رئيس مجلس الادارة : محمد حبوشة
رئيس التحرير : أحمد السماحي

محمود حسونة يكتب: على إيقاع (ميّاس).. (لبنان) يتحدى الحرب!

بقلم الكاتب الصحفي: محمود حسونة

إذا كان الله قد ابتلى (لبنان) بسياسييه الذين حاولوا إغراقه في مستنقع الفتن والفوضى والأزمات، فقد أنعم عليه بشعبه المعطاء الكريم العاشق لترابه والعاشق للحياة المقاوم لكل محاولات تقزيمه وهدمه.

ولا يمكنك أن تسبر أغوار هذا الشعب وتعرف جوهره وأصالة معدنه إلا إذا عشت معه، وتنقلت بين ساحل (لبنان) وجباله ووديانه وسهوله، والتقيت أناساً من طوائفه المختلفة، لتدرك أنه شعب مختلف يتمسك بحقه في الحياة مهما دقت حوله طبول الحرب وانتشرت في صحافته محرضات الفتنة وغطت شاشاته صور وأصوات دعاتها.

ومَن يعرف جوهر الشخصية اللبنانية يعي أن الحرب الأهلية الطويلة التي اكتوى الجميع بنارها لم تكن بإرادة لبنانية، ولكن بإرادة خارجية وإخراج دولي ونفذها بدقة هواة السلطة الطامعين فيها.

وأن الهدف منها لم يكن مجرد دفع اللبنانيين للتطاحن والتنابذ ونشر الكراهية بينهم بل كان الهدف هو إسقاط (لبنان) من على عرشه السياحي والفني والثقافي والمالي، وهو ما نجح فيه المتآمرون عليه.

ويكفي أن آخر فصول اسقاطه أن يتحول نظامه البنكي من أكثر الأنظمة موثوقية في العالم إلى نظام عَجَز أن يرد لمودعيه حقوقهم المالية، ناهيك عن أزماته في تشكيل حكومة والتوافق على رئيس جمهورية عدة مرات بعد أن غاب التوافق بين سياسييه ومن يديرونهم من وراء البحار.

توترات المنطقة وإصرار (إسرائيل) على إشعال حرب إقليمية، والحرب المشتعلة بين حزب الله والجيش الاسرائيلي، والتي تجاوزت قواعد الاشتباك المعمول بها بينهما إلى الضاحية الجنوبية لبيروت أكثر من مرة، والتحذيرات المتوالية من دول مختلفة في العالم لرعاياها بعدم السفر إلى (لبنان).

والتي وصلت إلى دعوات لمغادرته فوراً إلى أي مكان آخر، كل ذلك لم يرهب اللبنانيين، ولم يجبرهم على تغيير برامجهم الصيفية.

عبير نعمة نجمة الحفل
لم يقتصر الأمر على الحفلات، ولكن هناك الكثير من العروض المسرحية وعروض (الاستاند أب كوميدي)

الإعلانات تلاحقنا في الشوارع

قضيت في (لبنان) إجازة كانت أكثر من ممتعة، تجولت وأسرتي بين مناطقه المختلفة، جبالاً وساحلاً وودياناً وسهلاً، وأينما ذهبنا تلاحقنا في الشوارع إعلانات الحفلات الغنائية لنجوم من لبنان ومصر ودول عربية مختلفة.

بل ولنجوم عالميين، وفي الساحات والميادين العديد من المسارح المكشوفة في الهواء الطلق لهذه الحفلات، وتتابع أخبار هذه الحفلات لتجد أن الاقبال عليها كثيف.

لم يقتصر الأمر على الحفلات، ولكن هناك الكثير من العروض المسرحية وعروض (الاستاند أب كوميدي)، وفي أي بلد في العالم لا ترى عروض الألعاب النارية سوى ليلاً، ولكن في (لبنان) تسمعها نهاراً وفي كل الأوقات.

ثاني أيام اغتيال (إسرائيل) للمسؤول العسكري الأول لحزب الله (فؤاد شكر) الملقب بالحاج محسن، وفي يوم تشييع جنازته، والذي ألقى خلاله (حسن نصرالله) خطاباً، دعانا (أنا وأسرتي) رجل الأعمال اللبناني (باسكال كرم) وزوجته السيدة ميراي سلوم (ابنة عم زوجتي) لحضور حفل ضمن العائلة في واجهة بيروت البحرية لفرقة (مياس).

وهى الفرقة التي حصلت على المركز الأول في برنامج (آراب جوت تالنت)، كما فازت بالمركز الأول لبرنامج  (America’s Got Talent) التلفزيوني، وأبهرت لجنة التحكيم والجمهور في البرنامجين وقدمت عروضاً في أمريكا ودول أخرى لتبهر الحضور أياً كانت جنسيتهم أو لغتهم أو عرقيتهم.

