(الملحد) فجر القضية.. الرقابة خطر يهدد حرية التعبير في مصر!
كتب: أحمد السماحي
(الفيلم مجمد يا أستاذ سماحي!).. طيب متى سيعرض؟.. الإجابة عند الرقيب!.. هذا كان رد المخرج الموهوب (ماندو العدل) عندما سألته عن مصير عرض فيلمه (الملحد) الذي كان مقررا عرضه أمس الأربعاء 14 أغسطس، ثم تقرر منذ أيام تأجيل عرضه!
هذا التأجيل جعل منتج الفيلم (أحمد السبكي) يكتب بوست يؤكد فيه أن الفيلم سيعرض بمجرد الانتهاء من بعض الأشياء في المونتاج!
وهذا التصريح يبدو أنه غير دقيق!، بدليل (البوست) الذي كتبه ماندو العدل أمس على صفحته، حيث شارك تقرير المصنفات الفنية عبر حسابه، وقال: (بعتذر لكل أصدقائي اللي عزمتهم على العرض الخاص لفيلم (الملحد).
العرض مش هيتعمل فى ميعاده، والفيلم مش هينزل في ميعاده، والحقيقة معرفش ليه، الاجابة عند السيد الرقيب على المصنفات الفنية!
وتابع: الفيلم جاهز للعرض، وانتهت جميع مراحله من مونتاج ومكساج، وتصحيح ألوان، والرقابة أعطت له ترخيص بالعرض بعد شهور من المشاهدات.
بل وصل الأمر أني نزلت صورت مشهد مضاف، والمنتج أحمد السبكي صرف كتير على دعاية الفيلم في الشوارع بناءً على هذا الترخيص.
وأضاف ماندو العدل: رجع شال الدعاية تاني للأسف، ودي خسارة فادحة، وده ينفي تماما الهراء بتاع أصل الصناع بيعملوا دعاية رخيصة للفيلم.
ومرفق مع البوست صورة الترخيص، وصورة إجازة الرقابة للسيناريو، اللي لأول مرة الرقابة تكتب في الورقة الأخيرة للسيناريو ما يشبه الشكر والتوضيح، وده نص ما كتب على الورقة الأخيرة.
(فيلم (الملحد) لايشوه الدين الإسلامي قط، بل يكشف الحجاب عن بعض الذين يفسرون الإسلام حسب أهوائهم، الفكرة هتوصل هتوصل بإذن الله عاجلا أو آجلا).
ثورة على الرقابة المتردية
الحقيقة أنني بعد قراءاتي لهذا (البوست) انتابني غضب عارم من الأوضاع المتردية في إدارة حكومية مهمة وخطيرة مثل (الرقابة)! إدارة ليس لها علاقة بالفن والإبداع، ولكنها عبارة عن مجموعة من الموظفين معقدين بالروتين!، مع احترامي الكامل لكل الموظفين.
وحتى أنقل إليكم غضبي، سوف أقص عليكم ما حدث بالنسبة لفيلم (الملحد) بصورة أعتقد أنها حقيقية بنسبة كبيرة، من خلال متابعتي لكل أطراف الأزمة.
ولقد توصلت إلى أن سبب هذه الأزمة ليس أحد من صناع الفيلمين، سواء مؤلف ومخرج فيلم (الملحد) نادر سيف الدين، ولا صناع فيلم (الملحد) إبراهيم عيسى، وماندو العدل، ولكن الموظفين في الرقابة هم السبب!
والحكاية باختصار أن المؤلف والمخرج الشاب (نادر سيف الدين) قدم فيلمه (الملحد) عام 2014، أي منذ 10 سنوات فقط، والحقيقة أن الفيلم لم يحقق أي نجاح يذكر في دور العرض، ومر مرور الكرام دون أن يشعر به أحد.
وهذا ليس معناه أن الفيلم كان سيئا، أو أن المخرج (نادر سيف الدين) ليس جديرا بإخراج هذه النوعية الجريئة من الأفلام، على العكس تماما (نادر سيف الدين) مخرج واعد وأمامه مستقبل، كما أنه راقي ومحترم.
(الملحد) مرور الكرام
إذا ماذا حدث ولماذا مر فيلم (الملحد) مرور الكرام؟!، لأننا جميعا منذ عشر سنوات كنا مشغولين بالأحداث السياسية الجسيمة والمتقلبة في مصر، وعمليات الإرهاب والقتل، ومتابعة تصريحات جماعات الإخوان الإرهابية.
