رئيس مجلس الادارة : محمد حبوشة
رئيس التحرير : أحمد السماحي

(عبد الله غيث) يحدث أمينة صبري صاحبة (حديث الذكريات) عن حبه للفن وروعة حسين رياض (2)

* أعتبر أن أعظم مدرسة تخرجت منها هى مدرسة القرية، هذه المدرسة هى التى تعلمت منها التمثيل

* عشقت شخصية (أدهم الشرقاوي)، وتصورت نفسي مكانه لدرجة أنني سميت ابني باسمه

* أول عمل فني شهدته في حياتي (مصرع كليوباترا)، وبهرت انبهارا لا حد له بالفنان حسين رياض

* عشت ست سنوات أزرع الأرض، وأعيش حياة الفروسية الحقيقية، وكانت أسطورة (أدهم الشرقاوي) دائما في ذهني

* القرية لها الفضل الكبير في إجادتي لتمثيل شخصية الفلاح أو الإنسان المصري بكل هذا الصدق والواقعية

* أزعم لنفسي بأنني أحد اثنين صححوا مفهوم شخصية الفلاح المصري في الأعمال الدرامية، الأول هو الأستاذ (شفيق نور الدين) ثم أنا.

مشهد من ايقونته السينمائية (الرسالة)

بقلم الإعلامية الكبيرة: أمينة صبري

مازلنا مع حديث الذكريات للأعلامية الكبيرة أمينة صبري، التى مازالت تحاور فارس المسرح العربي (عبد الله غيث)، عن مشواره في الحياة والفن.

في الحلقة الماضية تحدث (عبد الله غيث) عن حبه للفن منذ الطفولة المبكرة، وصحح معلومة متدوالة خاطئة، وهى أنه يشاع عنه أنه أتي للقاهرة شابا، وهذا غير صحيح!، فهو جاء للقاهرة وهوطفل بعد رحيل والده.

وأشار إلى أن قريته (شلشلمون) لها أهمية تاريخية فيقال إنها كانت عاصمة لمصر وقت حكم سيدنا يوسف عليه السلام.

وأكد أنه نشأ في جو ديني، وهذا كان له أثر عليه كفنان حيث إنه أحب وأجاد إلى حد ما تجسيد الشخصية الدينية والإسلامية، وعشق الشخصية الإسلامية منذ الصغر من خلال الحياة المليئة بعبق الدين الذي عاشه، وهو يحب تمثيل هذه الأدوار لأنها تسري في دمه منذ الصغر.

وصرح أن عمه (عبد الله) الذي سمي على اسمه لو قدر له أن يكون ممثلا كان من الممكن أن يكون أحسن ممثل في العالم.

والآن تعالى بنا عزيزي القارئ نقرأ الحلقة الثانية من مشوار (عبد الله غيث) الإنساني والفني، فإلى نص (حديث الذكريات).

في منزل الوالد والعم وتشربنا أخلاق الفروسية الريفية

* يبدو أن الفروسية سمة أساسية في حياتك وأنا طبعا أقصد أخلاق وشخصية الفارس؟

** (عبد الله غيث): الحمد الله نشأنا أسوياء في منزل الجد الذي تشربنا منه الفروسية الإسلامية، أو في منزل الوالد والعم وتشربنا أخلاق الفروسية الريفية، والشخصية المصرية العظيمة من العم، ولم نشعر ونحن في كنفه أبدا بحالة اليتم التى يشعر بها اليتامي.

كان عمي يهتم بنا اهتماما بالغا، وكان يعتبر نفسه في مقام والدنا، ويعطي لنا الاحترام والاهتمام، وكنا ونحن في القرية نمثل له وللجميع، وكان والدنا العمدة المثقف الأسطورة قبل رحيله يأخذنا معه في الأعياد ونلف على أهل القرية لكي نقدم لهم التهنئة بالعيد، كان يغرس فينا قيم العطاء والوفاء والمحبة.

عملت 6 سنوات فلاح في القرية

* أنت نشأت في ظل جو أسري جميل، سواء في القاهرة أو في القرية، ولكن ماذا عن بداية الفن في حياتك؟

** (عبد الله غيث): أنا أعتبر أن أعظم مدرسة تخرجت منها هي مدرسة القرية، هذه المدرسة هى التى تعلمت منها التمثيل، فلو لاحظتي كيف يحكي الفلاح حكاية ما، تجديه يحكيها لك مصورة في شكل سيناريو.

وتجدي أن الفلاح خياله جامح، وأنا كنت أعيش في القرية حياة مليئة بالفن الفطري خاصة في ليالي شهر رمضان، فكنا نذهب للجرن نلعب الألعاب الريفية القديمة، ثم يبدأ أصحاب الأصوات الجميلة يتغنون بأغاني شعبية ريفية.

ويتساجلوا بالأغاني كما يتساجل الشعراء بالشعر، في هذه الأثناء سمعت موال (الفتى مهران)، وموال (أدهم الشرقاوي)، والذي عشقته عشق، وتصورت نفسي مكانة لدرجة أنني سميت ابني الأول (الحسيني) على اسم والدي، وذلك طبقا للتقاليد، أما ابني الثاني فأسميته (أدهم) حبا في هذه الشخصية.

أما حكاية الفن فلها قصة!، ففي يوم من الأيام ونحن صغار أحببنا أن نذهب لمشاهدة المسرح، وكانت والدتي شخصية فريدة، فقد كانت إمرأة ريفية بسيطة لم تتعلم، ولكنها كانت محبة للثقافة والمعرفة.

