* حسين رياض اختبرني على خشبة المسرح، وأعطاني شهادة لا تنسى
* أنا من الممثلين الذين صنعهم الجمهور، وجيل النقاد الحقيقين الذين نفتقدهم الآن
* (الدخان) قدمتني للوسط الفني، و(كمال الطبال قدمني لجمهور مصر والعالم العربي
* كان (أدهم الشرقاوي) حلما من أحلام حياتي، وكنت أريد أن أحققه كشخص، وعندما جاء سعدت جدا بهذه الفرصة
* في السينما أعتز بـ (الحرام، ثمن الحرية، السمان والخريف، حكاية من بلدنا)
* من حسن حظي أن كل الشخصيات التى حلمت بها مثلتها
* أعتبر أن أهم دور قدمته في حياتي هو شخصية: الحسين سيد الشهداء، وسيد شباب أهل الجنة في مسرحية (الحسين ثائرا) ولكن!
بقلم الإعلامية الكبيرة: أمينة صبري
مازالنا مع الإعلامية الكبيرة (أمينة) صبري صاحبة البرنامج الشهير (حديث الذكريات) وحوارها الممتع مع فارس المسرح المصري (عبد الله غيث).
في الحلقات الماضية تحدث (عبد الله غيث) عن حبه للفن منذ الطفولة المبكرة، وصحح معلومة متدوالة خاطئة وهى أنه يشاع عنه أنه أتي للقاهرة شابا، وهذا غير صحيح!، فهو جاء للقاهرة وهوطفل بعد رحيل والده.
وأشار إلى أن قريته (شلشلمون) لها أهمية تاريخية، فيقال إنها كانت عاصمة لمصر وقت حكم سيدنا يوسف عليه السلام
وأكد أنه نشأ في جو ديني، وهذا كان له أثر عليه كفنان حيث إنه أحب وأجاد إلى حد ما تجسيد الشخصية الدينية والإسلامية، وعشق الشخصية الإسلامية منذ الصغر من خلال الحياة المليئة بعبق الدين الذي عاشه، وهو يحب تمثيل هذه الأدوار لأنها تسري في دمه منذ الصغر.
وصرح أن عمه (عبد الله) الذي سمى على اسمه لو قدر له أن يكون ممثلا كان من الممكن أن يكون أحسن ممثل في العالم.
واعتبر (عبد الله غيث) أن أعظم مدرسة تخرجت منها هى مدرسة القرية هذه المدرسة، هى التى تعلم منها التمثيل وعشق فيها شخصية (أدهم الشرقاوي)، وتصور نفسه مكانة لدرجة أنه أطلق على ابنه باسمه.
وأكد أن أول عمل فني شهده في حياته هو (مصرع كليوباترا)، وبهر انبهارا لا حد له بالفنان حسين رياض.
وأشار إلى أنه عاش ست سنوات فى القرية يزرع الأرض، ويعيش حياة الفروسية الحقيقية، وكانت أسطورة (أدهم الشرقاوي) دائما في ذهنه.
وقال أن القرية لها الفضل الكبير في إجادته لتمثيل شخصية الفلاح أو الإنسان المصري بكل هذا الصدق والواقعية، وأعلن بأنه أحد اثنين صححوا مفهوم شخصية الفلاح المصري في الأعمال الدرامية، الأول هو الأستاذ (شفيق نور الدين) ثم هو.
وصرح (عبد الله غيث) أن أول فيلم شاهده وهو طفل صغير فيلم (بنات الريف) ليوسف وهبي، وليلى مراد، وظل يزاحم الجموع إلى أن وصل لـ (يوسف بك) وأمسك بيده، وتعلق بها لعدة دقائق، وكأنه لا يريد أن يتركها أبدا.
وأوضح أنه عاش حياة مليئة بالشقاوة والمغامرات، وانزلق إلى انزلاقات عديدة، فأقترح عليه شقيقه حمدي غيث أن يلتحق بمعهد التمثيل.
وأشار إلى أنه بدأ مشواره الفني وهو في العشرينات، ولو كان مارس التمثيل، وهو صغير كان انطبع بمدرسة تمثيليه معينة، وكان وهو داخل من باب (مسرح الأزبكية) كان يسمع دقات قلبه عالية من شدة الرهبة.
وأكد أن أول مرة يقف فيها على خشبة المسرح، كان عام 1956 أثناء العدوان الثلاثي على مصر، وأول مسرحية شارك فيها كانت (كفاح الشعب)، عن كفاح الشعب المصري أثناء الحملة الفرنسية ضد القائد الفرنسي (كليبر)، والمسرحية الثانية هى مسرحية (دنشواي الحمراء).
والآن تعالى بنا عزيزي القارئ نقرأ الحلقة الأخيرة من مشوار (عبد الله غيث) الإنساني والفني، فإلى نص (حديث الذكريات).
