بقلم الكاتب الصحفي: أحمد الغريب
يبدو واضحا استعانة (الدعاية الإسرائيلية) ببعض الأقلام الغربية المعروفة بولائها التام لتل أبيب، لتسويق أكذوبة النصر الزائف والبطولة المطلقة واليد الطولى لأجهزة الأمن الإسرائيلية، برز منها المدعو (رافائيل بارداجي) المستشار السابق للأمن القومي للحكومة الإسبانية.
النتائج التى كشفها استطلاع للرأي أجرته صحيفة (معاريف) وأظهرت معها أن 69% من الإسرائيليين يؤيدون اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة (حماس) إسماعيل هنية، حتى لو أدت إلى عرقلة صفقة تبادل الأسرى، عكست معها حقيقة مدى توغل الفاشية الصهيونية داخل المجتمع الإسرائيلي.
وأكدت معها على توافق المزاج العام للجمهور مع الخطى العدوانية للجيش والمتواصلة على غزة منذ عشرة أشهر.
تلك النتائج جاءت على الرغم من إجماع المحللين في الصحف الإسرائيلية على أن الاغتيالات ما هى إلا (إنجاز تكتيكي)، مع اعتبارها (فشلا استراتيجيا) لمفهوم (الأمن الإسرائيلي).
مع تقديرات مفادها (أنه بإمكان إسرائيل أن تغتال المزيد من القيادات السياسية والعسكرية من فصائل المقاومة، لكن دون أن تتمكن من (القضاء على حماس)، أو حل المشكلة الاستراتيجية مع قطاع غزة).
فضلا عن التشكيك في (استعادة إسرائيل للردع بسبب الاغتيالات، بل والتأكيد على إنه مهما كانت عمليات الاغتيال معقدة ومثيرة للإعجاب ومبررة إسرائيليا، لكن ليس هناك ثمة قناع على الإطلاق أنها تسهم بإعادة الردع المفقود).
الأمر الذى جاء ليؤكد معه على أن أجهزة الدولة الإسرائيلية تتجاوز أي انتقادات داخلية لها وتسعى قدر إمكانها لتمرير وتسويق روايتها الكاذبة على المستويين الداخلى والخارجي.
فلو كانت حقا بمثل هذه القوة والقدرة الاستخباراتية لنجحت فى تعقب واسترجاع أسرها لدى المقاومة، لكنها ظلت تسوق أكاذيبها أملا منها فى السيطرة على الرأي العام الإسرائيلي والغربى على حد سواء.
وهو ما ظهر جليا من انحياز كامل لها منذ بداية العدوان على غزة في 7 أكتوبر، حيث أخذت وسائل الإعلام الغربية على وجه الخصوص موقفاً منحازاً بشكلٍ واضح لصالح إسرائيل، مع تجريد الفلسطينيين من إنسانيتهم.
التسويق للنصر الزائف
اللافت فى هذا السياق كان استعانة (الدعاية الإسرائيلية) ببعض الأقلام الغربية المعروفة بولائها التام لتل أبيب، لتسويق أكذوبة النصر الزائف والبطولة المطلقة واليد الطولى لأجهزة الأمن الإسرائيلية، برز منها المدعو (رافائيل بارداجي) المستشار السابق للأمن القومي للحكومة الإسبانية.
وهو أحد أدوات الدعاية الإسرائيلية فى وسائل الإعلام الأمريكية الناطقة بالإسبانية – يتابعها نحو 56 مليون أمريكي من أصول لاتينية – بتحليل له نشره موقع (voz) الأكثر انتشارا لدى الناطقين بالإسبانية فى الولايات المتحدة الأمريكية.
وذلك تحت عنوان (تحيتان للموساد)، أقل ما يقال عنه أنه بحر من الأكاذيب التى تروج لها تل أبيب عبر عملاءها المنتشرون فى الإعلام الغربى.
إذا راح (رافائيل بارداجي)، يتحدث عن بطولات أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية التى أثبتت من خلال نجاحها فى تنفيذ عملياتى اغتيال (إسماعيل هنية) خلال زيارته لطهران، وقبلها بساعات فى اغتيال القيادى بحزب الله (فؤاد شكر).
