بقلم الكاتبة الصحفية: أميرة أنور عبد ربه
ليس غريبا أن يحقق الفيلم الهندي (حياة الماعز) كل هذا الجدل المثار حوله فقصة الفيلم وأحداثة مؤلمة، خاصة إذا علمت أنها قصة واقعية حدثت بمهاجر هندي وأنها رواية للكاتب الهندي (بنجامين).
وقد تم نشرها في عام 2008، ولكن يشاء القدرأن تحقق نجاحا كبيرا بعد تحويلها لفيلم سينمائي من قبل المخرج الهندي (بلايسي)، وهو أيضا منتج وكاتب الفيلم، حيث بدأ تصويره الفعلي في عام 2018 إلى عام 2023 .
وقد تم تصوير احداثه في صحراء الأردن والجزائر وبعض الأماكن في ولايه (كيرالا) بالهند وهى موطن (نجيب محمد) بطل (حياة الماعز).
لقد تم عرض فيلم (حياة الماعز) في شهر مارس، ولكن لم يحقق تلك الضجة الكبيرة المثارة حوله إلا بعد ترجمته للغة العربية وعرضه في شهر أغسطس الجاري، على قناة (نتفليكس).
ولكن السؤال الذي يطرح نفسه: ما السبب وراء كل هذه الضجة التي انتشرت على (السوشيال ميديا)، وجعلت البعض ينتقد مشاركة الفنان العماني (طالب البلوشي) والذي قدم دور الكفيل السعودي بالفيلم؟!
نعود إلى فيلم (حياة الماعز)، والتي تدور أحداثه حول (نجيب محمد) المواطن الهندي من ولايه (كيرلا)، والذي يقرر السفر الي السعودية من أجل فرصة وحياة أفصل لزوجته التي تنتظر طفلا، ويقوم برهن منزله من أجل هذا الحلم الذي لم يعلم انه سيكون بمثابة كابوس له !
يسافر (نجيب) والذي يلعب دوره الممثل والمنتج الهندي (بريثفيراج سوكو ماران) وقد شارك في اكثر من 100 فيلم مع صديقه حكيم ويلعب دوره الممثل الهندي (كاي آر غوكول) ، إلي السعودية للعمل في إحدى الشركات كما تم وعدهم.
ولكنه يفاجئ نفسه مع كفيل سعودي لايفهم كل منهما الآخر بسبب اللغة، ويصطدم بسفره الي الصحراء ليجد نفسه مجبرا علي أن يكون راعيا للماعز!
تعامل بشكل غير إنساني
المشكلة لا تمكن في ذلك، ولكن المؤلم والذي أوجع الكثيرين، وجعلهم ينظرون بعين الشفقة والحزن على حالته هى الطريقة والمعاملة التي عاني منها (نجيب) من قبل الكفيل السعودي من مهانة وذل وضرب وقسوة وتعامل بشكل غير إنساني وغير أدمي لا يقبله عقل أو يتقبله منطق !
واقع يجعل الكثيرون يفكرون مئات المرات بعد مشاهدة هذا الفيلم من قرار الهجرة لبلاد أخرى، وأن البقاء في وطنهم أفضل وأكرم كثيرا حتى وإن كانوا يعانون من الجوع والفقر فهو أهون كثيرا لهم!.
رحلة (نجيب) في (حياة الماعز) رحلة مليئة بالوجع والحزن والقهر والذل والمهانة تعايشنا معاها بكل حواسنا ومشاعرنا، خاصة بعد هذا الكم من الصدق وعمق أداء بطل الفيلم الممثل الهندي العالمي (بريثفيراج سوكوماران).
وهو فعلا عالمي لأنه قدم أداء يستحق عليه جائزة الأوسكار ممثل عينيه وتفاصيل وتعبيرات وجهه ينقلون كل المشاعر والكلام دون الحاجة للتفوه، بأي كلمه، عبقرية في الأداء لا مثيل لها.
خاصة أن أحداث فيلم (حياة الماعز) لا تتضمن إلا جمل حوارية قليلة لا تتجاوز الـ 20%، لذلك كان تحديا كبيرا لبطل الفيلم أن ينقل بإحاسيه وتعبيرات وجهه تلك المعاناه كما أكد (بيلاسي) مخر ج العمل.