فقررت أن تتعلم وهى في الثلاثين، وفعلا تعلمت على يد مدرسات، وأصبحت تهوى القراءة، المهم لم تذهب بنا الوالدة إلى أي مسرح، أو أي مسرحية كوميدية، وإنما ذهبت بنا إلى المسرح الجاد إلى دار الأوبرا المصرية كي نشاهد مسرحية (مصرع كليوباترا) للشاعر أحمد شوقي.

الفنان الكبير حسين رياض

الفنان العظيم حسين رياض

وكان هذا هو أول عمل فني شهدته في حياتي وقد بهرنا انبهارا شديدا، كان شيئا ساحرا، وكانت للأوبرا طقوس للذهاب إليها، لبسنا البدل الغامقة رغم أننا كنا صغار، ولبسنا الطربوش، وذهبنا إلى هذا العالم السحري، كان الجو الذي رأيناه جوا ساحرا، وشيئا رائعا.

كنا نتصور أننا في عالم آخر، عالم أسطوري من أيام ألف ليلة وليلة، حتى الأبطال الذين يمثلون على المسرح كانوا عظماء، وأنا أتذكر (حسين رياض، وزكي رستم، وزينب صدقي، وأنور وجدي، وروحية خالد، وزوزو حمدي الحكيم).

ولقد بهرت انبهارا لا حد له حتى إنه إلى الآن لا تزال صورة الفنان العظيم (حسين رياض) لا تفارقني، وهو جالس يقول المونولوج الذي سينتحر فيه، كيف كانت عيناه تبرقان كالنمر، أنا لا تفارقني هذه الصورة.

وحفظت المسرحية منذ هذه الليلة، حتى أنه لا يزال عالقا في ذهني مقاطع من هذه المسرحية، المهم أننا شاهدنا هذا العالم السحري، وأصبنا أنا وشقيقي حمدي بداء الفن.

الفنان المبدع شفيق نور الدين

* هل صارحتم أحد بهذا أم لا؟ وهل صارحتم أنفسكم أولا؟

** (عبد الله غيث): طبعا فكان أخي حمدي أكبر مني بخمس سنوات، وكان في المرحلة الثانوية، ودخل فرقة التمثيل، وبدأ يمارس هوايته في التمثيل في المدرسة، ولكن عمي العمدة الشيخ (عبدالله) عندما سمع أن حمدي يمثل في المدرسة غضب غضبة عنتريه.

وذهب للمدرسة وتعارك معركة كبرى مع الناظر لأنه يرفض أن يكون ابنه مشخصاتي، وهدد بأنه سيحرمه من مواصلة التعليم في هذه المدرسة التى تريد أن تخرج التلاميذ مشخصتية، وطبالين.

المهم أخفينا على عمي هذه الهواية، وظل حمدي يمارسها في الخفاء عن عمي العمدة، ولكن والدتي كانت تعلم، وذهبت معي لكي ترى حمدي، وهو يمثل في المسرح المدرسي مسرحية (مصرع كليوباترا).

وحدثت حادثة طريفة في هذا اليوم، فقد كان حمدي يمثل دور (أنطونيو) في مشهد انتحار (أنطونيو)، وكيف أنه انتحر بأنه أغمد الخنجر في صدره، فوجئت بوالدتي تصرخ وتقول : (ابني، ابني، ابني انتحر!).

وجريت عليه بعد المسرحية لكي تطمئن بأنه سليم معاف، وكان قد انجرح جرحا بسيطا لأنه لم يكن بعد مكتسبا لحرفية التمثيل.

وأنا أحببت هذا الفن، وأحببت دخول هذا العالم السحري، ولكن من سوء حظي أنني عندما دخلت المدارس الثانوية، كانت كل المدارس التى دخلتها لا يوجد بها فرقة تمثيل.

فظلت رغبة التمثيل مكبوتة بداخلي سنين طويلة، وعندما انتهيت من دراستي الثانوية، كان عمي الشيخ (عبدالله) قد توفى، وكان هو الذي يرعى أمورنا في البلد، وإدارة الأرض الزراعية التى نملكها.

فكان أمامنا خياران، أن أتولى هذه المهمة أو يتولاها أخي حمدي، وحمدي كان يسير في دراسته بشكل ممتاز، وأنا كان داخلي حلم أنا أعيش في القرية، فذهبت فعلا للقرية.

وعشت هناك ست سنوات أزرع الأرض، وأعيش حياة الفروسية الحقيقية، وكانت أسطورة (أدهم الشرقاوي) دائما في ذهني، فعشت حياة الفارس هناك، واستطيع أن أقول إن هذه السنوات الست التى عشتها في القرية كعمدة هي الجامعة التى تعلمت فيها الحياة.

وهى التى لها الفضل الكبير في إجادتي لتمثيل شخصية الفلاح أو الإنسان المصري بكل هذا الصدق والواقعية، وأنا أزعم لنفسي بأنني أحد اثنين صححوا مفهوم شخصية الفلاح المصري في الأعمال الدرامية.

والأول هو الأستاذ (شفيق نور الدين)، فالأستاذ (شفيق) أبدع من مثل الفلاح، فلاح ما قبل الثورة، وأنا بلا غرور أبرع من مثل الفلاح الحديث، فلاح ما بعد الثورة أو الفلاح المقتحم.

فقد كان الممثلون يقدمون الفلاح بشكل ساذج عبيط يختلف تماما عن حقيقة الفلاح الذي يتميز بالذكاء والمكر والخبث أيضا.

الأسبوع القادم نستكمل مشوار الحياة والفن مع فارس المسرح المصري (عبدالله غيث)..  

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.