(سينما) المخ.. الإبحار في المستقبل خلال الأعوام القادمة !
بقلم الفلكي: رضا العربي
أهلا بك في دار (سينما) الذاكرة الدفينة بحي شبرا.. من فضلك اجلس في هدواء على مقعدك حسب رقمك، ثم اجذب طاقية ال ال أقطاب النووية وضعها علي رأسك والآن اضغط علي لوحة التشغيل أمامك الأزرار (1،2) واختر العام الميلادي الذي ترغب في مشاهدته.
نتركك الآن مع رحلتك الممتعة في قاعة الـ (سينما) عبر ذكريات عمرك الشخصية.. وسرعان ما يسترخي المشاهد على مقعده، وقد ركز بصره علي شاشة الـ (سينما) البانورامية التي تواجهه، وترك العنان لنفسه ليستمتع بما يرى ويسمع ويشاهد من ذكرياته عبر العام المختار.
هذه صورة مختصرة لما ستكون عليه (سينما) المستقبل خلال الأعوام القادمة، وهى (سينما) مختلفة تستمد رؤاها وأحداثها من قلب ذاكرة الشخص نفسه دون غيره، أي من أرشيفه إن جاز أن نسمي موقع تراكم الذكريات القديمة بالمخ البشري أرشيفا.
وترجع بدايات هذا الموضوع إلى عدد من المدن الأوربية في وقت واحد، حينما كان بعض أطباء هذه الدول يجرون أبحاثهم على مرضي الصرع، وأثناء إجرائهم جراحات بالمخ.
لكن ماهى معلوماتنا الأولية عن المخ البشري قبل أن نسترسل في الكلام عن (سينما) المخ.. أو (سينما) الأرشيف أن صح التعبير.
يزن مخ إلإنسان كيلو جراما ونصف وعدد خلاياه 14 ألف مليون خلية، يمكنها أن تستوعب مليون بليون معلومة أو يزيد، بعضها نستخدمه في حياتنا اليومية، والبعض الآخر يختزن علي هيئة ذكريات يمكن استخراجها كلما دعت الحاجة الي ذلك.
هذا الجهازالمركزي القابع بداخل رأس كل واحد كنا في مساحة تقاس بالسينتيمترات، له قدرات مذهلة للتحكم والسيطرة والقيادة، والقيام بخدمات مدهشة.
ولو حاول الإنسان تقليده أو محاكاته صناعيا، كأن ينشئ مركزا الكترونيا مثلا، يقوم بعمل كعمل مخ إنسان عادي لايحتاج لمساحة مدينة كبرى بها آلاف الدور كمدينة القاهرة، وربما أكبر وسبحان الله جلت قدرته.
تجارب علي مرضي الصرع
ونعود لموضوعنا حيث يقول العالم الألماني (جوتنماخر): لقد أجريت تجارب متعددة علي أمخاخ مرضي الصرع، وخلال مراحل علاجهم بإعطائهم جرعات كهربائية على هيئة نبضات بالغة الوهن ترسل إلى أعماق أمخاخهم.
كنت أصادف بعض النجاح، بل وعدد من مرضاي شفي تماما، لكن أثناء التجارب هذه كنت أفاجا بمرضي يتذكرون مشاهد بعينها جرت لهم في أزمنة سابقة، وكثيرا ما قالو انهم يرونها مرأى العين.
وتبكي واحدة لدى مشاهدتها عمها الذي توفي وكانت تحبه لإغداقه عليها، بينما يضحك آخر إثر مشاهدته موقفا محرجا سبق وقوعه فيه مع صديق له لم يعد يراه.. إلخ.
ويتابع العالم الألماني ذلك قائلا: فقد أجريت تجارب أخرى بعيدة عن علاجي للصرع، وإنما بغرض اكتشاف حقيقة مايراه هولاء من مخزون ذكرياتهم إن كان حقا يوجد مثل هذا المخزون، أو الأرشيف.
وبدأ الطبيب تجاربه على متطوعين لمعرفة أسرار مراكز المخ الدفينة، حيث تكمن ذكرياتهم، وذلك بزرع أقطاب (أسلاك) دقيقة يقل سمك القطب منها عن سمك شعرة الراس البشرية مائة مرة.
إلا أنه أصلب من الشعرة بحيث يمكن دفعه إلى أغوار الخلايا العصبية برأس إنسان حي في كامل وعيه، ومن ثم تنقل النبضات الكهربائية الضعيفة جدا عبر القطب المزروع إلى المخ ثم ترتد من المخ إلى الأجهزة.
وهكذا تداعى اكتشاف مناطق المخ أو الإدارة العليا في الكائن الحي منطقة وراء أخرى، حتى أمكن التوصل إلى مناطق المخ المختلفة، والتي قادت إلى العثور على مكامن الذاكرة المنسية، أو ما أسماه المختصون أرشيف ذكريات الماضي القصي.
وفي تجربة أخري أجراها جراح المخ الأمريكي البروفسير (ديلر بنفيلد) على متطوعة زرع في رأسها أقطابه الدقيقة، بينما ترقد قبالته مستسلمة لتدفق النبضات الكهربائية التي تنساب الي مخها.
