* كان أول فيلم شاهدته وأنا طفل صغير فيلم (بنات الريف) ليوسف وهبي، وليلى مراد
* ظللت أزاحم الجموع إلى أن وصلت لـ (يوسف بك) وأمسكت بيده، وتعلقت بها لعدة دقائق، وكأنني لا أريد أن أتركها أبدا
* عشت حياة مليئة بالشقاوة والمغامرات، وانزلقت إلى انزلاقات عديدة، فاقترح علي شقيقي (حمدي غيث) أن ألتحق بمعهد التمثيل
* بدأت مشواري الفني وأنا في العشرينات، ولو كنت مارست التمثيل، وأنا صغير كنت انطبعت بمدرسة معينة
* وأنا داخل من باب مسرح الأزبكية كنت أسمع دقات قلبي عالية من شدة الرهبة
* أول مرة أقف فيها على خشبة المسرح، كان عام 1956 أثناء العدوان الثلاثي على مصر
* أول سرحية لي كانت (كفاح الشعب)، عن كفاح الشعب المصري أثناء الحملة الفرنسية ضد القائد الفرنسي كليبر، والمسرحية الثانية هى مسرحية (دنشواي الحمراء).
بقلم الإعلامية: أمينة صبري
مازالنا مع الإعلامية الكبيرة (أمينة صبري) صاحبة البرنامج الشهير (حديث الذكريات) وحوارها الممتع مع فارس المسرح المصري (عبد الله غيث).
في الحلقات الماضية تحدث (عبد الله غيث) عن حبه للفن منذ الطفولة المبكرة، وصحح معلومة متدوالة خاطئة وهى أنه يشاع عنه أنه أتي للقاهرة شابا، وهذا غير صحيح!، فهو جاء للقاهرة وهوطفل بعد رحيل والده.
وأشار إلى أن قريته شلشلمون لها أهمية تاريخية فيقال إنها كانت عاصمة لمصر وقت حكم سيدنا يوسف عليه السلام.
وأكد (عبد الله غيث) أنه نشأ في جو ديني، وهذا كان له أثر عليه كفنان حيث إنه أحب وأجاد إلى حد ما تجسيد الشخصية الدينية والإسلامية، وعشق الشخصية الإسلامية منذ الصغر من خلال الحياة المليئة بعبق الدين الذي عاشه، وهو يحب تمثيل هذه الأدوار لأنها تسري في دمه منذ الصغر.
وصرح أن عمه (عبد الله) الذي سمي على اسمه لو قدر له أن يكون ممثلا كان من الممكن أن يكون أحسن ممثل في العالم.
واعتبر (عبد الله غيث) أن أعظم مدرسة تخرجت منها هي مدرسة القرية هذه المدرسة هي التى تعلم منها التمثيل، وعشق فيها شخصية (أدهم الشرقاوي) وتصور نفسه مكانة لدرجة أنه أطلق على ابنه باسمه.
وأكد أن أول عمل فني شهده في حياته هو (مصرع كليوباترا) وبهر انبهارا لا حد له بالفنان حسين رياض.
وأشار إلى أنه عاش ست سنوات فى القرية يزرع الأرض، ويعيش حياة الفروسية الحقيقية، وكانت أسطورة (أدهم الشرقاوي) دائما في ذهنه.
وقال أن القرية لها الفضل الكبير في إجادته لتمثيل شخصية الفلاح أو الإنسان المصري بكل هذا الصدق والواقعية، وأعلن بأنه أحد اثنين صححوا مفهوم شخصية الفلاح المصري في الأعمال الدرامية، الأول هو الأستاذ (شفيق نور الدين) ثم هو.
والآن تعالى بنا عزيزي القارئ نقرأ الحلقة الثالثة من مشوار (عبد الله غيث) الإنساني والفني، فإلى نص (حديث الذكريات):
* ست سنوات في القرية عشتها كأسطورة وكنت سعيدا فيها، فهل في هذه الأثناء توارى وتراجع الفن عندك؟
** (عبد الله غيث): لا.. فرغم حبي لمجتمع القرية، وعشقي له، إلا أنه كان يوجد شيئ ما بصدري يلح عليّ، شيئ مكبوت بداخلي يريد أن ينفجر، أن ينطلق، كنت أسبوعيا أذهب للقاهرة لكي أشاهد المسرح وأتابع أحدث المسرحيات.
وكنت أجلس في أول صف أتابع الممثلين، وأحيانا كان لا يعجبني أداء ممثل كنت أشتد غيظا، وأريد أن أمثل أنا بدلا منه، لكي أؤدي الدور كما يجب أن يكون.
وفي هذه الفترة كان أخي (حمدي) قد دخل كلية الحقوق، ودخل أيضا معهد الفنون المسرحية، وسافر في بعثة لدراسة الإخراج والفن المسرحي في باريس، ثم أتى من باريس أستاذا في معهد التمثيل ومخرجا في المسرح القومي.
