تعرف على الأغنية التى لحنها (محمد عبد الوهاب) على سرير (أحمد رامي)، وسخر منها بيرم التونسي
كتب: أحمد السماحي
كان فيلم (يحيا الحب) هو ثالث أفلام الموسيقار (محمد عبد الوهاب) في السينما المصرية، بعد فيلمي (الوردة البيضا)، و(دموع الحب)، وعرض يوم 24 يناير عام 1938.
وعن حكاية هذا الفيلم يقول مخرجه رائد الإخراج في مصر (محمد كريم) في مذكراته: كنت قد تعرفت على المؤلف المسرحي (عباس علام)، فقرأ على بعض قصصه، لكنني لم أكن أميل إلى إخراج فيلم سبق ظهوره على المسرح.
وفي احد الأيام عرض علي ملخصا لفكرة بسيطة وجدتها مناسبة جدا، وقررت تحويلها إلى فيلم، وقد أصبح الفيلم الغنائي الثالث الذي أقوم بإخراجه لصديقي (محمد عبد الوهاب)، وكان عنوانه (يحيا الحب).
وعلم (محمد عبد الوهاب) بموضوع الفيلم وأعجب به، ولا أنسى العناء الضخم الذي لاقيناه في إعداد القصة للسينما مع (عباس علام)، فقد كان آية في الكسل، ويعمل بمزاج.
وقد تنقضي أسابيع قبل أن يكتب سطورا في حوار القصة، وكان لي صديق اسمه (محمد جمال الدين رفعت) درس في فرنسا لمدة 12 سنة في مدرسة الفنون الجميلة، وعلى ثقافة عالية، فأستعنت به يكتب أجزاء من الحوار.
ثم استعنت بالفنان (عبد الوارث عسر)، الذي وجدته من المخالطة، جديرا بكل حب، وتقدير، ويمتاز بيقافة واسعة واطلاع كبير، واحترام كامل للمواعيد، وهى نقطة لها وزنها عندي، حتى أننى أرى في إحترام الوقت آية تكامل الشخصية للناس جميعا.
ليلى مراد .. أول مرة
فضل (محمد عبد الوهاب) أن تكون البطلة التى تعمل معه مطربة، ورشح لي آنسة اسمها (ليلى مراد) وتمنى أن تعجبني ولا سيما من ناحية القوام، ولما رأيتها في منزله وافقت على قوامها باستثناء جزء من جسمها لا حيلة لها فيه.
وتذكرت أنني رأيتها في حفلة خاصة تغني مع تخت وسررت من صوتها، وكان والداها هو المطرب والملحن المشهور (زكي مراد) قد زارني ومعه ابنته، ووجدتها خجولا إلى أبعد حد، ولكنها تمتاز بالأدب والظرف.
ولم تكن لديها حاسة التمثيل، ولابد من تعليمها طريقة التعبير بالوجه والحركة، وقد كان، وبدأ الشاعر (أحمد رامي) يكتب أغاني الفيلم، و(محمد عبد الوهاب) يلحن.
(محمد عبد الوهاب): (يا وابور قولي)
إلى هنا وانتهى كلام مخرجنا الكبير (محمد كريم)، ونأتي إلى حكاية أغنية (يا وابور قولي)، فيقول الموسيقار (محمد عبد الوهاب): قدمت في هذا الفيلم 4 أغنيات منفردة.
وهى (أحب عيشة الحرية، يا دنيا يا غرامي، يا وابور قولّي، الظلم ده كان ليه) وقدمت اثنين من الديالوجات الغنائية أو (الديو) مع المطربة (ليلى مراد)، وهما (يادي النعيم، طال انتظاري لوحدي).
وغنت ليلى مراد وحدها أغنيتين هما: (يا قلبي مالك كده حيران، يا ما أرق النسيم)، وغنت المطربة رئيسة عفيفي أغنية (يلي زرعتوا البرتقال)، وكل هذه الأغنيات تأليف الشاعر (أحمد رامي)، وقدمت قصيدة غنائية بعنوان (عندما يأتي المساء) كلمات الشاعر محمود أبوالوفا.
ونظرا لكثرة عدد الأغنيات في الفيلم فكنت أطارد الشاعر (أحمد رامي) يوميا للكتابة، خاصة وأن المخرج محمد كريم كان يعاني في اختيار فريق عمل الفيلم، وفي التحضير للتصوير، وكنت لا أريد إرهاقه في مسألة حضور جلسات الأغنيات.
ويستكمل (محمد عبدالوهاب) كلامه قائلا: ومن الأغنيات التى كتبت ولحنت في ظروف غريبة أغنية (يا وابور قولي)، فهذه الأغنية لحنتها من فوق سريرأحمد رامي، فمن عادة (رامي) أنه يؤلف أغانيه وهو نائم على أرض الغرفة، فصعدت فوق سريره، وأمسكت العود، وتحت السرير كان (أحمد رامي) نائما يضع كلمات الأغنية.
وكلما انتهى من مقطع أسرع يناولني إياه لأبدأ في تلحينه على الفور، ثم يبدأ في تأليف مقطع جديد، وهكذا حتى انتهى من كلمات الأغنية، وانتهيت من التلحين، وفي اليوم التالي سجلت فرقتي اللحن.
ضجة بسبب (يا وابور قولي)
بعد عرض فيلم (يحيا الحب) ورغم روعة الأغنيات التى قدمت فيه، وإعجاب الجمهور، وكثير من الأدباء والمثقفين بها، لكن كثير منهم لم يعجبه أغنية (يا وابور قوللي رايح على فين).
وكتب أحد كبار الصحفيين والنقاد ينعي على (محمد عبد الوهاب) الهبوط بموسيقاه في الأغنية، ووصفها بأنها كلام فارغ تأليفا ولحنا، واستعوض الله خيرا في (أحمد رامي) مؤلف الأغنية، وفي (محمد عبد الوهاب) ملحنا.
وسخر الشاعر الكبير (محمود بيرم التونسي) من كلمات الأغنية في أغنيته الشهيرة (يا أهل المغنى دمغنا وجعنا دقيقة سكوت لله) حيث قال:
ردى عليه يا طيور بينادى
وارمى له الجناجين
وأنت كمان يا وابور الوادى
قول له رايح على فين
قول له اياك يرتاح يا وابوره
ويريحنا معاه
يا أهل المغنا دماغنا وجعنا
دقيقة سكوت لله
دا احنا شبعنا كلام ماله معنا
يا ليل ويا عين ويا آه
الجمهور له رأي آخر
يقول مخرج الفيلم (محمد كريم) قمنا بالعديد من الدعايات المبتكرة لفيلم (يحيا الحب) فمثلا في أحد أيام العرض، تم عرض الفيلم بمصاحبة (محمد عبد الوهاب) لأول مرة في العالم كله.
وكان يضاف إلى ثمن التذكرة خمسة قروش في اليوم الذي يغني فيه (محمد عبد الوهاب)، الذي كان يفاجئ الجمهور بغناء أغنية من الفيلم، في الليلة الأولى مثلا عندما جاء عرض أغنية (يا وابور قولي) توقفت آلة العرض.
وأضيئت الأنوار وفتح الستار على (محمد عبد الوهاب) وسط فرقته الموسيقية كاملة، وغنى الأغنية، وكانت الأغنية التى تستغرق في الفيلم دقائق يغنيها على المسرح في أكثر من ساعة مما أثر على إيرادات الفيلم فتوقفنا عن هذه التقليعة.