حيث قال (رافائيل بارداجي) إنها في طليعة أجهزة الاستخبارات العالمية وإنها أثبتت مجدداً مدى تمكنها من الرد على التهديدات التي تتعرض لها (الدولة اليهودية).
ولم يكتفي (رافائيل بارداجي) بذلك، بل راح ليقنع جمهور القراء بأن إخفاق الاستخبارات الإسرائيلية التى حاول البعض اتهامها بالفشل فى توقع هجوم حماس فى السابع من اكتوبر وردعه قبل وقوعه.
ما هو إلا (إخفاق مؤقت) يتشابه تماما مع إخفاق الاستخبارات الأمريكية فى توقع وردع هجمات (تنظيم القاعدة) في الحادي عشر من سبتمبر2001، وهو ما أعده بمثابة حالة من الاخفاق والافتقار إلى الخيال، والتردد في مواجهة الخيارات التخريبية.
المفاجأة المأساوية في حرب 1973
وزاد (رافائيل بارداجي) على ذلك بتأكيده على (أن الاستخبارات الإسرائيلية وفى أعقاب المفاجأة المأساوية التي أحدثتها حرب 1973، أدخلت تغييرات عميقة من أجل تجنب المزيد من المفاجآت، من خلال تأسيس وحدة استخباراتية خاصة مكلفة بدراسة الافتراضات والسيناريوهات والأفكار التى يخطط لها العدو..
فضلا عن زيادة نشاط سائر أجهزة الاستخبارات بتعدد مسمياتها بافتراض أنه كلما زادت عدد العيون، كلما قل عدد الأشياء التي قد تفلت أو تمر دون أن يلاحظها أحد).
(رافائيل بارداجي)، حاول الدفاع عن فضيحة الاستخبارات الإسرائيلية فى توقع هجوم حماس، الذى وصفه (بالهجوم الذى جاء ليضع حدا لفكرة إسرائيل المعصومة عن الخطأ في عملياتها الاستخباراتية ولفكرة إسرائيل التي لا تقهر).
ذلك بسبب (تعدد الجبهات والجهات التى تقاتلها إسرائيل ليس فقط في غزة، بل وفي الشمال ضد حزب الله، وفي سوريا ضد الميليشيات الإيرانية، وفي اليمن ضد الحوثيين وأيضا ضد النظام الإيراني الذي يهدد وجود الدولة اليهودية ذاته).
زاعما أن النجاحات التي حققتها الاستخبارات الإسرائيلية بأكملها، من (الاستخبارات العسكرية- أمان) إلى (الاستخبارات الخارجية – الموساد)، مرورا (بالاستخبارات الداخلية – الشاباك)، منذ بداية الحرب التي شنتها حماس، هى نجاحات جديرة بالملاحظة.
وكان أولها اغتيال القيادى بفيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني في لبنان (محمد رضا زاهدي)، على الرغم من تدابير الحماية الذاتية غير العادية التي اتخذها قادة الحرس الثوري منذ اغتيال (قاسم سليماني)، وهو ما عده مثالاً واضحًا على قدرات الاستخبارات الإسرائيلية.
أما العملية الثانية وبحسب (رافائيل بارداجي)، فكانت قصف الطيران الإسرائيلي لمنطقة (المواصي)، جنوب غرب غزة، والنجاح فى قتل القائد العسكري لحماس (محمد الضيف).
ومشيرا إلى أن نجاح العملية سببه نشاط جهاز (الشاباك)، ولا يمكن اعتبارها إلا نجاحًا استخباراتيًا إسرائيليًا، أما العملية الثالثة، فكانت اغتيال (فؤاد شكر)، الذراع اليمنى لزعيم حزب الله حسن نصر الله، والمسؤول عن الهجوم على القوات الأمريكية في لبنان عام 1983.
من هو (رافائيل بارداجي)
والذي أسفر عن مقتل 241 من مشاة البحرية، فضلا عن مسؤوليته عن الهجوم الصاروخي الذي أصاب ملعب كرة قدم في بلدة (مجدل شمس) الدرزية بالجولان، وأرجع الفضل لنجاحها لقدرات الاستخبارات العسكرية التي حددت مكان وجود (شكر) في منزل داخل حي الضاحية جنوب بيروت.
