بقلم الكاتبة الخليجية: زينب علي البحراني
مُنذُ انطلاقته بأغنية (كل القصايد) اختطف المطرب اللبناني (مروان خوري) إعجاب الجمهور بمُختلف شرائحه، وتوالَت أعماله التي تستحق وصف (راقية) عن جدارة صاعدةً به نحو عرشٍ فني استثنائي لا يليق إلا به.
فهو من الفنانين القلائل الذين يجمعون بين الذكاء الشخصي والموهبة والمشاعر المُرهفة والثقافة الموسيقيَّة العميقة تُرافقها ثقافة عامَّة مُغلفة برؤية فلسفيَّة للحياة البشريَّة وحكمة الكون.
وبما أن تلك التركيبة المُتميزة جزء من شخصية (مروان خوري) لطالما لاحظنا انعكاسها على كثيرٍ من أغانيه التي طرقت بمعانيها أبوابًا غير مطروقة في هذا الفن، ولعل من أبرزها أحدث أغانية المُنطلقة عام 2024م بعنوان: (الأنا)
* مُجازفة موفقة!
(الأنا) التي كتب كلماتها (علي المولى)، وأخرج الفيديو كليب الخاص بها (وليد ناصيف)، ووزع ألحانها (عمرو الخضري)، كانت اختيارًا موفقًا للنجم (مروان خوري)، الذي غنَّاها ولحَّنها رغم أن مثل هذا الخيار يُعتبر (مُجازفة) بمقاييس هذا العصر وظروفه الفنيَّة وتغيُّر أمزِجة المُستمعين.
لكن (مروان خوري) أثبَت – كالمُعتاد – أنهُ (ورقة رابحة) أينما وُجِدَت ستُحقق فوزًا حتى في الأعمال التي تخسر رهانات الفوز لو تم اختيار غيره لها.
فرغم أن كلمات الأغنية تنتمي لـ (المدرسة الرومانسيَّة) التي تهتم بمشاعر الإنسان وتغوص في أعماقها لمحاولة استكشاف خباياها وأسرارها؛ إلا أن موضوع الأغنية لا يحكي عن قصة حُب بما فيها من لقاءٍ وخلافٍ وهجرٍ وفراق.
بل عن إحدى الغرائز النفسيَّة المُتجذرة في وجدان الإنسان بوجهٍ عام؛ وهى غريزة (الأنا) وفي الأغنية يؤكد (مروان خوري) وجودها – ليسَ عنده وحسب – وإنما لدى الجميع، إلا أن هناكَ من يُتقنون إخفائها ومن تظهر عليهم بوضوح فيُكتشف أمرهم، وبينما يبدأ الأغنية بسؤالٍ للآخر قائلاً:
(بتعرف لك شي حدا مش أناني؟
ما بيبني سعادتو عضهر التاني؟!)
يجد المُستمع نفسهُ أمام مُفاجأة هذا السؤال غير المتوقع بالنسبة لمُعظم الناس الذين لم تسبق لهم مواجهة أنفسهم بهذا النوع من التساؤلات، ثم يأتي الجواب مُباغتًا السامع بكلمات الأغنية:
(كلنا عنَّا الأنا..
والله مش بس أنا..
في ناس بتخبيا..
وناس بتبيّنا..
عنَّا طبع غريب
مفكرين الأرض
بتبرم كرمالنا
منستكتر حالنا
عاللي قبالنا
ما بدنا نعيش لحدا
بس بدنا الكل
يعيش كرمالنا)
ثم يُنهي (مروان خوري) الأغنية بمزيدٍ من الحكمة في لحظة مواجهةٍ صريحة بين النفس البشريَّة ومطامعها غير المُشبعة بقوله:
(بدنا شوية من كل شي..
عطول بدنا أكتر..
منجرب نكتفي ما منقدر).
ليس لكُل فنان القُدرة على الجمع بين النجاح الفني والنجاح الجماهيري مع أغنية جادَّة من هذا النوع وبهذا العُمق ما لم يكُن فنانًا استثنائيًا بمواهب يصعُب أن تتكرر.
* فنان لا يخذل جمهوره
و(مروان خوري) حقق تلك المُعجزة بصوته وألحانه الخلابَين قبل إطلالته المعروفة بجاذبيتها الفريدة من نوعها على الشاشة، فجذب جمهوره سريعًا نحو صدمة مواجهته مع ذاته.
وغاصَ به إلى عالمٍ من الحكمة والموضوعيَّة واكتشاف الحقيقة، مُقدمًا كُل ذلك في وجبةٍ تنتمي كل مقاديرها للمدرسة الفنية الرومانسية.
ففضلاً عن كون مضمون الأغنية المُهتمة بسر من أسرار النفس البشريَّة التي تتبع تلك المدرسة؛ نرى الألحان والأداء ومشاهِد الطبيعة الخلاَّبة ومظهَر (مروان خوري) وملابسه كُلها من رعايا تلك المدرسة بامتيازٍ لا شك فيه.
ما أضفى عليها طابعًا من الفخامة، ووسعَ من شريحة الفئة العُمريَّة المُستهدفة لها.
إن (مروان خوري) من الفنانين الذين لا يخذلون جمهورهم أبدًا، إذا كتبَ أغنية فإن الكلمات تولد مؤثرة من وحي الحالة الشاعريَّة المُرهفة التي يمرُّ بها وقتها.
وإذا غنَّاها بصوته تدفقَت بأعمق أحاسيسه، وإذا لحَّنها تمسُّ مشاعر المُنصتين بفخامةٍ وكبرياء وعنفوانٍ أنيق.
لقد وُلِدَ بموهبةٍ إلهيَّةٍ تجعل منهُ ظاهرة من ظواهر العصر الفريدة، وليسَ مُجرَّد (صِناعة تجاريَّة) يتم تركيبها بعشوائيَّة لكسب المال وإن أفسَدَت الذوق العربي العام وشوَّهَت ذائقة المُستمعين.
والحقُّ أن لُبنان بلدٌ يُسجل امتيازًا في إنجاب هذا النوع من الفنانين الصامدين على الساحة رغم مُختلف التحديات في هذا العصر، إنهم يصنعون زمنًا جميلاً داخل زمن الفوضى والعبَث.
ويحملونَ رسالتهم الفنيَّة السامية لتكونَ شمعةً في وجه زحف الظلام، مُتخذينَ من دعم جمهورهم وقودًا لمسيرة خطواتهم، لا سيما وأن هذا الجمهور العاشق للإبداع الحقيقي الأصيل أكبر مما توحي به مساحات التفاهة الممتدة يومًا بعد آخر.