والحقيقة أن هذا القرار – الذى لا نشكك في صحته – انعكس سلبا على وزارة (الثقافة) بأنشطتها المختلفة، لأن قواعد حظر الصرف تضمنت نفقات الدعاية، وهو نفس الخطأ الذى تقع فيه الحكومة في كل مرة تضع فيها قواعدا لترشيد الإنفاق.
فليس العمل في كل الوزارات متشابه، فالعمل في وزارة (الثقافة) يحتاج الى الدعاية، فالعمل الفنى بلا دعاية كالآذان فى مالطة، أو كالبحث عن إبره فى كوم من القش، فلا فن بلا دعاية تخبر الجمهور وتحثه على المشاهدة والاستمتاع والتعلم.
عشرات الأعمال بلا دعاية
إن جهات الإنتاج التابعة لوزارة (الثقافة) تقدم عشرات الأعمال سنويا بلا دعاية – سوى مجهودات فردية على وسائل التواصل الاجتماعى – مما يجعل الغالبية العظمى من المصريين وخاصة الطبقة الوسطى التي هى المستهلك الأساسى لـ (الثقافة) والفنون لا تدرك وجود هذه الأعمال.
ولا عجب بعد هذا إذا وجدنا المواطن العادى يتساءل عن مسرح الدولة: أين هو؟، ولماذا لم يعد موجودا؟، في حين ان هناك مسرحيات تعرض و مجهود يبذل بلا أي دعاية تنبئ و تدفع للحضور.
والغريب أن نفس هذه الحكومة التي حرّمت على وزارة (الثقافة) الدعاية لأعمالها سمحت لمصلحة الضرائب أن تعلن عن نشاطها!
لم تفكر الحكومة أو وزارة (الثقافة) في حلول بديلة بدلا من إهدار دم المسرح المصرى وبقاء عروضه (سرية)، أو الاعتماد على (شطارة) العاملين فيه في الدعاية لأنفسهم أو مدى قدراتهم المادية في الصرف من جيوبهم الشخصية على الدعاية لأعمالهم.
ألم يكن من الأجدى أن تصدر أوامر من مجلس الوزراء الى تليفزيون الدولة، بأن يقوم بالدعاية لمسرح الدولة فكلاهما يتبع نفس الدولة؟، ما الذى سيتكلفه التليفزيون من أموال في مقابل عودة إعلانات مسرح الدولة ؟ لا شيئ ، مجرد دقائق على الهواء خلال فترات الإذاعة الطويلة.
في حين أن التليفزيون المصرى يستغل كل أنشطة وزارة (الثقافة) في برامجه – دون مقابل – ليملأ بها ساعات الإرسال!، وللأسف يسمح المسرحيون بهذا الاستغلال ظنا منهم أن هذه البرامج تحقق لهم نوعا من الإنتشار أو الدعاية المفتقدة، برغم علمهم أن معظم هذه البرامج لا يراها أحد.
على الجانب الآخر توجد (الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية) التي تمتلك عدة قنوات تليفزيونية ولا يضيرها أن تخصص من خلالها دقائق يوميا للدعاية للمسرح، وبرغم وجود بروتوكول تعاون قيل أنه جرى توقيعه بين وزارة الثقافة والشركة.
مسرح الدولة بضاعة راكدة
لكن لا أحد يعلم بنوده أو فحواه، بل يشكك البعض في وجوده أصلا، والبعض الآخر يقول ان تنفيذ الاتفاق توقف بسبب رفض الشركة دفع مقابل تصوير الأعمال !! على اعتبار ان مسرح الدولة – من وجهة نظرها – بضاعة راكدة وأنها ستتكلف في حال تصوير أعماله أجورا للعاملين لديها وتأجير معدات و خلافه.
في حين أنها نست أو تناست أنها ستكسب على الأقل تغطية ساعات إرسال تبلغ تكلفتها أضعاف ما ستدفعه، إلى جانب ما قد يعود عليها من قيمة الإعلانات التي تحتكرها على قنواتها و التي تستطيع تسويقها.
عموما تشير كل الوقائع الى أن الشركة لا ترى مسرح الدولة للأسف، أو ربما لا تعلم بوجوده، فلم تفكر في تصوير أعماله أو الاستفادة من عروضه الناجحة في مهرجان العلمين على سبيل المثال – بعد فشلها في انتاج عروض مسرحية خاصة بها إلا عرضا واحدا – واستعانت في النهاية بعروض مسرحية من إنتاج دولة شقيقة، أو عروض خاصة، فزمار الحى لا يطرب!
ولا يبق أمامنا سوى البكاء على اللبن المسكوب، وعلى جهود مئات الفنانين في عروض تعانى من عدم وجود دعاية لائقة أو تسجيل أعمالهم تليفزيونيا بشكل محترف وإذاعتها لعلها تشارك في معركة الوعى التي تحدث عنها السيد الرئيس مرارا وتكرارا.
وكل ما تفعله الحكومة هو إنتاج مسرحيات والإلقاء بها إلى المجهول، وليس مهما لديها أن تصل تلك الأعمال المدعومة إلى مستحقيها، وكأنها (تعمل ما عليها و خلاص) كنوع من ابراء الذمة و حتى لا تتلقى المذمة.
وإذا كان الأمر كذلك فلماذا لا يتم غلق المسارح إلى أن تقتنع الحكومة بأن الفنون حائط صد ضد الأفكار الظلامية والمتطرفة والفن المبتذل، وأن القوى الناعمة لها دور كبير وهام ومؤثر في المعركة القائمة بين مصر وبين قوى تحيك لها مؤامرات متعددة.
أما الشق الثانى من قرارات التقشف والذى نص على أن كافة الجهات الداخلة في الموازنة العامة للدولة – و فيها بالطبع وزارة الثقافة – بأن تعمل على تنمية مواردها الذاتية لتلبية جانب من احتياجاتها لتخفيف الضغط على الموازنة العامة للدولة، فله هو الآخر أثره السلبى!
ولكن لهذا حديث آخر..