كتب: أحمد السماحي
(مصطفى كامل)، نقيب المهن الموسيقية حريص على البساطة والشياكة في ملبسه وسلوكه، لم يسمح لنفسه بالعزلة، ولم يقم ببناء الحصون والأسوار حول ذاته، بل حرص دائما في حدود النظام الذي رسمه لنفسه على الأندماج مع الحياة والناس.
و(مصطفى كامل) بعيد تماما عن الامتلاء بنفسه أو ما نطلق عليه (الغرور)، ولذلك فذهنه ومشاعره وشخصيته، كلها تملك تلك النوافذ المفتوحة على الهواء والضوء والقدرة الصحيحة على رؤية ما يجري على الساحة الفنية عامة والغنائية خاصة، وأيضا على ما يجري في العالم خارج حدود الذات الضيقة.
اليوم لن أتحدث عن (مصطفى كامل) الملحن والمطرب والشاعر، الذي قدم لنا العديد من الأعمال الغنائية التى لا تنسى، ولكني سأتحدث عنه كنقيب للمهن الموسيقية، أذكر أنه عندما تم اختياره نقيبا لنقابة المهن الموسيقية في 11 أكتوبر عام 2022.
وذلك بعد استقالة صديقي وحبيبي أمير الغناء العربي (هاني شاكر) من رئاسة نقابة المهن الموسيقية المصرية، لم أكن متحمسا له! نظرا لمعرفتي بالصعوبات التى تنتظره.
ولم أكن متفائلا بوجوده في النقابة التى كانت تُغلي بالمشاكل والمؤامرات، وكانت على صفيح ساخن من جراء مؤدين المهرجانات والراب، وكنت أقول ماذا سيفعل (مصطفى كامل) والمشاكل تحيط بالنقابة من كل صوب، وناحية؟!
وكتبت كل مخاوفي والأسئلة التى أريد طرحها في موضوع بعنوان (بعد فوزه بمنصب نقيب المهن الموسيقية.. هل يعيد مصطفى كامل الاعتبار للساحة الغنائية؟!) نشر يوم 13 أكتوبرعام 2022 هنا في بوابة (شهريار النجوم).
وبعد قراءته للموضوع جاءني رد (مصطفى كامل) على (الواتس) : (يا أستاذ سماحي تفاءل خيرا!)، والحقيقة أنني قلت بيني وبين نفسي (عم قول يارب)!
مصطفى كامل وعظمة مصر
وبدأت من بعيد لبعيد أتابع ما يحدث في النقابة، وردود فعل (مصطفى كامل) على ما يحدث فيها، ففوجئت أننا أمام نقيب همه واهتمامه مصلحة الوطن في المقام الأول، وقضايا النقابة التى يرأسها ثانيا.
وأيا كانت درجة اتفاقك، أو اختلافك مع المنهج أو الزواية التى يقترب بها من الوطن، ومن البشر الذين يمثلهم، لا تملك إلا أن تحترمه، وترفع له القبعة عاليا.
حيث كان (مصطفى كامل) كنقيب مفاجأة سارة لأي شخص يحب هذا البلد، لأنه يضم في شخصيته مجموعة من العناصر الهامة التى نادرا ما تجتمع في شخص واحد، أولها معرفته بأهمية بلده العظيم مصر، وموقعها بين الدول العربية.
ويعلم أنها (هوليوود الشرق)، الأم التى يجب أن تحنو (وتطبطب) على كل فنان مصري، وعربي، وطول الوقت كانت كبيرة وعظيمة في كل مواقفها في كل الحالات.
وثانيا إدرك (مصطفى كامل) أن الكرسي الذي يجلس عليه جلس عليه قبله أساطين النغم في مقدمتهم كوكب الشرق (أم كلثوم) أسطورة العصر، وكل عصر.
الجانب الآخر الذي تضمه شخصية (مصطفى كامل) هو مجموعة من الصفات التى احتواها، وهذه الصفات هى: (وطنيته، وإحساس الفنان، واستقامة وعفة القصد والمنهج، وحنو الأب، وقومية الرؤية، وقدرته استشراف المستقبل، وإعلاء قيمة العقل).
هذه الصفات جعلته واثق الخطوة يمشي ملكا، والصفة الأخيرة وهى (إعلاء قيمة العقل والمنطق)، وضحت بقوة في أكثر من أزمة، أخرها منذ يومين في واقعة اتهام الدكتور (مصطفى أيمن) الطبيب بمستشفى عين شمس التخصصى للمطرب (محمد فؤاد) بالتعدى عليه، والسب والقذف.
ذكائه في أزمة محمد فؤاد
تحدث (مصطفى كامل) في برنامج (على مسئوليتي) مع الإعلامي الكبير (أحمد موسى)، وفي مواجهة بينه وبين وكيل نقابة الأطباء (جمال عميرة) بكل حكمة وأدب ومسئولية، وذكاء، وحرفيه، ودافع بقوة عن الأطباء، قبل أن يدافع عن (محمد فؤاد).
