بقلم الإعلامي: علي عبد الرحمن
تحدثنا في مقالنا السابق بموقعنا هذا عن التطور التاريخي عبر سنوات مابعد حراك يناير 2011، ومرحلة التحول الديمقراطي وفترة الرغبه في التغيير وما تلاها من صيحات طالت التطلع للتغيير في كل مكان، في ظل مبادرة التنظيم الذاتي لـ (الإعلام).
وذكرنا بعض الجهود التي تم بذلها من شيوخ الإعلاميين وشبابهم الثائر حول أفضل التجارب الدوليه والإقليميه في مجال تنظيم (الإعلام)، وتفعيل حريات التعبير، والحق في (الإعلام)، وكذا التشريعات المنظمه لحرية العمل وحرية تداول المعلومات وسرية المصادر، وإلغاء وزارة (الإعلام).
وظهور المجلس الأعلي لتنظيم (الإعلام)، وهيئتي الصحافه و(الإعلام) وكذا نقابة الإعلاميين، وكيف أن المشهد الإعلامي أصبح منقسما بين (الإعلام) الرسمي بسباته وترهله وبين (الإعلام) الخاص، أو شبه الرسمي بنفقاته ومحتواه.
وبين ملامح المشهد عموما من تشابه وضعف محتوي وغياب الرسائل الداعمه لخطط الوطن وعدم المنافسه وغياب نوعيات هامه من المحتوي الهادف وغياب التدريب وصناعة الأحداث والكوادر الواعيه والاحتكار.
ونجومية مقدمي البرامج والملاسنات والشتائم والفضائح والاستفزاز الإعلاني، وعدم رضا ثلاثية المشاهدة عما يقدم سواء الدوله أو الخبراء أو المشاهدين.
وساد هذا الوضع مشهدنا لسنوات ظهرت فيها وسائل إعلامية حولنا سبقتنا في صناعات الأخبار والدراما والترفيه والتثقيف وصناعة الأحداث، وأصبح لكل شبكة اهداف تسعي لتحقيقها لصالح الدوله المموله لهذه الوسائل.
فمنهم من يوثق لعودة الخلافة، ومنهم من يوثق لتفرده في صناعة الأخبار، وثالث يضع قدميه علي بساط المنوعات والترفيه ورابع يعتلي بساط الانتاج الوثائقي وخامس يعتلي منصة صناعة الأحداث الإعلامية، وغيرهم في مجال صناعة برامج الأطفال والأسرة والدين والثقافة.
وظل الحال هكذا حتي ظهرت (الشركة المتحدة) بنوافذها لتسد بعضا من هذا القصور في مجال الإنتاج الدرامي والمنوعات والأخبار والوثائقي والرسائل الوطنية، وصناعة الأحداث.
مبادرة التنظيم الذاتي للإعلام
ثم فجأة ظهرت دعوة المجلس الأعلي لتنظيم (الإعلام) لمبادرة التنظيم الذاتي للإعلام بعد 8 سنوات من ظهوره مع الهيئات والنقابة ظهورا باهتا غير فاعل ولا منظم ولا متفاعل ولا محدثا لأي تغيير من ملامح مشهدنا الإعلامي.
ورغم أن خلاصة جهود الذاتي للإعلام وعصارة فكر خبراء وشيوخ المهنه كانت تنصب علي دراسة التحديات التي تواجه المهنه من بيئة عمل وتمويل واستقلالية ومرجعية وتشريعات ومحتوى وكوادر وحرية تعبير وتداول وسرية المصادر وتنقيح القوانين والتشريعات التي تعوق ذلك.
وكذا متابعة تنوع المحتوي والحريه الإعلامية وعدم مركزية (الإعلام) وتطوير المناهج الدراسيه والتدريبية، والدخول إلي عالم تفجر المعلومات وثورتها وفنون (الإعلام) الرقمي.
