بقلم الكاتب الصحفي: بهاء الدين يوسف
مرة جديدة ولا أظنها ستكون الأخيرة ورط المطرب (أحمد سعد) نفسه في موقف غريب مع جمهوره في مصر خصوصا والوطن العربي بشكل عام حين أطلق تصريحا لا داعي له خلال حفل أحياه مؤخرا ضمن مهرجان العلمين قال فيه: (أنه يحب الأغنياء قوي ويشعر أنهم أذكياء).
صدمني فيديو (أحمد سعد)، حين صادفته على مواقع التواصل الاجتماعي، واعتقدت للحظات أنه مفبرك، أو هو نتاج من النتاجات السيئة للذكاء الاصطناعي الذي لم يترك شيئا في الحياة الطبيعية إلا وأفسده بالرتوش التي وفرها لهواة تزوير الحقائق.
بحثت في أكثر من مكان عما إذا كان ما شاهدته حقيقي وشيء في داخلي كان يتمنى أن يكون الفيديو مفبرك، صحيح أن (أحمد سعد) له سقطات عديدة في الفترة الأخيرة لكن هذا التصريح يستحق أن يكون الأسوأ أو لنقل الأغبي من بين كل سقطاته السابقة.
إذا كان كلامه مجاملة لرواد الحفل الأثرياء غالبا بحكم أنهم من مصيفي العلمين وباقي كمبوندات ما يعرف بالساحل الشرير، فهى مجاملة رخيصة وغير موفقة تعكس محدودية بالغة في ذكائه هو نفسه.
أما إذا كان (أحمد سعد) يقصد ما قاله فهو يعبر عن جهل شديد أو شعور عميق بالدونية أمام الأغنياء.
من أدخل في عقل (أحمد سعد) أن الأغنياء هم أشخاص أذكياء؟!.. اتخيل أن المطرب الشعبي ليس لديه ولع بالقراءة أو التعلم، وهو ما يتضح بشكل جلي في تصرفاته وكلامه.
ربما هذا ما يدفعني لنصحه بقراءة الدراسة التي أعدها فريق من الباحثين من جامعة (لينك أوشبينج) في السويد، والمعهد الجامعي الأوروبي في إيطاليا، وجامعة أمستردام في هولندا، والتي خلصت إلى نتيجة يحتاج (أحمد سعد) إلى ترديدها أمام المرآة 10 مرات يوميا حتى يحفظها.
شعور المطرب بالدونية
الدراسة أكدت أن الشخص الأعلى دخلا لا يعني بالضرورة أنه أكثر ذكاء من الشخص العادي أو ذي الدخل المحدود، وإنما على العكس تبين أن الأشخاص الذين يحصلون على أجور سنوية أعلى يحصلون على درجات أقل في اختبارات القدرة المعرفية مقارنة بالأشخاص الذين معدل أجورهم أقل.
هل هذا التصريح الغريب يمكن رده إلى شعور المطرب بالدونية أمام الأغنياء، وهو الذي قال في لقاء تليفزيوني نشر موقع (العربية) فقرات منه في شهر يونيو الماضي: أنه كان الطفل السابع بين تسعة أولاد نشأوا في أسرة فقيرة في حي عين شمس الشعبي، وأنه كان مسؤولا عن جلب طلبات الأسرة، وأن النشأة وسط هذا العدد دفعه لفعل كل ما يلزم من أجل الظهور!
تقول دراسة نفسية متخصصة نشرها موقع (غصن) حول الخصائص النفسية والاجتماعية للفقير: أن من أكثر الأعراض انتشارا بين الأطفال الفقراء هى الشعور بالدونية والنقص، خصوصا إذا كان رفاقه في المدرسة أو السكن تتوفر لهم ظروف معيشية أفضل، وهو تفسير ربما يوضح أقدام (أحمد سعد) على إطلاق تصريحه الغريب.
لكنني لا أظن أن التفسير ينطبق على (أحمد سعد) أوعلى الأقل يخصه وحده، وليس أمرا منتشرا بين الفقراء أو سكان المناطق الشعبية في مصر ممن يكافحون الحياة لتوفير أفضل حياة ممكنة لأولادهم.
كذلك فإن نفس الأسرة البسيطة التي أطلقت علينا المطرب بتصريحاته وسقطاته غير المقبولة، هى نفسها التي أنجبت شقيقين معروفين لنا هما (عمرو سعد) الممثل الذي لم نسمع منه تصريحات صادمة مثل التي يطلقها شقيقه، والأهم منه هو الشقيق الأكبر (سامح سعد) العالم الوقور الذي لم تلعب شهرة وثراء شقيقيه بعقله أو تسقطه في شرك العقد النفسية.
كنت أعتقد أو أتمنى بعد سلسلة التصريحات الغريبة والتصرفات الصادمة للمطرب المحبوب، أن يستعين بمستشار صحفي ينصحه بما يجب وما لا يجب قوله تجنبا لتدهور شعبيته في أوساط محبيه من (الأغبياء) بحكم انتمائهم للطبقتين المتوسطة والفقيرة بحسب تصنيف (أحمد سعد).
الحرمان والفقر في طفولته
كما كنت أتمنى أن يعبر المطرب المحبوب عن امتنانه للقدر الذي نقله من براثن الحرمان والفقر في طفولته إلى مرافئ الشهرة والثروة في شبابه، بدلا من تملق الاغنياء الذين لن يعتبروه بالمناسبة واحدا منهم أبدا لانه يصنف في العرف الاجتماعي ضمن طبقة (النوفو ريتش).
تلك التي تعني ترجمتها (الأثرياء الجدد)، وهو تعبير يطلق على من يكونون ثروات بطرق مجهولة دون أن يكونوا من المنتمين للطبقة المخملية الثرية في المجتمع.
هناك مثل شعبي لطيف يقول: (سكتنا له دخل بحماره)، وهو يتحدث عن استمراء أي شخص في (البجاحة) طالما أنه لا يجد من يسكته، وأرى أن المثل يصف الحالة التي وصل إليها المطرب الشعبي.
فبعد الصمت على نشره فيديو لنفسه وهو يغني في الحمام شبه عار، ثم تقبل ارتدائه بدلة بأكمام من الساتان الذي نشأنا ونحن نراه يزين أكمام فساتين السيدات، يبدو أن الدور جاء الآن على ملايين المصريين الذي يستمعون لأغانيه حبا أو اضطرارا لكي يتقبلوا إهانته لهم وتحقيره لعقولهم في صمت.