وكانت وقتها توجد فرقة تسمة بفرقة (المسرح الحديث)، المهم عندما أتى أخي (حمدي غيث) من باريس بعد غياب ثلاث سنوات فوجئ بي رجلا أمامه، ملامحي تغيرت عما تركني.
وكان قد سمع أنني أعيش في القرية إلى حد ما حياة مليئة بالشقاوة والمغامرات، وقد انزلقت إلى انزلاقات عديدة، ففوجئت به يقترح علي أن ألتحق بمعهد التمثيل، فصرخت قائلا: ياريت.
وسألني: هل أستطيع أن أرجع مرة أخرى تلميذا وطالبا بعد الحياة الطليقة التى أعيشها، فوافقت فورا، وقدمت في معهد الفنون المسرحية، نجحت في تغيير مجرى حياتي من جديد.
ولكن لاحظي أنني لم أكن قد وقفت على خشبة المسرح إلى الآن، ولكن كبت للطاقة الفنية، وبداخلي رغبة مختزنة، وأنا أزعم أن هذه كان في مصلحتي، لأنني لو كنت مارست التمثيل وأنا صغير كنت انطبعت بمدرسة معينة.
وأنا أرى أن بعض زملائي الفنانيين مازالوا منطبعين ومتأثرين بأساتذتهم الذين علموهم وهم صغار، ولكنب أنا اختزنت كثيرا جدا من المدارس المختلفة، ومن الرؤى الفنية إلى أن انفجرت فجأة على خشبة المسرح القومي كمحترف، فأصبح لي شخصيتي الذاتية المستقلة.
* متى تفجر هذا البركان المخزون داخل عبدالله غيث؟
** (عبد الله غيث): تخرجت من معهد الفنون المسرحية عام 1956، ولم يكن هناك فرقة مسرحية، وفي ذلك الوقت كان المسرح القومي هو المتنفس الوحيد لنا كأكاديميين، أما باقي المسارح مثل مسرح (إسماعيل ياسين) لم يكن مجالي!
وفي هذه الفترة أعلنوا في المسرح القومي أنهم في احتياج لثلاثة شبان لكي يدعموا المسرح بدم جديد، فتقدمت ونجحت ودخلت المسرح القومي، وأول يوم دخلت مسرح الأزبكية لحضور اجتماع عام، لكي أكون زميلا لهولاء العمالقة.
والشخصيات الأسطورية التى رأيتها زمان، كان يهيئ لي أنهم ليسوا بشرا، أو أنهم بشر من طين آخر، لدرجة أنني في احدى المرات، أثناء افتتاح فيلم (بنات الريف) ليوسف وهبي وليلى مراد.
وأنا تلميذ صغير في المدرسة، ذهبت لحضور الحفل المسائي الأول الذي كان الفنانون يحضرونه، ذهبت لكي أرى (يوسف وهبي) لدرجة أن شارع (عماد الدين) قفل تماما من شدة الزحام.
وأنا طفل صغير، وظللت أزاحم هذه الجموع إلى أن وصلت لـ (يوسف وهبي) وأمسكت بيده، وتعلقت بها لعدة دقائق، وكأنني لا أريد أن أتركها أبدا إلى أن أبعدتني أمواج البشر، والمعجبين عنه.
وظل هذا اليوم عالقا في ذهني، وكيف أنني أمسكت بيد (يوسف وهبي) هذا العملاق الذي كنت أنتظر بالساعات ليلا أمام مسرحه، لكي أراه، وأرى باقي أعضاء الفرقة وهم يدخلون ويخرجون من المسرح.
نرجع لأول يوم أدخل المسرح القومي لكي أحضر اجتماع عام لأعضاء القومي، في أول الموسم كيف سأكون زميلا لهؤلاء العمالقة، يومها لم أستطع النوم.
وأتذكر وأنا داخل من باب مسرح الأزبكية أنني كنت أسمع دقات قلبي عالية من شدة الرهبة، كيف سأقابل هؤلاء النجوم؟ جلست بينهم على المنضدة، وناقشنا العمل المسرحي ووزع عليّ دور.
وكانت أول مرة أقف فيها على خشبة المسرح، وكان هذا في عام 1956 أثناء العدوان الثلاثي على مصر، أردنا كشباب أن نشارك في المعركة فقدمنا مسرحيات وطنية من الساعة الثانية ظهرا لأن الإضاءة وقتها كانت مقيدة ليلا.
والقاهرة كانت تحت وابل الغارات، ففتحت أبواب المسرح القومي أمام الجماهير مجانا كتعبئة للجماهير وقت العدوان الثلاثي، ويومها قدمت مسرحيتين وطنيتين.
الأولى مسرحية (كفاح الشعب) عن كفاح الشعب المصري أثناء الحملة الفرنسية ضد القائد الفرنسي كليبر، والمسرحية الثانية هى مسرحية (دنشواي الحمراء) من خلال حادثة قرية دنشواي، وهى تتعرض لمقاومة الشعب للاحتلال الإنجليزي، وطبعا كانت أدوارا صغيرة.