بقلم الكاتب الصحفي: محمد شمروخ
مع إن الوقت لم يزل مبكراً إلى حد ما، إلا أنه ريح المدارس في هذه السنة هبت علينا بدرى بدرى، حتى أننى كدت أشم روائح الحبر والكتب والكراربس الجديدة، وفيما يبدو أن الريح هبت أيضاً على إحدى القنوات الفضائية لتعرض مسرحية (مدرسة المشاغبين) تجاوباً مع هذه الرياح المبكرة!
وتابعت جزءًا من مسرحية (مدرسة المشاغبين)، ولكنى لأول مرّة وجدتنى أقاوم الرغبة القديمة في استكمالها، بل وتبدلت قوة الضحك الكامنة، الى ما يشبه الحزن!.
لماذا ؟!.
لأنى لم أتمكن من تجاهل الاعتراف الأكثر كمونا في نفسي بالآثار المدمرة ماضياً وحاضراً ومستقبلاً لهذه المسرحية (مدرسة المشاغبين)، التى اربطت بذكرياتنا من عهد الأبيض والأسود.
وحتى عند الألوان ثم تجاوزته لكل عهود وطرق البث والعرض على كل الشاشات من شاشة التلفزيون (نصر) وحتى شاشة الموبايل!.
فبسبب كثرة عرض مسرحية (مدرسة المشاغبين)، حفظناها كلمة كلمة وحركة حركة، وأظن أنهامن أكثر المسرحيات شهرة في تاريخ المسرح العربي، بسبب ما لاقته من إقبال جماهيري منقطع النظير.
بل إنه قبل انتشار أجهزة الفيديو، كان البعض يسجلونها على شرائط كاسيت للاستماع إليها في أمسياتهم لاستعادة مشاهدها في الذاكرة الموازية للصوت المنطلق من الكاسيت!
ومعروف أن مسرحية (مدرسة المشاغبين) كانت بمثابة قاعدة صواريخ انطلقت منها نجومية أبطالها الذين ملأوا الشاشات الصغيرة والكبيرة، أعمالاً، فضلاً عن خشبات المسارح.
ومع هذا لابد من التأكيد على أن المسرحية التى سجلت نقطة فارقة في تاريخ المسرح الكوميدي، أنها كذلك شكلت نقلة فارقة في تاريخ العملية التعليمية في مصر، ويمكنك ان تقول (نقمة فارقة).
تدمير القواعد التربوية والتعليمية
فقد واجهت المسرحية نقداً لاذعاً بسبب أن كثيرين رأوا أنها – وهم على حق – سبب (بوظان المدارس) فلم يشجع عمل فنى في تاريخ الدراما التمثيلية بكل مجالاتها، على تدمير القواعد التربوية والتعليمية، مثلما حدث في (مدرسة المشاغبين).
فبعد المسرحية، فقد المعلم هيبته وتفرد بلطجية الطلبة الفاشلين بإدارة المشهد الخلفى، وهم يرون في كل ناظر، صورة عبد المعطى، وفي كل معلم، (علام الملوانى) وفي كل معلمة، (عفت عبد الكريم.)
وكل الإفيهات التى رددها أبطال المسرحية كانت تتردد كأذكار الصباح والمساء في أفنية المدارس وفصولها وطرقاتها، مع تعالى الضحك عقب كل مشهد مقلد من المسرحية.
فلم يعد بعد شهرة مسرحية (مدرسة المشاغبين)، هناك خجل من تكرار الرسوب للطلبة، بل مدعاة للفخر، بعدما أطلق بهجت الأباصيرى مقولته الخالدة التى أضحكت الملايين (بعد 14 سنة خدمة في ثانوى بتقولى أقف)!
ولا يمكن إنكار وقائع التحرش بالمدرسات، شفوياً وتحريرياً، بعد أن رأوا الأبطال المشاغبين يمزقون ملابس الأبلة (عفت) ويعرون جزءًا من صدرها وتظهر حمالة صدرها أمام الجماهير!
لا أحدثك عن التدخين العلنى وشرب الخمور السري في الأركان المنزوية في المدارس بعد التزويغ من حصص دروس (العلم الذي لا بكيل بالبتنجان)!
