بقلم الشاعر الكبير: إبراهيم رضوان
لم أتردد في إنفاق كل ما لدى من مدخرات على أوبريت (يا كويت).. كانت مشاعر التضامن فياضة وضاغطة في الصدر وعلى الروح إلى حد كبير.. كما كانت ثقتى هائلة في وعود الشيخ (مبارك المطوع) ككويتى ذاق الظلم.. وكمحامى برمزيته للعدل والحق.
وكخليجى ثرى لن يطمع في مدخرات مصري بكل ظروف مصر الاقتصادية المعروفة و فروقاتها المادية الهائلة مع الخليج.
انهمكت في كتابة الأوبريت، وكانت الخطوة التالية بناءا على طلب الشيخ (مبارك المطوع) التنفيذ.. ورشحت لإخراج العمل ولثقتى الهائلة به المخرج (نور عبد الحميد).. وأستدل هنا على ما كتبه الأستاذ (نور) بنفسه عن ذكرياته حول هذا العمل:
( من الأعمال الفنية القريبة إلى قلبي أوبريت (آه يا كويت)، أو (آه ياكويتش)، تأليف الشاعر الكبير (إبراهيم رضوان) الذى طلب منى زيارته في منزله على عجل ليخبرني بأن أحد الشيوخ بدولة الكويت الشقيقة (مبارك المطوع) قد كلفه بكتابة أوبريت يتناول أحداث الكويت.
جلسنا سويا جلسة عمل شملت قراءة النص ورؤية المؤلف التي تكمن بين السطور.. ولتحمسى للمساهمة في أي مساندة للشعب الكويتي وللشيخ (مبارك المطوع)، سواء على المستوى الفني أو الإنساني لم أضيع وقتا وتوجهت لفورى الي مدرسة الأورمان الكويتية الابتدائية بنات بشارع التحرير بالدقي.
قطعة من أرض الكويت
كان اختيارى بناءا على علمي بأنه قد تم تقسيم مدرسة الأورمان لاستضافة الأشقاء الكويتين.. فكان القسم الكويتى كأنه بالفعل قطعة من أرض الكويت.. قدمت نفسي للفاضلة مديرة المدرسة والتي بدورها أبدت رغبتها في المساهمة في مساندة الشعب الكويتى في محنته بكل ما هو متاح من إمكانات المدرسة.
رحبت المديرة بي وبزميلي وبلدياتي الممثل (مجدي عبد المحسن)، والذى كنت قد اخترته للقيام بالبطولة، لأنه في رأي غول تمثيل بالإضافة إلى حسه الوطنى العالى وثقافته.. كما وقع اختياري على إحدي المدرسات للقيام بدور شخصية الكويت لتميزها الشديد في الأداء المسرحي.
أما الأبطال الحقيقيون فقد كانوا هم الأطفال الكويتيون.. فقد بهروني بسرعة الاستيعاب لجوانب العمل وحفظ الأشعار والتشكيلات التعبيرية على المسرح.. كما قدمت الفاضلة مديرة المدرسة بكل حماسة بعضا مما احتجناه من العناصر المطلوبة للعرض من تغييرات في الديكور وغيرها.
و بحكم تعاملها المكثف مع الوسط الكويتي طلبت منها المساعدة في العثور على ملحن كويتي لنضخ في عروق الأوبريت المزيد من الأحاسيس الكويتية الخالصة المشربة بالمرارة على ما ضاع و ما يتجرعه من شجن فقد الأرض والتشتت في بلدان العالم.
بالفعل وبحماستها المعهودة حددت لى المديرة موعدا للقاء أحد الملحنين الكويتيين.. والتقينا.. أشاد الملحن الكويتى بالأشعار وبالنص كاملا.. وحينما سألته عن موعد انتهائه من التلحين أجاب: أنا هاخد 15 ألف دينار عن كل أغنية بالإضافة الي الموسيقي والمؤثرات.
