(حكمت فهمي).. راقصة لعبت على حبال السياسة والجاسوسية!
بقلم الأديب الكبير: سامي فريد
(حكمت فهمي) !!.. وآه يا حكمت يا أنس ليالي القاهرة في ذلك الزمان الصعب البعيد.. ثلاثينيات القرن الماضي وأربعينياته وجيوش الفوهرر النازي تكتسح المظاهرات تهتف: إلى الأمام يا روميل..
وتضاربت الآراء بين مؤيد لدخول الألمان مصر لتحريرها من الاستعمار الإنجليزي.. وبين من لا يرى فرقًا بين مستعمر انجليزي أو ألماني..
في هذا المناخ ظهر في مصر نجم سطع بشدة فتفوق على الساسة وشد الأنظار إليه بقوة أذهلت الجميع..
كانت (حكمت فهمي) الراقصة الخمرية بارعة الجمال والقوام.. فاتنة الرقص التي سبقت برقصها وجمالها وسحرها جميع من عرفتهم مصر من راقصات كن قبلها أو بعدها.. وتساءل الجميع:
ما الذي فعلته يا (حكمت فهمي) بعقول البشر مصريين وأجانب وتعدى سحرك القاهرة إلى بوخارست واسطنبول وبراغ وفيينا.. بل وباريس.. واتسعت عينا الفوهرر الألماني دهشة وهو يتابع ذلك السحر القادم إلى أوروبا من الشرق!!
الذين عايشوا ذلك الزمان يذكرون (حكمت فهمي) وعوامة (حكمت فهمي) على نيل الزمالك، وبعضهم ربما شاهدها تنزل من سيارتها البويك أمام (ذهبيتها) فلم يروا جمالا مثل جمالها وسحر عينيها وقوامها الملفوف، وذلك الجسم الرائع الذي لم يروا مثله.. مع ما كانت فيه من مظاهر الثراء والعز والنفوذ والجاه وهي صديقة الباشوات والوزراء وأصحاب السلطة..
حركات رقص (حكمت فهمي)
كانتحركات رقص (حكمت فهمي) كلها ليونة تدير الرؤوس فلن تجد لها مثيلا في أوروبا أو عاصمة النور في باريس وهي ترقص في الكازينو دي باري (باريس) أو في الفولي برچير.
كلام حكته جرائد أوروبا ومجلاتها في تلك الأيام البعيدة وهي تنتقل بين ملاهي أوروبا ملكة في بلاطها الملكي، بينما يذهب ويعود أكثر من مترودوتيل حاملين إليها البطاقات من معجبيها الراغبين في الاقتراب ولو للحظات منها فتنظر فيها بترفع ثم تلقيها أمام الجميع دون أدنى اكتراث!
ولو جمعت (حكمت فهمي) كل أكاليل الزهور التي أهديت إليها في ذلك الزمان أو ما ألقى عليها منها تحت قدميها خلال رقصها لصنعت منها أكبر حديقة زهور في العالم.
وعن السياسة فقد كان (روميل) يقترب من العلمين على بعد سبعين كيلومترا من الإسكندرية.. وكانت قلوب المصريين مع روميل.. وحكاية الفريق عزيز المصري الأب الروحي للجيش المصري، والطائرة التي حملته يقودها الطيار الشاب (حسين ذو الفقار صبري) تحلق في سماء مصر في طريقها للقاء روميل لكن الطائرة تهبط اضطراريا لخطأ فني في أحد حقول قليوب فتنتهي الحكاية المعروفة دون لقاء..
ولكن كيف بدأت علاقة (حكمت فهمي) مع الألمان..؟
في مجلس حرب عقد في برلين في منتصف يونيو أجمع المجلس على أن (روميل) يحتاج إلى معلومات سريعة عن القاعدة البريطانية في مصر فتقرر وضع خطة لتتسلل عناصر من المخابرات الألمانية إلى القاهرة.
ووقع الاختيار على عنصرين: أولهما كان يد (على كلين)، عاش في الاسكندرية فترة قبل عودته إلى ألمانيا، أما الثاني فكان اسمه (مولينبروخ)، وقد عاش في حيفا لكن الاثنين كان يجمع بينهما اجادتهما للغة العربية وبالفعل حاولت المخابرات الالمانية ادخالهما إلى القاهرة أكثر من مرة لكن المحاولات باءت جميعها بالفشل، فتقرر ارسال عنصرين جديدين كانا قد قضيا سنوات طويل في شمال افريقيا.. ودفع الاختيار على الأول واسمه هانز أبلر وكان زميله يدعي (ساندي).
