(أحمد مظهر).. الدنجوان الجنتلمان المهذب مهما صادفه من رياح عاتية (2/2)
بقلم الباحث والناقد السينمائي: محمود قاسم
مازالنا مع رحلة فارس ودنجوان السينما المصرية (أحمد مظهر)، الذي أمتعنا بالعديد من الأفلام السينمائية التى جسد فيها دور (الدنجوان) أو العاشق المحب للحب وللنساء.
ففي عام 1968 لعب (أحمد مظهر) دور الشخص الوقور (شريف لطفي) المخرج السينمائي في فيلم (أيام الحب) الذي يجد نفسه في مأزق بعد أن تمردت عليه نجمة أفلامه وتركته في حالة تحدي يهدد مستقبله.
وهذا التحدي يجعل (شريف لطفي) يقوم باكتشاف (قشطة) بائعة المياه الغازية البسيطة، ويجعل منها النجمة السينمائية (نادية) في فيمله الجديد أي أن ينتقل بين حالتين من النساء تحدي في عمله وعواطفه، وهذا يجعله يتغلب علي الأمر مع الوقت.
وفي نفس العام يقدم (أحمد مظهر) فيلم (نادية) مع المخرج (أحمد بدر خان)، وفي هذا الفيلم هو الجراح الماهر الذي يبدو ملتزما في مهنته، ويتلقي الرسائل العاطفية من فتاة تحبه دون أن يعرفها بعد أن أجري لها جراحة تجميل في رقبتها، وسافرت إلي باريس مع أهلها.
ومن رسائلها العاطفية يقرر الذهاب إليها بعد أن يعلم أنها تعيش مع أختها التؤام وأمها، وليس في حياة الجراح الناجح كما يصف لنا النص أي منغصات أسرية أو حياتيه، لهذا يسافر إليها باريس وينجح في علاج حبيبته مرتين، الأولي من حريق الرقبة، والثانية من لوعة القلب.
عاد (أحمد مظهر) بعد ثماني سنوات وبالتحديد عام 1975 إلي شخصية الطبيب الناضج، وأيضا الجراح الناجح في فيلم (على ورق سوليفان)، إخراج حسين كمال، فهو الطبيب صاحب المكانة البارزة في مهنته المتزوج من امرأة تستهين به!
ولا تعرف قدره ومقامه، فتقع في قصة عابرة مع شاب لاهي وتنتبه إلي نفسها لتذهب لزيارة زوجها في المستشفي، حيث عمله وتكتشف مدى المهابة التي يتمتع بها في عمله.
وتتراجع عن كافة نزاوتها وتخرج معه متأبطة ذراعه بكل فخر، فهذا هو الدنجوان الخاص بها، والزوج الناجح.
قطز والناصر صلاح الدين
بالطبع كان (أحمد مظهر) في الشخصيات التاريخية أقرب أيضا إلى الدنجوان في قصص الحب التي تعيشها الشخصية التى يجسدها، مثل شخصية (قطز) الذي يحب (دلمار) منذ الطفولة في فيلم (وإسلاماه).
وقطز دنجوان في سلوكه مع مولاه، ومع أستاذة الشيخ، ومع صديقة (بيبرس)، وأيضا مع مسئوليته كمملوك يتحول إلى الحاكم الأكبر الذي يقود جيش بلاده ضد المغول وينتصر عليهم.
كما أن أحمد مظهر لم تكن في حياته أنثى وهو يجسد شخصية (الناصر صلاح الدين)، حيث رأيناه دنجوان محارب سواء مع جنوده أو فريقه السياسي، أو حتي خصومه وأعداءه مثل موقفه مع (ريتشاد قلب الأسد) الذي يذهب إليه حتي يطببه.
أحمد مظهر.. الجنتلمان المهذب
في الأفلام العصرية كانت هناك أسماء أضافية إلي الدنجوان منها الجنتلمان، المهذب، ويبدو هذا واضحا مع (أحمد مظهر) في دور الطبيب في فيلم (ليلة الزفاف) إخراج بركات 1966.