وحينما حسبت المبلغ بناءا على عدد الأغاني الكبير في الأوبريت هالتنى الثروة التي يطلبها هذا الملحن كمقابل..ف قلت له: (إنني لست المنتج.. أنا مخرج العرض فقط) لتعقب السيدة المديرة متعجبة: (كيف تطلب من المخرج أجر الألحان؟.. كما أن هذا العمل عمل وطنى وليس عملا تجاريا لتكون المبالغة في الأجر بهذا الشكل.
ليجيب الملحن الكويتى في إصرار (وأنا لا أعمل إلا بالأجر).. المهم أنني أحضرت أحد الملحنين الأصدقاء للقيام بالمهمة، وقد نفذها في حب بالغ ودون اللجوء إلى المغالاة التجارية.
بعد إتمام البروفات.. حدثت مفاجأة سعيدة على الجميع، حيث تم تحرير أرض الكويت.. قمت على الفور بإضافة بعض الرقصات من الفلكلور الشعبي الكويتي، بعد أن أضاف الشاعر الكبير (إبراهيم رضوان) من نبضه الفرح شعرا مفعما بالسعادة ليصبح العمل مكتملا.
انتقلنا بالبروفات إلى مسرح (سيد درويش) بأكاديمية الفنون.. حضرها مسئول كبير بالمركز التربوي الكويتي للاطلاع علي جاهزية العرض.. والذي بمجرد انتهائه انتفض واقفا ليخاطبني في حدة وهو يناولني ورقة سجل فيها ملاحظاته أثناء مشاهدته للعرض قائلا: (عندك خمس مشاهد لابد من حذفها).
الحذف يضر بالبنية الدرامية
سألته عن السبب قال: (إن معالي وزير الثقافة الكويتي سوف يحضر.. وحرصا علي وقته عليك بالحذف لهذه المشاهد.. ولا داعى للمزيد من النقاش)، لم يكن الحذف في رأى اختصارا لوقت وإنما اختصارا لمشاعر فياضة.. مشاعر سيؤدى حذفها إلى مزيد من المرارة بداخلي على المستوى الفني و الإنساني.
تحملت إهانته لأنه ضيف عزيز وأبديت موافقتى على طلبه.. وحينما اتجهت إلى الكواليس فاجأني الأطفال هناك متناثرين على أرضيتها الخشبية يبكون.. سألتهم عن السبب ليتجمعوا حولى متشبثين بملابسى في قلق (انت فعلا هتحذف المشاهد دى؟).
وأنا أربت على أكتافهم قلت: اطمئنوا.. هو يقول زي ما هو عايز.. واحنا هنقدم اللي إحنا عايزينه).. شرحت لهم أن الحذف بالفعل سيضر بالبنية الدرامية التي كتبها المؤلف والتي بنيت عليها كمخرج رؤيتى الشمولية للعرض ليتقافزوا رقصا، وهم يضحكون في سعادة بصوت عال.
كنت أجسد في الأوبرت شخصية الشهيد معالي الشيخ فهد الأحمد الجابر الصباح، وزير الرياضة الكويتي.. كان المشهد رائعا.. ودراماتيكيا مفعما بالمعانى.. الشجاعة والوطنية والغدر و الألم.. كان المشهد تجسيدا لكل ما حدث في الكويت ممثلا في موقف واحد.. أذكر ختام المشهد والوزير ينشد :
(لو كنت أملك الف روح .. ياكويتا ياست الصبا
أنا كنت هطلع ع السطوح.. أصطاد جميع الأغربة).
أثناء البروفات حذرني أحد الأساتذة المصريين من تقديم موقف اغتيال الشيخ (فهد الأحمد الجابر الصباح) لحساسيته المفرطة معقبا: (سوف تلاقي مالا يحمد عقباه).. رغم ذلك أصررت على عدم حذفه.
