كتب: أحمد السماحي
خلال الفترة الماضية تابعت أخبار عن تعاقد بعض النجوم على الجزء الثاني من مسلسل (العتاولة) بعد النجاح الكبير الذي حققه الجزء الأول، وأعتقدت أنها كلها أخبار للاستهلاك الصحفي، ليس أكثر من هذا!
ولكن قرأت أمس أن المخرج (أحمد خالد موسى) أعلن بالفعل عن تقديم جزء ثاني من مسلسل (العتاولة)، وأكد أنه انتهى من معاينة أماكن تصوير الجزء الجديد، وأن المؤلف (مصطفى جمال هاشم) انتهى من كتابة نصف حلقات الجزء الثاني، وأن التصوير سيبدأ في شهر نوفمبر القادم.
بمجرد قراءاتي لتفاصيل خبر الجزء الثاني من (العتاولة)، قلت: لا حول ولا قوة إلا بالله، إلى هذه الدرجة وصل الإفلاس بالدراما المصرية؟ وإلى هذه الدرجة أصبح النجاح عزيزا وغاليا علينا؟!
مجرد أن ينجح مسلسل على الفور يفكر صناعه بتقديم جزء ثاني مباشرة، رغم أنه لا يوجد خط درامي واحد مفتوح كان ينبأ بوجود جزء ثان، غير الحوار الساخر الذي دار بين (عيسى الوزان وخضر) في الحلقة قبل الأخيرة.
وكسرا فيه نظرية (الجدار الرابع) التى تعتمد على خلق حالة استثنائية من الخروج عن حالة التقمص الفني للشخصية الدرامية، ويظهر الممثلون بشخصياتهم الحقيقية أو يخاطبون الجمهور مباشرة بصورة حقيقية لإضافة بعد ما للصورة الدرامية.
اكتمال خطوط الدراما في (العتاولة)
لكن بعيدا عن هذا المشهد الساخر، فالخطوط الدرامية اكتملت في الجزء الأول من (العتاولة)، فالأخ (عيسى الوزان) تاجر الآثار، والمجرم الخطير في الإجرام والقتل، والذي يقتل وهو (يسلك أسنانه) أخذ جزاءه (وولعت) به السيارة!.
والشقيقان (خضر، ونصار) تابا إلى الله، وقررا أن يسيران في الطريق السليم، وأكل عيشهما بالحلال، والبدء من الصفر وتأسيس مطعم تحت عنوان (العتاولة).
وقام (خضر) بتسليم قطعة الآثار التى تسببت في كل المشاكل للحكومة، وقرر الزواج من (ديحة) بعد أن عاش معها سنوات في الحرام، استغفر الله العظيم، وسامحنى يارب!، وتم التبرع بأموال الأم (سترة العترة) لدور الأيتام.
لست ضد عمل جزء ثان، أو ثالث، أو حتى عاشر، لكن لابد من حتمية درامية أو أن تكون الأحداث والأبطال ما زال لديهم شيئا يريدون إيصاله للجمهور.
لا أريد أن أحجر على الكاتب (مصطفى جمال هاشم)، الذي جاء بديلا لمؤلف الجزء الأول (هشام هلال)، وأقول ماذا سيقدم في الجزء الثاني؟ لأنه سهل جدا أن يملأ الشاشة بالأحداث التى سيغيب عنها المنطق، بدليل تعاقد الشركة مع (باسم سمرة) على بطولة الجزء الثاني!
ليس لديّ اعتراض إطلاقا على هذا التعاقد، ربنا يرزق الجميع (كمان وكمان)، خاصة لو ممثل بحجم موهبة (باسم سمرة)، لكن طبعا مع غياب العقل والمنطق سنجد أن البطل الأسطوري (عيسى الوزان) نجا من حريق السيارة.
كما نجا من قبل من السم القاتل الذي وضعته له زوجته وحبيبته (عيشة) الممرضة وخطين أحمر والنبي تحت كلمة الممرضة! أي تعلم جيدا السم القاتل من السم (الفالصو)!
ويبدأ الأخ (عيسى الوزان) في الجزء الجديد وبعد نجاته في مطاردة (خضر، ونصار) لأن (إكس مالوش نهاية) على غرار فيلم (أخطر رجل في العالم) لفؤاد المهندس.