إلا أن توصيات مبادرة المجلس الأعلي لتنظيم (الإعلام) آثرت الخروج بعناوين تخص سلبيات ممارسة المهنة، وليس علاج ما طرأ علي أصول المهنة وطرق ممارستها وتحريرها.
ووضع خارطة طريق لإصلاح ذلك تشمل ماتم سرده من تحديات أو معوقات ثم سردا للفرص التي تساهم في إعادة التنظيم بشكل ذاتي أو تشريعي أو مجتمعي، وهذه التوصيات الصادره هى:
- تفعيل المواثيق الصحفية والإعلامية والأكواد، وهذا كلام فضفاض فالمواثيق المصريه والعربيه والأمميه والإنسانيه موجوده من زمن ولم يلتزم بها أحد فكيف سيتم الإلتزام بها وأية مواثيق وكيفية متابعة ذلك.
وما جزاء من يخالفها، وهل سينشئ المجلس لجنة لمتابعة هذا الالتزام؟، وهل تم تعميم هذه المواثيق علي الوسائل والكوادر للالتزام بها وعقوبات مخالفتها؟!
أما عن قضية الأكواد فهذه مسألة ذات علاقه بالمحتوي والفئات العمرية بالمجتمع وأوقات البث والإعادة، والتنصيف الظاهري على الشاشات قبل كل منتج برامجي أو درامي.
وهذا يستلزم مراجعة كل المحتوي وأوقات بثه وإعادته ومراجعة الشاشات، وهذا يتطلب أيضا لجانا للمحتوي والبث والتصنيف والتوجيه والمحاسبة، ولا أعتقد أن لدينا أكوادا محددة لكافة التصنيفات الإنتاجية المذاعة، وليس هناك دليل للأكواد واضح يتم الإلتزام به وعدم مخالفته وعقوبات ذلك أيضا.
ضبط مدد الإعلانات
- ضبط مدد الإعلانات مقابل المدد البرامجية والدرامية، وهذا كلام إنشائي، فما هى المدد المثلي لذلك، والتي تحافظ علي حقوق المشاهدة ومتعة المتابعة المنتظمة دون انقطاع ولا تشتيت بين الإعلانات والمحتوى؟
وهل ستكون هناك آليه لقياس المدد البرامجيه والإعلانية لصالح المشاهد؟، وهل سيدخل في ذلك كل أشكال الإعلان كالصريح المباشر أو شرائط الإعلانات أسفل الشاشه أو الإعلانات أثناء عرض المحتوي؟، وهل هناك قناه ستلغي مددا إعلانية لصالح حقوق المشاهدة، وما ضوابط تنفيذ ذلك وجزاءات من يخالفها.
- الاهتمام ببرامج الأطفال والشباب والثقافية!، ولم توضح التوصيات كيف يكون هذا الاهتمام، فبعد غياب لسنوات لمحتوى برامج الأطفال، الشباب، الثقافة تأتي هذه التوصيه دون تحد قاطع لمدد زمنية مخصصة لهذه الفئات علي خرائط البث.
وعليه فلا يمكن متابعة الإلتزام بها ولا ضمان تنفيذها ولا عقوبه لمن خالفها، والأصل في علوم وضع خرائط البث هو التنوع حسب الفئات العمرية والمكانية والأنشطة ولكل حقه في مدد البث ومدون في خرائطه، ويمكن التحقق منه ومراجعته، ناهيك عن مواصفات المحتوى وطريقة تناوله ومدي ملائمته للعصر وللتنافس من حولنا!
- ضبط مدد البرامج الحوارية بما لايزيد عن ساعه ونصف، وهذا أيضا كلام عام فالقنوات قائمه علي هذه البرامج وهى أصبحت قناة داخل القناه لمقدمها، وأصبحت مكلمة ونافذة لنشر أفكار مقدمها، وجذبا لعدد من الرعاة من معارف المقدم أو داعميه.