وأنا وأنت وهم، مازلنا نضحك مع كل عرض للمسرحية ونردد حواراتها المحفوظة على ظهر قلب، في نفس الوقت الذي نبكي فيه بأحر الدمع على حال التربية والتعليم في البلاد!
عذراً يا اعزائي أنا لم أسبق أحداً في ذاك ولا كنت أول اللائمين، فقد وجهت سهام النقد لتبعات مسرحية (مدرسة المشاغبين)، بعد عرضها تلفزيونياً وشهرتها العريضة، إثر هذا العرض التفزيوني.
فقبل تصوير المسرحية تلفزيونياً وإذاعتها في منتصف السبعينات تقريباً، كانت المسرحية محدودة الأثر رغم نجاحها على المستوى الجمهور المسرحي، فقد بدأ عرضها الأول على المسرح في يوم 20 أكتوبر سنة 1971.
لكن بعد العرض التلفزيونى، امتد الأثر ليشمل مصر كلها حيث بدأ تفكير رب كل أسرة ولو الاقتطاع من قوت يومه على لتدبير شراء ذلك الجهاز العجيب المدعو تلفزيون والذي بدأ في يوليو 1960.
آثارها الكارثية على الأجيال
وإن لم تكن الأسرة تمتلكه، يذهب أفرادها لمشاهدته عند الأقارب أو الجيران الذين يتوافر لديهم مشاهدة التلفزيون، وكانت تقام شبه حفلات جماعية وتتحول صالات المنازل إلى قاعات عرض للمسلسلات والأفلام والمسرحيات والسهرات أو أى برنامج ذي طابع جماهيرى أو عند إذاعة الأحداث الهامة.
ولذلك كانت إذاعة المسرحية في سهرة تلفزيونية أخد اهم الأسباب لشهرتها وشهرة ممثليها، وضحكنا كثيراً في وقت لم ندرك فيه آثارها الكارثية على الأجيال المقبلة.
وهنا أحيلك إلى مقال للكاتب العظيم (يوسف إدريس) بعنوان: (من أجل افتعال بعض الضحك)، يشد فيه النكير على المسرحية وآثارها المدمرة بعد أن تجاوز الطلاب، في كل المدارس بمراحلها المختلفة وخصوصاً الثانوية، ما شاهدوه في (مدرسة المشاغبين) من تصرفات، حيث جاهر البعض بتدخين الحشيش وتعاطي المخدرات.
ويقول (إدريس) إن كلا من (سمير خفاجي) منتج المسرحية، أو (علي سالم) كاتبها اقتباساً من فيلم بريطاني، قد أقرا له بمفاجأتهما بانفلات الأمر من أيديهما مع خروج أبطال العرض على النص المكتوب.
(وقد سبق أن اعتذر الفنان الكبير عبد المنعم مدبولي عن عدم استكمال دور حضرة الناظر عبد المعطي بالمسرحية، لخروج الممثلين عن النص من أجل انتزاع الصخك من الجمهور السعيد بهذا الخروج).
ومن سوى قلم في شجاعة (يوسف إدريس) ليخرج مكنون صدره معبراً في الوقت ذاته عما تنكرت له صدورنا وأغفلته ضمائرنا من أجل أوقات قليلة من الضحك!
وحتى الآن لم يكشف أحد عن النص الأصلي المكتوب ولا نعرف غير ما شاهدناه في النسخة التلفزيونية من المسرحية، ولكن سبق السيف العزل وكان المفعول المدمر لأجيال كاملة من الطلاب ودفع وزراء تربية وتعليم وكبار تربويين ونظار ومدرسون ومدرسات، ثمن ضحكنا على المسرحية واستمتاعنا بأداء النجوم.
لقد انتهت المسرحية بحوار هزلى ظاهره التربية وباطنه التعمية، عندما طلبت أبلة (عفت) من أحدهم أن يكتب كلمة (الأخلاق) فسألها هازلاً أو هازئاً (بالهمزة؟!)، فكانت إجابتها مش مع الهمزة أو بالقاف، وبالفعل كتبها بالهمزة لأنه (مش مهم)، ومن يومها ونحن نعيش في المش مهم بالهمزة أو بالقاف!