وسنرى طوال الأحداث الجديدة في الجزء الجديد من (العتاولة) لعبة القط والفأر، مرة (خضر) ينحرف ويعود، ومرة (نصار)، وهكذا وسط أحداث من الإثارة والأكشن والمطاردات.
الصباح و(بطلوع الروح)
يا جماعة الخير عمل جزء ثان من أي مسلسل لابد أن يكون له مقدمات وحتمية درامية، لكن استثمار نجاح فقط، فهذا إفلاس فني صارخ، وعلمتنا التجارب السابقة أن استثمار النجاح دائما لا يحقق نفس النجاح.
والسؤال للمنتج الرائع (صادق الصباح) إذا كان يوجد مسلسل جدير بتقديم جزء ثاني فهو مسلسلك (بطلوع الروح)، فكل الخطوط الدرامية جاءت مفتوحة في نهايته، ومصير أبطاله يستحق جزء ثاني، والمسلسل كان ـ ومازال – يناقش قضية خطيرة، نريد معرفة تفاصيلها وكواليس شخصياتها.
لكن أن تقوم بتقديم جزء ثاني من مسلسل تجاري مسلٍ لا يناقش أي قضية، وكل شخصياته بلا استثناء تتسم بالانحراف وسوء الخلق، فهذا يؤكد أنك منتج تجاري شاطر جدا، وذكي جدا، تريد استثمار النجاح التجاري الذي حققه المسلسل، وهذا حقك وليس لأحد الإعتراض عليه!.
العتاولة والانحراف السلوكي
لكن حقيقي يا أستاذ (صادق الصباح) نوعية مسلسلات مثل (العتاولة) أحد أهم عوامل تشجيع مظاهر التفكك والانحراف السلوكي في المنطقة العربية بوجه عام، وتعد برغم الدراما المثيرة التي تسحر قلوب الملايين من مشاهديها في المنطقة من أخطر ما تشيعه من مظاهر (الانحراف المجتمعي) بين الكثير من ثنايا حلقاتها وأجزائها.
ومسلسل مثل (العتاولة) تميز باستخدام أساليب (الإثارة) و(التشويق) و(المتعة) إلى أقصاها، ورافقه إخراج فني ودرامي بارع ومتقن، كما تفوق نجوم المسلسل على أنفسهم خاصة (طارق لطفي، باسم سمرة).
وأيضا العبقرية (فريدة سيف النصر) التى تم اغتيالها غدرا على يد مؤلف المسلسل، حيث فوجئنا بموتها دون أن يذكر أحد لنا هى ماتت ليه فجأة ودون أن نراها بتكح ولا حتى بتسعل!، ودون جنازة تليق بأم (العتاولة)!
بعيدا عن عدم منطقية اختفاء (فريدة سيف النصر) فجأة وبدون أي مقدمات، نجح المسلسل في تقديم وجبه كاملة من الأحداث المثيرة أرغمت ملايين المشاهدين على متابعة (العتاولة) لكن حقيقي السم في العسل!
السم في العسل لماذا؟: لأنه في الوقت الذي تحاول فيه الدولة المصرية، بناء الشخصية المصريه السويه، وترسيخ الأهداف النبيله في المجتمع، نجد أننا غافلون عن القوى الناعمة التي يعبث بعضها، ويهدم بمكونات المجتمع عبر مسلسلات مثل (العتاولة) ومزاعم كاذبه لكنها تنطلق من شعارات جوفاء تدغدغ المشاعر.
فضلا عن أنها تعبث بالعقول، الأمر الذى جعل الشخصية المصرية تتأثر بالسلب، ونتساءل يوميا هو العنف ليه زاد في المجتمع؟!
أخيرا: نتمنى النجاح والتوفيق لكل فريق عمل الجزء الثاني من مسلسل (العتاولة) ويكون خيال المؤلف والمخرج متفوقا علينا ونستمتع بعمل راقٍ، لكن أشك لأن الرقي يأتي من شخصيات المسلسل، و(العتاولة) لا يوجد فيه شخصيات راقية، كما شاهدنا!