بعد اغتيال (شكر)، وفي ظل حالة الترقب العالمية لاشتعال حرب إقليمية تنطلق من (لبنان) وإسرائيل إلى المنطقة، توقعت إلغاء الحفل، ولكن خابت توقعاتي.

ذهبنا إلى هناك وأنا أتوقع عزوفاً جماهيرياً عنه خوفاً من الاشتعال المرتقب، ولم تخب فقط توقعاتي، ولكن أذهلني الإقبال الجماهيري غير المسبوق، مسرح مكشوف قالوا إنه يسع 9 آلاف متفرج لم يكن فيه كرسي واحد شاغر.

بل أنّ أسعار تذاكره تضاعفت ولقيت رواجاً في السوق السوداء لمن لم يجد مكاناً لها من خلال الحجز الاليكتروني، فالحجز كله أون لاين، وأبلغني مضيفنا أنهم قاموا بالحجز بعد نصف ساعة من فتح باب الحجز، ورغم ذلك لم تكن جميع التذاكر متجاورة بسبب شدة الاقبال!

الاسنعراضات والألعاب النارية في نهار لبنان
شعب يريد الحياة وهذه الارادة هى التي تمنحه القدرة على تجاوز الأزمات التي يفتعلها سياسيوه

شعب يريد الحياة

هذا هو الشعب اللبناني الذي ينطبق عليه قول الشاعر أبوالقاسم الشابي (إذا الشعب يوماً أراد الحياة فلا بد أن يستجيب القدر، ولا بُدَّ للَّيْلِ أنْ ينجلي ولا بُدَّ للقيدِ أن يَنْكَسِرْ، ومَن لم يعانقْهُ شَوْقُ الحياةِ تَبَخَّرَ في جَوِّها واندَثَرْ).

فهو شعب يريد الحياة وهذه الارادة هى التي تمنحه القدرة على تجاوز الأزمات التي يفتعلها سياسيوه ويخطط لها المتربصون به من الخارج، وهو شعب يعانقه شوق الحياة ويمنحه القدرة على العيش والاستمتاع والسهر والغناء والرقص والإبداع.

الشعب الذي تتمكن منه إرادة الحياة، ويحبط كل مؤامرات من يريدون قتل هذه الارادة بداخله، لا يتحرك بشكل أهوج، ولم يكن إقبال الناس على عرض فرقة (ميّاس) تهوراً، ولكنه أمر محسوب ومحسوم، والناس تعي أنها لا تذهب للفراغ ولا للوهم.

ولكنها ذاهبة للاستمتاع بعرض يستحق منهم النزول من بيوتهم وقطع مسافات من مناطق (لبنان) المختلفة ليلتقوا سوياً في العاصمة (بيروت)، العاصمة التي تسعى لأن توحد اللبنانيين بعد أن فرقتهم الحرب الأهلية وصراعات السياسيين الذين يبحثون عن مكاسب شخصية صغيرة ولو كان الثمن خسائر كبيرة للوطن.

فالعرض كان وطنياً، وعنوانه (قومي)، يعني الكثير ويختصر الكثير، خاطب بيروت مستعرضاً تاريخ صمودها، وبلوحات مبهرة قدّم حضارات لبنان.

جمع الناس من الشمال والجنوب ومن الجبل والساحل، ومن الوادي والسهل على مساحة المسرح المحددة، صفقوا سوياً واستحسنوا جميعهم العرض، الذي سرد لهم قصة بيروت المدينة التي لا تموت ولن تموت.

وحكى لهم بلغة الجسد وعلى إيقاع الموسيقى وبكلمات شعرية مؤثرة التاريخ الحضاري للبنان الكبير، وإسهامات مختلف مناطقه في صناعة حضارته، وصفحات من صموده الشعبي ضد أطماع إسرائيل والطامعين الآخرين في الماضي والحاضر. ولم يغفل العبور إلى أوجاع (لبنان) من فساد سياسييه، الذين فجروا مرفأ بيروت ولم يعاقبوا المتسببين في قتل أبنائه حتى اليوم.

حضارات (لبنان) صنعتها كل مناطق لبنان، وصاغها في استعراضات راقصة (نديم شرفان)، الذي أسّس فرقة عالمية من العدم، وأصبحت أحد معالم الفن اللبناني في العالم، وكتب أشعارها الشاعر (علي المولى) وقدم الحفل الإعلامي (ريكاردو كرم).

وشاركت في العرض صوتياً الفنانات (كارمن لبس وتقلا شمعون وندى بو فرحات وسينتيا كرم وعبير نعمة).

[email protected]

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.