* متى كانت بداية الإنطلاقة الحقيقية لعبد الله غيث الذي ملأ خشبة المسرح القومي، وشاشات السينما والتليفزيون بفنه المبدع المتميز؟
** (عبد الله غيث): أنا أزعم لنفسي أنني ولدت على خشبة المسرح القومي، ليس خشبة المسرح القومي في حي الزبكية، ولكن خشبة المسرح القومي النضالي.
وقد يكون هذا الذي جعلني فنانا ملتزما أمام نفسي، وأمام الجماهير، بدأت اتقلب واتنقل بين الأدوار المختلفة، وقتها كانت هناك تقاليد عظيمة في المسرح القومي كان من الممكن أن أقوم بدور بطولة بجانب عملاق كـ (حسين رياض) يقوم بدور صغير أو قصير.
وأنا أتذكر أن أول شهادة أعتز بها في حياتي كانت من (حسين رياض) والأخرى من يوسف وهبي.
فشهادة (حسين رياض) عندما كنت أمثل معه مسرحية كوميدية، أنا أمثل دور الساعي له، وهو (البك الكبير) صاحب الشركة، كنت أمثل دورا صغيرا تافها، فرأى في مشروع فنان فأراد أن يختبرني على خشبة المسرح، بدأ يخرج معي في الحوار، يخرج عن النص قليلا، وهى كانت رواية (فارس كوميدية) تسمح بذلك.
المهم بدأ يخرج معي عن النص فوجئ بأنني تجاوبت معه، وأتلقى إعجاب من الجمهور، فترك لي المجال حتى أصبح دوري من مجرد تقديم القهوة والشاي إلى أن أصبح دورا هاما وبارزا في المسرحية، وعلامة كوميدية بارزة في المسرحية.
وقال لي: (يا واد أنت ستكون ولدا جيدا جدا، يوجد لك زملاء حاولت أن أخرج عن النص معهم فأصابهم الارتباك، أما أنت فلك شخصية مميزة، وحضور وسرعة بديهة، أنت ممثل ذكي، وستكون ممثلا له قيمة).
المهم ظللت اتقلب ما بين المسرح مثل مسرحية (سقوط فرعون، ثورة الموتى، تحت الرماد) وغيرها، وفي هذه المسرحيات كتب عني فيها النقاد، فأنا أزعم أنني من الممثلين الذين صنعهم الجمهور، وجيل النقاد الحقيقين الذين نفتقدهم الآن مثل: (الدكتور محمد مندور، وعلي الراعي، والقصاص، ورشدي صالح).
* أستاذ عبد الله متى جاءت لك الشهرة الجماهيرية؟
** (عبد الله غيث): المسرح كما تعلمين جمهوره محدود، ففي اليوم يدخل حوالي خمسمائة فرد، فكم فرد يراه الممثل في الشهر، أنني قمت بأعمال مسرحية عديدة اشتهرت من خلالها على المستوى الفني، والوسط الفني، وفي الوسط الثقافي، ولدى النقاد فقط!
إلى أن أتت أول بطولة في مسرحية (مأساة جميلة) في مسرح (الجيب)، أما أول بطولة مطلقة فكانت مسرحية (الدخان) وهي أول مسرحية يؤلفها الكاتب الكبير (ميخائيل رومان)، ويخرجها كمال ياسين.
وكان دوري في المسرحية صعبا ومعقدا جدا، كان عبارة عن قنبلة مدوية لي في الوسط الفني ولفتت الأنظار لي بشكل غريب، وهو من أحسن الأدوار التى أعتز بها إلى الآن.
* ولكن أنا أتذكر أنه على المستوى الجماهيري العريض أدهشت الناس وجمهورك بدورك البديع في المسلسل التليفزيوني (هارب من الأيام)، عندما قدمت دور (كمال الطبال) الإنسان الأبله، أو الذي كان الجميع يعتبرونه أبلها؟
** (عبد الله غيث): كان هذا عام 1962، وكان هذا العمل قد قدم في الإذاعة قبل التليفزيون، وكان بطولة الأستاذ فريد شوقي، وأنا كنت أمثل معه في دور من أدوار هذا العمل، ونظرا لنجاح العمل في الإذاعة، قرر المخرج (نور الدمرداش) أن يقدمه في التليفزيون كمسلسل.
وأراد أن يأتي بنجم كبير له اسم مرموق، وأسند هذا الدور لـ (فريد شوقي) وأسند لي دور من الأدوار الثانوية الصغيرة، واشتغلنا ثلاث أو أربع بروفات.