وصدرت الأوامر إلى (ايلرو ساندي)، بالتسلل على مصر وبالفعل تسلما من المخابرات الألمانية جهازا لاسلكيا دقيقا مع عشرة الآلاف من الجنيهات المصرية متقنة التزييف طبعتها المخابرات الالمانية في اليونان.. كما تسلما إحدى سيارات الجيش الإنجليزي التي استولى عليها الألمان في معركة العلمين.
باقي القصة يحكيه الرئيس الأسبق (أنور السادات) في كتابه (صفحات مجهولة) ويكملها الصحفي (ليونارد موزكي) في كتابه (القطط والفئران) الذي يضيف فيه من تفاصيل تلك الأيام الصعبة والشائكة والمليئة بالمخاطر معتمدا على اعترافات أحد الجواسيس الألمان، وهو ()هانز ايلر، عندما قال إن (حكمت فهمي) كانت هي همزة الوصل بين الجاسوسين والضابط المصري أنور السادات بسلاح الإشارة فهي التي دبرت اللقاء بين الثلاثة في عوامتها – أو ذهبيتها – على بعد أمتار من كوبري الزمالك.
حكمت فهمي والجاسوسية
سنقرأ ولابد كتاب (أسرار السياسة المصرية في ربع قرن) الذي كتبه عبدالغني سعيد، وفيه يحكي قصة أول لقاء مع الجاسوسين و(حكمت فهمي)، كما سنقرأ كتاب محمد صبيح عن الفريق عزيز المصري وعصره وكتاب (بول كارل)، أيضا بعنوان (ثعالب الصحراء) ثم بعد ذلك كتاب السادات (البحث عن الذات) و(صفحات مجهولة) لنعرف أكثر عن علاقة (حكمت فهمي) بكل هذا.. كيف بدأت؟ وكيف انتهت؟
هل كانت (حكمت فهمي بالفعل جاسوسة؟ سؤال!
أم هل كانت وطنيتها وحبها لبلدها وكراهيتها للإنجليز هي التي دفعتها إلى اللجوء إلى أعداء الإنجليز ليحرروا بلدها من استعمارهم؟
أم هل كان هذا هو الدور الذي رسمه لها القدر بتفاصيله كلها.. ولم يكن عليها سوي التنفيذ؟
والأرجح هو الرأي الأخير.. تشهد بذلك باقي الحكاية.. أو الحكايات..
لكن الخيوط تتشابك بعنف وتتصل ولا سبيل إلى الحل إلا الموت!! ولكن كيف؟
يطلب (هانز ابلر) العميل الألماني من صديقته (حكمت فهمي) أن تعرف من صديقها أيضا مارشال الجو البريطاني (تايدر) قائد سلاح الجو في مصر اسم القائد البريطاني الذي سيقود معركة العلمين أمام جيش روميل..
وأيضا يطلب (ابلر) معرفة ما إذا كان الجيش المصري سيشترك مع بريطانيا في الحرب ضد روميل؟
وثالثا: هل ستكون القاهرة مدينة محايدة ومفتوحة وبعيدة عن القتال؟
حسابات سياسة عسكرية يحتاجها الالمان قبل دخول مصر..
وتبدأ (حكمت فهمي) التنفيذ وكلها قناعة أن خدمة الألمان ستؤدي بكل تأكيد إلى هزيمة الإنجليز ثم طردهم من مصر.. وفي هذا خدمة بلادها، فماذا فعلت؟
من غرفة نوم المارشال (تايدر)، في فندق الكونتنتال مقر اقامته في مصر تسرق (حكمت فهمي) حقيبة تايدر لتسلمها إلى هانز ابلر.
فضيحة ولابد من الحصول على اعتراف (حكمت فهمي) بجريمتها وعيون المخابرات البريطانية تعرف علاقتها بتايدر الذي كان يهيم عشقا بجمال حكمت وسحرها، فيصدر رجل المخابرات البريطانية الميجور (سمپسون) أمرا بالقبض على حكمت فهمي للاعتراف لكنها تصر على الانكار والنفي فلا تخاف ولا تهتز..
لكن المارشال (تايدر) يصر على انتزاع الاعتراف من حكمت ولو عن طريق أعز صديقاتها (أسمهان)..
ولكن كيف يا (تايدر)، وحكومة حسين سري باشا، بأوامر من الملكة الأم (نازلي)، قد أصدرت القرار بطرد (أسمهان) من مصر تنفيذا لرغبة الملكة (نازلي) التي تكره (أسمهان) لما تعرفه عن علاقتها بزوجها (أحمد حسنين باشا) رئيس الديوان الملكي لابنها الملك فاروق؟!..