كان يوم العرض مهيبا.. حضر العرض معالي الوزير المصري الفنان العالمي (فاروق حسني)، ومعالي وزير الثقافة الكويتي، والشيخ (مبارك المطوع).. فور إغلاق الستار طلب وزير الثقافة الكويتي من المسئولين إحضاري ليصافحني في حرارة مطالبا بإعادة العرض وتقديمه في دولة الكويت ورصد ميزانية تليق بهذا العمل الفني.
ورغم المعوقات التالية بعد ذلك وما تعرض له العمل ومؤلفه الشاعر الكبير (إبراهيم رضوان) من غبن إلا أننى أقولها صدقا أن سعادتي لا توصف بأنى شاركت كفنان في تلك الأحداث التي لن تنسي.
تحية من القلب لمعالي أمير الكويت.. وتحية إلى شعب الكويت الشقيق وللشيخ (مبارك المطوع).. ودامت له حريته.
و
نصيحة للشيخ
مبارك سعدون صالح المطوع
وهاقلك ايه؟.. ايه العمل
يا شيخ مبارك بعد ما مات الأمل
ورفضت ترضي بحكم جي من
السما
واخترت يبقي ما بيننا حكم المحكمه
ودي رغبتك
يمكن تكون شخصيتك..
متعودة ع الوقفه قدام القضاة
أو ع العناد المر..
تفضل في الطريق الصعب ..
توصل منتهاه
لكن يا صاحبي الوقفه قدام الإله..
لها وضع تاني مختلف
قد نختلف في كل شئ
إلا الوصايا الربانية
الأحمدية.. الإنسانية..
وحرف واحد من أحاديث الرسول
لو ليلة رجعت الحقوق لأصحابها
هاتجيلك جبال خيرات ..
بتشبه للسيول
وان كلت حق لأي حد في أي يوم..
الله هايبعتلك هموم ها تدمرك
وتسهرك
وتأخرك مليون سنة
ولا تلقي حد يصبرك..
لو فيه نتايج
بس مش هى الجميلة المبهرة
تلقاك ورا
تلقاك بتشبه نص قلويحة درة
تفضي خزاين خير في قلب المندرة
يدخل عليك قلق الليالي يقلقك
واليأس و الملل اللعين القاسي
يرجع يخنقك
و يفرقك فوق الطرق
انسان ماهش عارف مكانه
في كل أنحاء الوجود..
في الخوف غرق
وبرق هلال نحسه و يوصل ليه معاه.. إنذار أخير
انك بمالك مش ملك
ولا يوم هاتبقي شبح أمير
يبقي الفقير بالنسبه ليك
هو اللي ماشي على الدروب..
جوه القلوب هرم ارتياح
تبقى الجراح..
مقسومة ع المغرور
وآكل لسه في مال النبي
كل اللي يكنز فضه أو لؤلؤ غبي
كل اللي ياكل حق غيره لولبي
يصرف فلوسه في كل حته..
علي العدو المفتري
بيقول لمعظم سيئاته إكبري
واتحرري من كل شئ
خليني في السفر اللعين..
ماشي علي مليون طريق..
بحثا عن الراحه اللي ضاعت في الزحام
بيني وبينك من زمان..
ضاع السلام
من يوم ما كلت حقوقي باسم صداقة..
كانت بين قلوبنا مقدسة
من يوم ما كانت كل أفعالك..
في أكل الحق صبحت مدرسة
من يوم ذنوبك عند ربك.. كلها..
صبحت كتيرة مكدسة
علشان كده
بانصح سيادتك..
وانت زاير في العواصم كلها
وبتصرف الملايين على نار المزاج
تعرف بأن سداد حقوق الناس علاج
وهاتلقي تاج الراحه زاين في الجبين
صلي في أي مدينه من مدن الفرنجة ع الرسول
و اسأل في نفسك أولا
هل م الأصول..
أستولي ع الحق اللي ربك قال عليه
و اللي الرسول وصانا بيه
اسأل في نفسك
أنزل القرٱن دا ليه؟
علشان يكون لينا القانون
علشان يكون دايم في عون
اللي انسرق..