وقال: (أطباء مصر هؤلاء هم الجهة الوحيدة التى نقول لهم الحقونا أنا تعبان، وأرجو قبول مبادرتي كنقيب للمهن الموسيقية قبل أن أكون صديق لمحمد فؤاد لرأب هذا الصدع الذي ليس له أي علاقة من الإعراب الآن).
وعندما وجد إصرار من الدكتور (جمال عميرة) على عدم الصلح، وعدم قبوله لمبادرة الصلح، تماسك نفسه، ولم يخطأ ولم (يتنرفز أو يتعصب) بل تمالك نفسه وقال: (عايز أقول لأخويا الكبير سنا ومقاما الدكتور (جمال عميرة) عندما تختار الجمعية العمومية سيادتكم لتولى أمورها.
ولكي تمثلوها قانونيا أمام الغير، وأمام المحاكم، والشخوص الاعتيادية والطبيعية، يكون لنا أدوار لرأب الصدع، خاصة لو كان غير مناسبا وليس في محله.
وأضاف: حضرتك تكلمت يا دكتور جمال عن نقطة مهمة جدا وهى احترام الطبيب، وأنا معاك جدا، فالطبيب فوق رأسنا، واحترامه واجب علينا، كما نحترم المواطن أيا كان.
وعندما وجد تشدد من قبل الدكتور (جمال عميرة)، دافع مصطفى كامل بقوة عن (محمد فؤاد)، وأكد أنه بحكم صداقته لمحمد فؤاد منذ عام 1992 لم يشهد له من قبل وقائع مشابه للواقعة الآنية.
ولم يرتكب مرة واحدة فعل البلطجة، أو التعدي على أحد، لكنه طول الوقت هو ابن البلد المصري الأصيل الذي يراعي الحقوق والأصول.
وفي ختام مداخلته مع الإعلامي أحمد موسى قال (مصطفى كامل) كلمة بليغة ومهمة جدا وهى: (أناشد نقيب الأطباء، والدكتور جمال عميرة، ألا نجعل مناصبنا مدافعة دون أن ندرك عواقب الأمور، لابد أن نحكم ضمائرنا قبل مناصبا لأجل مصلحة بلدنا العزيز مصر).
أزمة أحمد سعد
أزمة محمد فؤاد ليست هى الأزمة الوحيدة التى تفاعل معها (مصطفى كامل) بحكمة، وذكاء، وسرعة بديهة، فعندما حدثت أزمة المطرب (أحمد سعد) مع منظمة الحفلات التونسية في شهر يوليو العام الماضي وجه مصطفى كامل، اللوم والعتاب لمنظمي الحفل.
وذلك لعدم إبلاغ نقابة الموسيقيين المصرية بنصوص العقود المبرمة بينها وبين الفنانين المصريين مسبقاً وقبل إقامة أية حفلات فنية، حتي تكون النقابة على دراية تامة بكل ما يخص أعضاؤها، والتصرف الفوري في حال حدوث مثل هذه المشكلات، وأُلزم مصطفى كامل أحمد سعد بالإعتذار لسيدات تونس!.
ويومها وبحكم صداقتي لأحمد سعد، وعملي معه لمدة شهور أثناء عملنا معا في برنامج (سعد وسعد) كنت على يقين من براءة أحمد سعد، وأنه لا يمكن أن يُهين المرأة التونسية، أو أي إمرأة، لهذا استنكرت إلزام مصطفى كامل للمطرب أحمد سعد للأعتذار لسيدات تونس.
لكن بمرور الوقت وبعد أن هدأت الأمور تأكدت من حسن تصرفه، وذكائه في استيعاب الأزمات، وتهدئتها، وسرعة وضع حلول لها.
في موسم الرياض
(مصطفى كامل) طول الوقت لا ينسى أنه نقيب واحدة من أهم النقابات الفنية على مستوى العالم، وهى نقابة المهن الموسيقية، لهذا تجده طول الوقت عفيف اللسان، (شيك)، ويلتزم بنظام لا يخرج عليه، ويفعل ذلك بلا توتر ولا عصبية.
ففي بداية هذا العام شارك في (حفل كاسيت 90)، الذي جمع عدد من زملائه نجوم الكاسيت في التسعينات ضمن فعاليات موسم الرياض، وكان هو المطرب الوحيد الذي ظهر في الحفل بكامل شياكته، فلم ينسى حتى وهو يغني مع زملاء جيله أنه نقيب المهن الموسيقية.
وهذا المنصب يحتم عليه ملابس معينة، وذلك حتى لا يسخر منه أحد من الذباب الإلكتروني المنتشر على مواقع التواصل الاجتماعي، لو كان ظهوره بـ (شميز) مفتوح الصدر مثلا، أو ارتدائه (سلسله) في رقبته، أو (حظاظه) في يده، وكلها أشياء بسيطة وعادية، لكن عند (اخوانا البعده) لها وقع آخر، ومفهوم آخر، لهذا كان رائعا وجميلا في ملبسه وهندامه، لأنه من بلد عظيم، ويجلس على مقعد نقابة عظيمة.
في النهاية شكرا (مصطفى كامل) على ما قمت به، وتقوم به من عمل بدقة متناهية، وجهدا كبيرا للمحافظة على دور مصر الفني الحضاري.