ثم راح يتحدث عن العملية الرابعة والمتمثلة فى اغتيال (إسماعيل هنية)، ومؤكدا على أن العملية تشكل رسالة واضحة ليس فقط لقادة حماس.
بل وللنظام الإيراني (مفادها أنه ينبغي لهم أن يشعروا بالانزعاج والخوف من قدرات إسرائيل الاستخباراتية)، وختم تحليله بالحديث عن (أن الحرب ليست استمرارا للسياسة بوسائل أخرى فحسب..
بل إنها نشاط يتجاوز بالفعل ساحة المعركة التقليدية وتعد فيه العمليات الاستخباراتية جزءا لا يتجزأ من هذه الجبهة الحربية الموسعة، وهو ما يؤكد معه على أن كل شيء يشير إلى بقاء إسرائيل في المقدمة في هذا المجال).
بعيدا عن أوهام النصر الزائف، ربما يكشف ما كتبه المدعو (رافائيل بارداجي)، عن ساحة أخرى تمتد فيها يد السيطرة الفكرية والمعلوماتية الإسرائيلية، إلا وهى ساحة الرأى العام لجمهور الامريكيين من ذوى الأصول اللاتينية وهم فئة لا يستهان بها فى المجتمع الأمريكي.
ولها حضور واسع فى المشهد السياسي بالولايات المتحدة، فضلا عما لها من تاثير بالغ على الانتخابات الرئاسية الأمريكية – قارب عدد المواطنين المنحدرين من بلدان أمريكا اللاتينية فى الولايات المتحدة والمؤهلين للتصويت، نحو 56 مليون من أصل لاتينى بين 325 مليون من سكان الولايات المتحدة.
لذا وجدت إسرائيل إنه من الأهمية بمكان تشغيل واستخدام (رافائيل بارداجي)، المستشار السابق للأمن القومي للحكومة الإسبانية، والمحلل بصحف غربية عدة منها، (التلغراف) البريطانية، و(الباييس) الاسبانية، و(ألجماينر) الامريكية.
والضيف الدائم بقناة C-SPAN المتخصصة فى نقل وقائع جلسات مجلسي النواب الشيوخ الأمريكي، فضلا عما ينشره من دراسات فى العديد من مراكز الأبحاث الأمريكية والغربية والإسرائيلية.
ومنها (Gatestone Institute)، و(Jerusalem Center For Public Affairs) و(Begin-Sadat Center for Strategic Studies) و(مجموعة الدراسات الاستراتيجية).
علاقة (رافائيل بارداجي) الفعلية بإسرائيل ترجع لعام 2011، من خلال ارتباطه الوثيق منذ ذاك الوقت بما يعرف (بالمؤتمر اليهودي العالمي) (World Jewish Congress).
وهي منظمة دولية تعمل على ربط وحماية المجتمعات اليهودية على مستوى العالم، في أكثر من 100 دولة، نجحت فى استمالته وتشغيله ودفعه للترويج لكل ما يملى عليه من أكاذيب فى الإعلام الغربى.
أحد المتعاونين مع (نتنياهو)
(رافائيل بارداجي) أحد رموز اليمين الإسباني، يقدم نفسه بوصفه صهيوني دعما لإسرائيل وعضوا في مبادرة (أصدقاء إسرائيل في إسبانيا)، كما يعد أحد المتعاونين مع (بنيامين نتنياهو) والتسويق له بين الأمريكيين ذوى الأصول اللاتينية من خلال حملات العلاقات العامة.
ونجح منذ هجوم السابع من أكتوبر فى تسويق فكرة (أن المستقبل الوحيد الذي يمكن التخطيط له هو اختفاء (حماس)، واستمر ار الحرب الإسرائيلية في غزة حتى تنفيذ تلك الغاية).