وكان العمل التليفزيوني في ذلك الوقت قاسي جدا، ويأخذ وقتا طويلا، بجانب أن العائد المادي لم يكن مجزيا فاعتذر (فريد شوقي) عن القيام بهذا العمل، فلم يتوان (نور الدمرداش) في أن يسند إليّ هذا الدور الهام والصعب والمعقد.
وكان (نور الدمرداش) يتابعني في أدواري المسرحية، وشاهدني في مسرحية (الدخان) فعرض علي الدور قائلا إنه يعطيني فرصة عمري، ولقد تلقفت هذه الفرصة واعتبرتها معركة حياة أو موت، أكون أو لا أكون!، أعتبرتها معركة مصير، واعتكفت عليها تماما.
وكانت النتيجة كما هو معروف، فأصبحت نجما مشهورا جدا على مستوى العالم العربي كله، خاصة أن (هارب من الأيام) أذيعت من المحيط إلى الخليج، وكما نقول نحن في الوسط الفني (كسر الدنيا)، لدرجة أنك كنت ترين الشوارع خالية أثناء عرض هذا المسلسل.
وكانت كثير من الأعمال تؤجل أو تؤخذ بعد أوقبل عرض هذا المسلسل، وهذا حدث في مصر والعالم العربي كله، وأصبحت أمامي مسئولية كبرى.
وطبعا نظرا لهذا النجاح والدوى الفني الذي حدث في الوسط انتهز المنتجون هذا النجاح وتلقفوا هذا النجم الصاعد، خاصة أنني كان أجري قليلا في ذلك الوقت.
وأرسل لي المنتج (رمسيس نجيب) سيناريو وحوار فيلم (أدهم الشرقاوي) كي أقوم ببطولته وقد كان، وتوالت الأدوار والأعمال.
* أعتقد أن دور (أدهم الشرقاوي) كان حلما آخر لك، لأنك كنت مفتونا بهذه الشخصية منذ صغرك حتى أنك أسميت ابنك الثاني بإسم هذه الشخصية؟
** (عبد الله غيث): نعم كان (أدهم الشرقاوي) حلما، فهو كان أحد أحلام حياتي، وكنت أريد أن أحققه كشخص، وعندما جاء سعدت جدا بهذه الفرصة، وانطلقت بها، وبعده قدمت عدة أدوار أعتز بها في السينما مثل (الحرام، ثمن الحرية، السمان والخريف، حكاية من بلدنا)، وهكذا تنوعت وتعددت الأدوار من سينما إلى مسرح إلى تليفزيون إلى إذاعة.
* خشبة المسرح العربي شهدت الكثير من أعمالك المميزة، فماذا تذكر منها؟
** (عبد الله غيث): المسرحيات كثيرة، وأنا أتذكر الآن مسرحيات (الدخان، الفتى مهران، ثأر الله، الحسين ثائرا، إيزيس، ماكبث، الزير سالم، أبوزيد الهلالي، أبوذر الغفاري، قولوا لعين الشمس، الوزير العاشق).
وأنا من حسن حظي أن كل الشخصيات التى حلمت بها مثلتها أو فلنقل أغلبها، فالجو الإسلامي الذي عشته صغيرا، والجو الأسطوري الريفي الذي عشته أيضا استطعت أن أجسد العديد من هذه الشخصيات مسرحيا أو تليفزيونيا أو سينمائيا، والكثير من هذه الشخصيات عشت معها وحلمت بها من قبل لهذا سعدت بتجسيدهم فنيا.
وأعتبر أن أهم دور قدمته في حياتي هو: شخصية الحسين سيد شهداء، وسيد شباب أهل الجنة في مسرحية (الحسين ثائرا) ولكن للأسف لم تتح لنا الفرصة في أن نعرض هذا العرض عرضا جماهيريا كبيرا، وأرجو أن أختتم حياتي بتقديم هذا الدور.
ولقد قمت بتجسيد شخصيات كثير من أدوار الصحابة، حيث مثلت شخصية سيدنا (عمر بن الخطاب، وخالد بن الوليد، مرورا بموسى بن نصير، والإمام ابن تيمية، وراوي الأنبياء) الذي عبرت فيه عن جميع الرسل والأنبياء في مسلسل (محمد رسول الله).
وأعتبر نفسي محظوظا لأنني نفست عن كل مكنونات نفسي في هذه الشخصيات الإسلامية والتاريخية العظيمة، ومع ذلك أعتقد أنني لم أقل الكلمة الفنية الأخيرة في حياتي الفنية، فتوجد أشياء تجيش في صدري لا أدري ماهي؟ ولا أدري كونها؟
ولقد هزم الموت فارس المسرح النبيل قبل أن يقول كلمته التى كان يحلم بها، وبهذا يكون حواري مع (عبد الله غيث) انتهى، والأسبوع القادم نبدأ حوار جديد مع نجم جديد، ياترى من هو هذا النجم؟ انتظرونا!