بقلم الكاتب الصحفي: بهاء الدين يوسف
(كونكورديا) هو اسم المسلسل الذي شاركت في إنتاجه الرابطة الأوروبية للإنتاج التلفزيوني التي تضم التلفزيون الرسمي الفرنسي والألماني ZDF ، إضافة إلى التلفزيون الياباني كذلك، دون وجود تفسير لمشاركة هذا الأخير في رابطة تحمل اسم أوروبا.
مسلسل (كونكورديا)، الذي يصنف ضمن فئة الخيال العلمي تدور أحداثه حول المدينة الفاضلة التي حلم بها وتحدث عنها كثير من فلاسفة القرون السابقة يتقدمهم اليوناني أفلاطون والفيلسوف العربي الفارابي و الايطالي دانتي فضلا عن الأب توماس مور.المدينة الفاضلة كما تصورها كل هؤلاء: هى تلك التي توفر لكل من يعيش فيها القدر الذي يكفيه من الرفاهية المعيشية، ويحظى سكانها بأرقى وأكمل أنواع الخدمات وبأسلوب حضاري بعيداً عن التعقيد وبعيداً عن الروتين.
وهى أيضا مدينة مختلفة عن كل المدن الحقيقية ليس فقط في المظهر العمراني بل في المستوى الحضاري والسكاني وحيث تتجسد الفضائل والمثالية والوعي والرقي في كل وقت بأرقى صورها.
لكن هل هذا الحلم ممكن؟!، سؤال يبدو معقدا لكن الإجابة التي تصل اليها في نهاية المسلسل هى (لا)، لأن العقبة الرئيسية أمام بناء أي مدينة فاضلة هى الإنسان نفسه.
مسلسل (كونكورديا)، حصل على درجة 4.6 من 10 في تقييم النقاد، ومن المفارقات أن عملا يتحدث عن المدينة الفاضلة لا يستطيع أصحابه تقديم الحد الأدنى من الدراما الفاضلة، وربما يكون التصرف المثالي الوحيد لمنتجي المسلسل انهم انتجوا 6 حلقات فقط حتى لا يستمر تعذيب المشاهدين في متابعة دراما تفتقد للكثير من الأساسيات.
الجنة على الأرض
تدور الأحداث في مدينة (كونكورديا) الفاضلة التي تدار بواسطة الذكاء الاصطناعي ويعيش سكانها في أمن وأمان ورخاء ورفاهية، فهي مثل الجنة على الأرض من حيث توفر كل الخدمات التي يحلم بها الانسان وبشكل مجاني.
لكن العيب الوحيد الذي يؤخذ على المدينة كما توضحه الأحداث هى الرقابة المشددة المفروضة على كل سكانها وشوارعها.
رئيسة المدينة (جوليانا) تبرر الأمر بأن هدف الرقابة ليس أمنيا وإنما لمساعدة السكان، فمثلا يستطيع الذكاء الاصطناعي اكتشاف أي اضطراب صحي أو عصبي عند السكان وتنبيه إدارة المدينة لتقديم المساعدة له.
يبدأ مسلسل (كونكورديا)، بمقتل شاب يعمل في شبكة المراقبة التابعة لإدارة المدينة، ونجد محققتين اجتماعيتين (غير مسموح بدخول الشرطة الطبيعية للمدينة الفاضلة) هما (إيزابيل) زوجة (نواه) ابن رئيسة المدينة وذراعها الأيمن، و(ثيا) التي جاءت من لندن تاركة وراءها زوجها وطفلهما وامها التي تعاني من الزهايمر.
تكشف الأحداث أن (ثيا) جاءت لتساعد في اكتشاف الحقيقة بتكليف من المستثمرة الرئيسية في المدينة الفاضلة وهى سيدة عربية من دبي تدعى (فاطمة أمين).
خلال الحلقات تقع جريمة ثانية بمقتل الطبيب (بيتر) صديق (جوليانا) والمشرف على التغطية الطبية في المدينة، حيث وجدت جثته في قاع البحيرة مربوطة بأحجار ثقيلة، واعتبرت الوفاة انتحارا، خصوصا أن الجميع اعتادوا مشاهدة الطبيب يهذي بكلمات غير مفهومة في الأيام التي سبقت موته.
خلال التحقيق تتوصل (إيزابيل) إلى فيديو سجله الشاب القتيل يكشف فيه عن تواطؤ الطبيب (بيتر) مع جوليانا في مذبحة جرت قبل تأسيس المدينة الفاضلة، وكانت سببا رئيسيا في الموافقة على إنشائها، يعرض فيديو لمحادثة بين الاثنين يعاتب فيها (بيتر جوليانا)، أنها لم تتركه يعترف بدوره في المذبحة.
تقرر (إيزابيل) أنها لن تستطيع العيش في المدينة الفاضلة بعدما اكتشفت أن كل ما أحاط بها لم يكن سوى أكاذيب، معتبرة أن حماتها (جوليانا) هى التي تتحمل وزر الجرائم التي وقعت.
لكنها تكتشف لاحقا أن زوجها هو من تورط في قتل الشاب والطبيب بحجة أنهما يشكلان خطرا على المدينة التي يعتبرها حلمه وحلم والدته.
التغطية على الجريمتين
تبلغ (إيزابيل) زميلتها (ثيا) بما عرفته عن تورط (نواه) في القتل لتتولى هى الأمر وتجنبها حساسية مواجهة زوجها بجرائمه، لكن الأخيرة تتواطأ مع (نواه) وأمه.
وتقبل بالتغطية على الجريمتين مقابل حصولها على وظيفة مرموقة في إدارة المدينة وبيت كبير تعيش فيه مع أسرتها التي قامت باستقدامهم من لندن ليعيشوا معا في المدينة الفاضلة.
تنتهي أحداث المسلسل بحفل انضمام مدينة جديدة إلى المدينة الفاضلة بما يشي بتوسع المشروع على حساب القيم الأخلاقية التي يفترض أنها بنيت عليها، ونصل الى حقيقة مؤلمة: أنه اينما وجد البشر فلا أمل في وجود مدينة فاضلة.
فكرة مسلسل (كونكورديا)، جديدة لكن بنائه الدرامي سيء للغاية، فلا ترابط بين الأحداث، فضلا عن ضعف شديد في الإسناد الدرامي للشخصيات التي ظهرت في العمل، فلا نعرف مثلا لماذا ظهرت الأم المصابة بالزهايمر في العمل.
كما لا نعرف سبب اختيار المستثمرة الرئيسية في المدينة لتكون سيدة عربية سوى لكي يتهمها المسلسل على لسان المناوئين لبناء المدينة بأن أموالها مغمورة بالدماء والقتل بسبب استثمارات سابقة لها هى وطليقها مع جهات مشبوهة.