وبالتالي تراجع وقتها الاهتمام بمتابعة الأفلام السينمائية التى تطرح في دور العرض تحديدا، عكس المسلسلات التليفزيونية، فعرض فيلم (الملحد) ومن ثم مر مرور الكرام ولم يشعر به أحد.
ولم يستقطب مشاهدات جماهيرية، ولا كتابات نقدية، وبعد سنوات جاء الكاتب الكبير إبراهيم عيسى، والمنتج أحمد السبكي، والمخرج ماندو العدل، وبحسن نية أطلقوا على فيلمهم الجديد إسم (الملحد) لأنه يتناسب مع مضمون فيلمهم.
لأنه (بالعقل كده) لن يعلم كاتب بحجم (إبراهيم عيسى) أن أحدا سبقه في تقديم فيلم بنفس الاسم، ويصر على تقديم فيلم بنفس الاسم، وهو الكاتب الصحفي الكبير ملك العناوين الصحفية، وبالتالي لن يغلب في العثور على اسم لفيلمه الجديد.
هنا وقعت إدارة الرقابة في الخطأ، حيث كان من المفروض أن تنتبه وتطلب بكل هدوء صناع الفيلم الجديد تغيير اسم فيلمهم، بحكم أن الفيلم الأول لم يمر عليه إلا 10 سنوات فقط، وليس 100 سنة!
وبحكم معرفتي بصناع الفيلم الجديد كانوا سيستجيبون على الفور، لأنهم لديهم رسالة يريدون توصيلها، ولن يغير الاسم شيئا من هذه الرسالة!
لكن ماذا نفعل ونقول أن هناك مجموعة من الموظفين في الرقابة!، يتعاملون مع الفن على أنه ورق وتصاريح وأذونات، وحضور وانصراف، وغيرها من المصطلحات الحكومية البيروقراطية التى عفى عليها الزمان!.
الفن والحرية
من يتابع الصورة عن قرب يجد أن أهل الفن في مصر المحروسة مساكين وغلابة، ففي الماضي كانت حريتهم مكبلة بالأغلال سواء من قبل السلطة الحاكمة، أو من جماعات الضغط حين يتعرض الفنانون لمصالح هذه الجماعات.
لكن اليوم (زاد الطين بله) لماذا؟! لأن اليوم ظهر في ظل التكنولوجيا الحديثة ووسائل التواصل الاجتماعي ما يسمى (الذباب الإلكتروني)، هؤلاء الذين ينصبون من أنفسهم حماة الأخلاق طبقا لمفاهيمهم!.
والكارثة والمصيبة السوداء أن وسائل الإعلام تسير ورائهم مغمضة العينين، مسدودة الأنف!، ويتابعون بشغف (الترندات) والهشتجات، والفضائح والمصائب، ولا يتبنون قضية فنية حقيقية.
لذلك فإن الخروج من هذه الدائرة بالنسبة للفنان يظل أمرا بالغ الصعوبة، فجميع هذه الدوائر تتربص بالفنن والإبداع الحقيقي، محتمية بترسانة من القوانين والتعليمات الرقابية المحددة.
أو المطاطة التى تفرض على المبدع دون أن يشعر رقابة ذاتية تكبح جماح خياله، وتعرقل قدراته الإبداعية، وتجعله أسيرا لعشرات المحظورات التى حفلت بها مجموعة القوانين والقرارات الوزارية والرقابية.
لهذا أقول أن الرقابة أصبحت خطر يهدد حرية التعبير في مصر، لأن أول عناصر العملية الإبداعية هى شعور الفنان بحرية التفكير وتمكينه من التعبير عن أفكاره، وما يؤمن به، وأحقيته في انتهاج الوسائل التى يرى أنها أكثر فاعلية في توصيل رؤيته للواقع.
وكشف عناصر الخلل به، واستجلاء ظواهره وتحليلها من خلال العملية الفنية والجمالية، وإطلاع المتفرج على الجوانب التى يجب تغييرها، أو دفعة لإجراءات عملية التغيير ذاتها.
وهو ما قد يتعارض مع سياسات كثير من السلطات غير الديمقراطية التى تسعى عادة لتكريس الواقع وتغييب المواطن واستلاب روحه، وتدمير ملكاته العقلية، وإلغاء قدرته على التفكير والتدبير.