كحل العيون من جفنهم
واللي انسرق من سهمهم..
أرقام رهيبة محرمة
نرجع بقي للمحكمة
قاضي القضاة العالي سبحانه الكبير
هايكون مجبر للي دعاه
للي معاك في الضلمة تاه
والقاضي بين كل البشر..
هايكون ما بيننا في يوم حكم
ينصر بحكمه اللي انظلم
ويجيبلي حقي بالقانون.. منك..
لأنك لسه مش ناوي تجيب حقي
بدون أسوأ عناد
قاعد تلف وتجري في كل البلاد
تصرف شمال ويمين..
في كل مكان هناك
تبدو أمام الناس ملاك
لكن في أرض فرنجة.. سايح..
كل همه يكون محاط بالاهتمام
قبل المحاكمة هاروح لستي السيدة نفيسة
واخلي الناس هناك تدعي عليك
وهاروح مقام السيدة..
أشكيلها من نظرة عنيك للمشكلة
وهاروح لأصل المعجزات
سيدنا الحسين
وادعي عليك وياه..
لأن القلب بالشجن اتملا
ليه يا صديقي نسيت بأن نهاية الدنيا الغرورة زلزلة
ليه مش بتبكي في الصلا
وترجع الحق لصحابه أوصحابك
لاجل ترتاح النفوس
هى الفلوس عندك خلقها الله عشان..
تقدر يا صاحبي من خلالها تذل في أشرف بشر
كراهيتك لينا تملي ورفض قلبك للحبيبه مصر..
خلي الشر جوه الرح مطر
اخترت أنا سكة سلام
اخترت بالقلب اللي كاره مصر..
في سكة خطر
مع إننا كنا القمر..
ماش معاك فوق الطريق
مع إني كنت معاك حبيب..
وعلي الدروب نعم الصديق
أنا مش هاسامحك مهما كان
أنا مش هاسامحك إلا لو..
رجعت حقوقي..
المتفقق دايما عليها معايا..
بس ف لحظه مات الاتفاق
عندك وتصميمك يضيع حقي..
ضرب جرس الفراق
وان كان عليا يا صاحبي
فيه جوايا راحة بال.. مع اطمئنان
بأن الحق لازم يوم يعود
قدمت لك صحبة ورود
قدمت ليا الشوك في قرطاس العناد والفهلوة
الرز في الحله استوى..
وما عادشي وقت خلاص نناقش بعضنا
السيل دخل فجأه ودمر أرضنا
ونسيت يا صاحبي فرضنا
لكن أنا
قدمت ليك كل الحلول الممكنة
وما عادشي قدامي سوا
إكمال ديواني وطبعه..
مهما تزيد عليا التكلفة
بعدين هايبقي الأمر قدام القضاء
شعب الحبيبة مصر بحر الكبرياء
يا ما نزفنا لما تم.. الغزو.. ومشيتوا وسببتوا في الديار
المصري خلي بيوتكوا ترجع للعمار
و يا ريتكوا رديتوا الجميل
ولا مصري شاف منكم في يوم أفعال شريفة..
أو كلام أخضر عفيف
داريتوا حتي في الرغيف من مصر..
هاجمتوا الأكابر ليل نهار
مع إنكم
كنتم جميعا في انهيار
بس الأصول
مش أي حد بفهلوة هايكون أصيل
قدمت ليك الفجر
كان ردك عليا يا صاحبي ليل
آسف إذا كانت مواجهة قلبي ليك
انك بخيل
وانا كنت باتمني تكون
روحك رقيقة منصفة
ماتكونشي يوم أبدا في خانة الأنصفة
إشطح و امرح في بلاد الله
واصرف كل شئ جوه الجيوب
مهما تزيد نار العيوب
اعرف بأن الله هايبعت للجميع..
القاذفة
وللحديث بقية..
من كتاب (مدد.. مدد)
سيرة ذاتية لبلد