فهو يوافق علي الزواج من فتاة عابثة، هى ابنة إحدي مريضاته، وفي ليلة الزفاف تبلغه العروس أن قلبها يملكه شاب آخر، وأنها تزوجته فقط لأرضاء أمها.
وبكل لطف تقبل الصدمة، ويظل فترة من الزمن يتعامل معها بكل رقة وأدب، ومع مرور الوقت فإن العروس تقع في حب هذا الدنجوان، وتعترف له أنه اختيارها الأنسب.
الشخصيات التي جسدها (أحمد مظهر) كدنجوان كثيره، ولا أعتقد أنه قام قط بدور الشاب الأرعن، ربما لأنه جاء إلي السينما وهو قد اقترب من الأربعين.
وكانت بطلاته مثل (شادية، وسعاد حسني، ونادية لطفي) أصغر منه سنا، حتي وأن قام بدور سائق القطار الجلف قليل الخبرة والتجربة في فيلم (لوعة الحب).
فهو في هذا الفيلم ليس شريرا ولا كريها، لكنه غليظ دون أن يكتشف نعومة زوجته التي كلما مسها بأظفاره، فيتحول إلى العاشق الأمثل، ويتمكن دون أن يدري من طرد تجربة حب عابرة في حياة امرأته أثناء غيابه عن المدينة.
وفي فيلم (غدا يوم آخر) يقوم (أحمد مظهر) بدور العاشق الذي يشعر بالسعادة لغياب زوج حبيبته في الحرب، ويحاول أن يفرض عليه عواطفه، وتظل هذه المرأة في حالة أرق إلي أن يفاجيء الجميع بعودة الزوج من الحرب، ويتواري العاشق جابناً، ويتحمل عذاباته لنفسه.
الضابط أحمد مظهر
كما أن (أحمد مظهر) قد قام بدور الضباط في أفلام قليلة وهى مهنته الأساسية، ومنها فيلم (صراع الجبابرة)، فهو الفدائي الذي يشارك في إحدي العمليات السرية، ويتم القبض عليه من قبل العدو الصهيوني، وتحاول إحدي المصريات المهاجرات مساعدته تارة أو تجنيده، لكن الحب يطهر قلبها وتساعده علي الهروب.
كما أن (أحمد مظهر) قام بدور ضابط كبير في الداخلية في المشاهد الأخيرة من فيلم (كلمة شرف)، إخراج حسام الدين مصطفي، الذي يقوم قائده الأعلي بالتفتيش علي السجن.
وخاصة علي سجين بعينه، هذا السجين قام قائد السجن بإخراجه خلسه لحضور جنازة زوجته التي ماتت فجأة، وقد عرض هذا الضابط الكبير المهذب نفسه للمخاطر ومسئوليتة لهذا الأمر، لكن السجين كان موجودا لحظة فتح الباب ودخول التفتيش إلى الزنازنة.
عاشق تجاوز الأربعين
هكذا تنوعت صور الدنجوان (أحمد مظهر) من فيلم إلى آخر، فهو عاشق تجاوز الأربعين يحمل المسئولية، مثل دوره كقائد المعسكر في فيلم (معسكر البنات) الذي يؤمن بالتحرر المناسب، ويقع أيضا في غرام المسئولة عن معسكر البنات.
ولعل أشهرأداور هذا الدنجوان قد قام بها وقد كسا الشعر الأبيض الكثير من رأسه في فيلم (رحلة العمر)، إخراج سعد عرفه، فهو الزوج العجوز المتزوج من امرأة تهالكت مع الزمن.
وينزل في فندق معزول بالساحل الشمالي، ويجد نفسه قد أصبح شريك الفراش لفتاة صغيرة ملتهبة العواطف شبقه الجسد، عاشت معه في جنة خاصة به لعدة أيام قبل أن تهجره إلي حبيبها.
وقد عاش هنا كدنجوان حتى آخر لحظات قدراته مع هذه الفتاة التي أيقظت فيه كافة الحواس، وهو دور لم يلعبه (أحمد مظهر) في سن مبكرة بما يعني أن النزق قد يأتي لهؤلاء دون انتظار.