ليس ذلك فحسب بل يعد أحد المتعاونين مع (بنيامين نتنياهو) أحد الإعلاميين الغربيين الذين تلقوا أمولا ضخمة من إسرائيل نظير الهجوم والتصدي لحملات حركة المقاطعة، وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات (Bds) – حركة تضم العديد من الجماعات المناهضة للصهيونية بهدف تحقيق ثلاث نقاط أساسية من القانون الدولي وحقوق الإنسان في فلسطين:
إنهاء الاحتلال، إنهاء الفصل العنصري، وضمان حق العودة للاجئين الفلسطينيين – وذلك من خلال تخصيص وزارة الشؤون الاستراتيجية الإسرائيلية 60 مليون يورو، لتمويل الدعاية السياسية.
فضلا عن نشر دعاية في وسائل الإعلام داخل إسرائيل وخارجها منذ عام 2017، وكان (رافائيل بارداجي)، أحد الرموز الرئيسية في الحملة التى هاجمت حركة المقاطعة.
التحريض على مصر
الأخطر من ذلك ما نشره (بارداجي) بموقع (Club libertad digital) – أحد أدوات اليمين الإسباني- تحت عنوان: (ماذا تعني إسرائيل بالنسبة لي؟)، وأكد فيه بوضوح “إنه ليس يهوديا).
لكن حياته مرتبطة بطريقة أو بأخرى بمصير إسرائيل، وأعرب عن استغرابه من رفض قبول إسرائيل كدولة غربية بالكامل، فهي تقع في الشرق الأوسط، لكنها ليست شرق أوسطية.
وتحدث عن هوايته كمصور فوتوغرافي تحت الماء، وما جلبه معه المصريون إلى البحر الأحمر بعد الانسحاب الإسرائيلي من سيناء، واللامبالاة الإدارية والدمار الاجتماعي الذي جلبوه معهم منذ عام 82.
وزاد على ذلك بقوله: (هجمات القرش التي يتعرض لها السائحون أحيانًا يشاع هناك إنه مخطط لها من قبل الموساد، وعلى الرغم من معاهدة السلام الموقعة بدماء السادات، إلا أن الإسلام ما زال يغذي الكراهية لإسرائيل).
وقال (في اليوم الذي التقيت (نتنياهو)، أثرت في الصورة التي رأيتها له، في أحد الأيام على الشاطئ، مع عائلته محاطًا بالحراس الشخصيين؛ وتعكس هذه الصورة غير العادية التهديد المستمر الذي يخيم على إسرائيل طوال 62 عامًا من وجودها..
تلك الصورة المفجعة تذكير جيد بما يعنيه العيش تحت تهديد وجودي، وأيضاً لأنه يرمز إلى قوة شعب بأكمله في البقاء على قيد الحياة في بحر من العداء، وكيف يمكن تحقيق مستقبل ينعم بالسلام، بحدود آمنة ويمكن الدفاع عنها”.
هذا المدعى يرى أن (مشكلة إسرائيل هى أن الحروب لم تعد تُخاض بالطريقة التي يريدها المرء، حيث تعلم أعداءها الدرس جيداً، وهو أنه ليس من مصلحتهم الوقوف في وجه جنود الجيش الإسرائيلي.
ومن هنا أفسحت طائرات ودبابات حروب 1948 و1956 و1967 و1973 الطريق للإرهابيين، وللانتحاريين، كما تتم محاربتها على كل الجبهات الممكنة، القانونية والمؤسساتية والثقافية والاقتصادية والتجارية.
لأن ما يتم السعي وراءه هو فكرة إسرائيل ووجودها، وهم يحققون أهدافهم إلى حد كبير من خلال حملة عالمية لنزع الشرعية عن الدولة اليهودية، وختم بقوله (إسرائيل بالنسبة لي الآن، منارة ترشدنا، معقلًا ننقذ به أنفسنا، أرض الأمل).
وربما يمثل ما ورد فى هذا المقام نسبة ضئيلة للغاية من أفكار وطروحات (بارداجي)، العبثية لكنها محاولة للكشف عن أساليب الزيف والتضليل التى تتبعها إسرائيل للسيطرة على الرأي العام الغربي.
فى وقت لا زلنا فيه بعيدا تماما عن امتلاك الأدوات والوسائل التى يمكن من خلالها مناصرة الحق الفلسطيني.. والحديث موصول.