والذي استطاع أن ينقل لنا ويأخذنا معه إلى عالم البدو، والصحراء، وما يحدث مع المهاجرين من الهنود وغيرهم من مختلف الجنسيات من قبل الكفيل.
ولكنه رغم إبداعه في العديد من المشاهد المعبرة عن معاناة البطل ورفضه لواقعه المؤلم، وقع في التطويل الزائد غير المبرر أثناء رحلة هروبه في الصحراء، وهو ما جعل المشاهد يشعر بالملل في بعض أحداثه .
ومن مشاهد (الماستر سين) المبدعة هو مشهد رؤيته لشكله في أحدي مرايات السيارة التي تأتي لتوصيل المياه لهم وشعوره بكل حزن وقهر على مظهره من اطالة ذقن لحيته.
وهو ما جعله يقوم بحلقها بزجاج المرآة في مشهد يبكي العيون، وأيضا ما عاناه في احد المشاهد عندما اشتد عليه جو الصحراء البارد فقرر الذهاب إلى خيمة الكفيل، ليفاجأ بضرب وإهانه جراء فعله ذلك.
الجرح الذي أصاب قدميه
ناهيك عن مشاهد هروبه خاصة بعد الجرح الذي أصاب قدميه وجعله غير قادرا علي السير، والكثيروالعديد من المشاهد القاسية التي تعتبر (ماستر سين) للبطل في الفيلم، وهناك أكثر من مشهد رائع يجمعه مع الماعز التي أصبح يتعايش معها أكثر من أي إنسان!
وهناك أيضا المشهد الذي فوجئ به بطل الفيلم من نحافة وزنه عندما قرر ارتداء ملابسه التي كان يحتفظ بها عندما يقرر الرجوع لبلاده، وكيف وجد أنه فقد وزنا كبيرا خلال تلك الفترة التي عاشها في الصحراء.
ويكفي أن نعلم أن بطل العمل أفقد وزنه من من 98 كيلو إلى 67 كيلو حتي يتماشي مع الحالة التي وصل اليها في الفيلم، وهو أمر مقصود من قبل المخرج .
ولكن رغم ذلك فقد أسقط المخرج نفسه في الإطالة والتطويل المبالغ فيه أثناء رحلة هروب (نجيب) مع صديقيه (حكيم و(إبراهيم قادري)، والأخير الذي أراه الحارس الملاك لرحلة الهروب، الذي يقف مساندا وداعما لهم من أجل الهروب والوصول إلى الطريق.
وهو ما جعله يختفي في أحد المشاهد دون تفسير كيف وأين اختفي فجأة!، فقد كان من الممكن اختصار تلك المشاهد الطويلة، حتي يبعد عن شعور المشاهد ببعض من الملل في أحداثه.
وقد أراد مخرج العمل في نهاية الفيلم أيضا أن يبرز أن ليس كل المجتمع السعودي بهذا الشكل والسلوك الذي ظهر عليه الكفيل، فتلك حالات استثنائية لا ينبغي تعميمها.
والدليل المشهد الأخير الذي وصل فيه (نجيب) للطريق فمن ساعده، ووقف معاه لكي يصل هو سعودي أيضا.
ومن هنا فلابد النظر لفيلم (حياة الماعز) على أنه حالة خاصة تعرض لها البطل، ويمكن أن تحدث له في اي مكان بالعالم وليست في السعودية فقط، وتلك هى متعة السينما أن تكون مرآة لجميع الأحداث والمشاكل في بلادها.
ولكن رغم ذلك يظل فيلم (حياة الماعز) العمل حالة إنسانية فريدة تعاطف معها العالم كله، وأتمني مشاركته في مهرجانات عالمية، لأنه جدير بذلك ويستحق الحصول على جوائز عالمية ومنافسه أفلام أمريكيه بشكل كبير .
فالفيلم رسالة للإنسانية جمعاء، ويحث على ضرورة التعامل مع البشر بشكل آدمي وغيرعنصري فهل هذا مستحيل؟!