وهل سيتم القطع على هذه البرامج بعد ساعة ونصف أم ماذا؟، وهل هناك مواصفات مهنيه لفقرات البرامج الحوارية بدلا من مكلمة المذيع وأرائه!
- الحد من الآراء الذاتيه لمقدمي البرامج، وهذه قضيه أصبحت ثقافة يستعرض فيها المذيع ثقافته ومشاهداته ومواقفه اليومية، وكثير من ما يود هو نشره والترويج له.
وهنا هل سيكون هناك رقيب بالكنترول لتنبيه السيد المذيع أم سيتم لفت نظره، أم القطع عليه أم إيقافه عن الظهور، أم ماذا سيتم حتى نحقق توصية مبادرة المجلس!
التنوع الإعلامي للمحتوى
- تدريب مقدمي البرامج الرياضيه وتخصيص مساحات لكل الرياضات، وهذا حلم أصلا فتخصيص المساحات مرتبط بالتنوع الإعلامي للمحتوى، وهو غائب أصلا في مجال الطفل والشباب والثقافة وصحيح الدين والتكنولوجيا والإقتصاد والوثائقي، فهل سيكون المحتوي عادلا ومتنوعا بالنسبه لباقي الرياضات الشهيدة!
- أما عن سرعة إصدار قانون حرية تداول المعلومات فحديثه طويل قديم، لا أحد يعلم سبب تأخيره، ومن وراء ذلك، ومتي سيصدر، وهل سيفعل إن صدر أم لا؟!
- ظهور جمعيات مستقله تحمي حقوق المشاهدة النظيفة، وهذا كان موجودا تحت اسم جمعية حماية حقوق المشاهدين والمستمعين، ولكن ليس لديها أدوات المتابعه وليس لديها سلطة رفع التقارير وليس لديها وسيله لتنفيذ ملاحظاتها لصالح حق المشاهده النظيفه.
ولدينا جهاز حماية المستهلك فالمشاهد مستهلك لخدمة تقدمها الشاشات، فأين الجهاز من حقوق المشاهد ومسئوليات مقدم الخدمه؟!
- تقليل عدد المقبولين في كليات الإعلام، وهذا صعب تنفيذه في ظل قواعد التنسيق بالدرجات، وفي ظل توسع الجامعات الحكومية في فتح كليات للإعلام، وفي ظل تنافس الجامعات الخاصه والأهليه في ذلك أيضا، وفي ظل تنامي عدد الأكاديميات والمعاهد التي تدرس الإعلام.
وفي ظل دخول كل من هب ودب المهنه بفلوسه ومعارفه، وفي ظل عدم تطوير وملائمه مناهج التدريس والتدريب للواقع التطبيقي للممارسة.
ولابد من لجان مشتركه بين المجلس الاعلي للجامعات والمجلس الأعلي لتنظيم الإعلام والهيئات الوطنيه للصحافة والإعلام والنقابات وخبراء المناهج والسوق للوصول إلي توصية علميه لتعديل المناهج وتقليل الأعداد وإدخال تخصصات عصريه لمناهج تدريس الإعلام!
هذا ما ورد في توصيات مبادرة تنظيم الإعلام ذاتيا، تحت إشراف المجلس الأعلي لتنظيم (الإعلام)، وهي توصيات عامه بلا آلية تطبيق أو متابعه أو محاسبة، وتخصص يوميات ممارسة المهنة.
وليس إصلاح أصولها، وهو كلام يستوجب جهودا من لجان وخبراء ومشرعين وصولا للهدف حتى تكون التوصيات القادمة خاصه بأصول ممارسة المهنة تحديات وفرص ومرجعيه واستقلالية، وتمويلا وعوائد وتدريبا وتثقيفا وإنتاجا ومنافسه وجودة وتنوع لصالح إعلام الوطن،ومحتواه،ورسائله، وريادته.
وخدمة الوطن وأهله أجمعين.. حما الله مصر وشعبها، وتحيا دوما مصر وصوتها وصورتها.. آمين.