إذ وجدها تنتفض فجاة وتصيح والأقطاب تغطي رأسها، فاذا بها تطلب الانتظار قليلا فقد أحست وكأنها تسمع لحنا موسيقيا قديما كانت قد سمعته في صباها، فلما استوضحها الطبيب أضافت أن اللحن يتمثل لها الآن بكل تفاصيله والجو المحيط به.
والغريب أنها تري العازف رؤية واضحة، فقد كان زوجها الذي توفي منذ أعوام عدة، وطلبت تركها لأنها تحادثه الآن كما جرى بالماضي.
دور (سينما) المستقبل
وبتعدد التجارب من هذا النوع اتضح أن كافة مايعيه الإنسان من معلومات، وما يمر به من أحداث إنما يختزن ولا ينمحي أبدا من ذاكرته، فقط بمرور الوقت يتحول الرصيد القديم إلى أرشيف الذاكرة المنسية وليس المفقودة.
تماما كما يحدث في مصلحة حكومية أو مؤسسة ضخمة، فهى تحتفظ بملفاتها في أرشيف ضخم يطول ويذاد ضخامة عاما وراء آخر، حتى ينزوي القديم غير المستخدم ويعلوه التراب وغبار الزمن، إلا أنه في النهاية موجودا لم يفقد منه شيئا.
هكذا أجمع كل من أتيحت لهم فرصة رؤية نماذج أو لقطات من ماضي حياتهم، بل البعض أضاف أنهم سمعوا أصوات ما دار وقتذاك من أحاديث، وشم آخرون الروائح التي كانت سائدة وأحسوا أنهم يعيشون الزمن المنصرم تماما بكافة مواصفاته، وكأنه حاضر يعيشونه ويحسونه بكافة أبعاده وجوانبه.
ومن هنا يبدأ دور (سينما) المستقبل، والتي ستكون فريدة وبالغة الإثارة بالنسبة لكل فرد منا حين يشاهد عبرها لمحات من أيام حياته، (منذ بدأ وعيه في طفولته وإلى صباه ثم شبابه وما بعد ذلك).
فيرى في المستقبل من رحلو عن دنيانا من الأهل والمعارف والأصدقاء ولعل مثل هذه الـ (سينما) تكون بلسما للأحياء.. حين الافتراق لسفر أو هجر.. أو يجن أو يموت.
ويقول العالم الامريكي دكتور (جورج إنجلر) أنه إذا جاز تحقق مثل هذه الرؤية لوقائع ذكرياتنا الشخصية بعد نقلها إلى شاشات عرض (سينما)، حتي يشارك في رؤيتها غيرنا، فهناك عقبتان لذلك أهمها:
الأولى ابتكار الجهاز الناقل للرؤية، فمثله في طور التصنيع للآن، والثانية وهى الأهم أن المشاهد ستظل خلال الأعوام الأولي مشاهد عشوائية، فلن يمكننا التركيز على زمن محدد، بحيث ننتقي فترة معينة باليوم والساعة من ذكرياتنا.
إنما سيكون الاستدعاء متاحا في المبدأ لأي رؤية في أي زمن، ثم يمكننا بعد ذلك التوصل لتحديده ضمن فتره زمنية أكثر تحديدا كزمن الطفولة أو الصبا.. إلخ.
ولعل أطرف ما ستقدمه (سينما) المخ، سيكون في مجال الجريمة أو القبض على مرتكبيها، حيث ستختفي كلية الوسائل التقليدية في الحصول على اعترافات المتهمين، ويحل محلها التنقيب في ذاكرة المشتبه فيه لأخذ الدليل الدامغ صوت وصورة،
أو المحاولة مع مخ مومياء محنطة لمعرفة أسرار الزمن الذي كانت تعيش فيه، وعموما فمسيرة العلم تقدم إلى جانب الجاد والمفيد الكثير من العجب العجاب!
المخ عبارة عن شريحة تخزين المعلومات بشكل عام أي كلمة أي لقطة سواء سمعتها الاذن أو رأتها العين أو تعرف عليها المخ بواسطة الحواس الأخرى إلا أنها تتخزن في المخ سواء المهم منها أو الزائد أو السافل كل شيء يخزن وحتى أن مساحة التخزين في المخ لا تستعمل كليا بل جزء منها خلال حياة كل واحد منا هذا للفرد الواحد حتى طاقة الاخرين تأثر تخزين المعلومات في المخ من خوف وفزع واحلام ولو قلنا لكان القول قليلا أمام عظمة خلق آلله الإنسان وفي انفسكم افلام تبصرون.
إنه من الممكن التوصل إلى سينما الذاكرة لما لا والمعلومات مخزنة في المخ وحتى أي فترة من الفترات الزمنية السابقة وحتى اللاحقة يمكن التنبؤ بها حسب المعطيات المخزنة في الذاكرة وحتى المشاكل وكيف يمكن للشخص حلها…
تمام جدا