كتب: محمد حبوشة
أي عقل خرب ذلك الذي ربط بين استشهاد بطل سيناء (أحمد منسي)، وبين الشهيد الفلسطيني (إسماعيل هنية)، فقد راق للإعلام المصري هذا الربط التعسفي في أعقاب اغتياله في طهران قبل أربعة أيام، من جانب الكيان الصهيوني المحتل للمقدسات والتراب الفلسطيني برمته.
والسؤال: لماذا تبنى حفنة من إعلامي وكتاب مصر الأغبياء نظرية المؤامرة، وكأنهم يروجون لانتصار مزيف حققه الإرهابي (بنيامين نتنياهو) باغتيال (إسماعيل هنية)، في إطار حربه القذرة في غزة والضفة والقدس نفسها؟
ظني أن الإعلام المصري فقد بوصلته عندما اعتلاه شرازم لا تفهم ولا تعني الحقائق الغائبة، وراحوا بدم بارد يقذفون بالشهيد (إسماعيل هنية) في أتون حرب الإرهاب في سيناء، وكأنه متهم أم متورط فيه، وهو الذي أحب مصر طوال حياته، ودائما ما كان يقدر دورها التاريخي في دعم القضية الفلسطينية.
أيها الأغبياء لم يثبت بالوثائق الدامغة أنه كان هناك اتصال بين (إسماعيل هنية)، والمعزول (محمد مرسي) من قريب أو بعيد في أحداث 25 يناير 2011، ولم تثبت أيضا صلة واضحة على تورط (حماس) في دعم الجماعة الإرهابية في فترة حكمها لمصر.
(حماس) أيها الجهلة، حركة مقاومة إسلامية مسلحة تدافع عن أرض فلسطين على مدار تاريخها، ومنذ إنشائها وهى لا تجد بديلا لاسترداد فلسطين السليبة سوى المقاومة على الأرض بأسلحة متواضعة مقابل ترسانة رهيبة من السلاح والعتاد الصهيوني، وأضيف لها مؤخرا تأييد دولي في حربها في (غزة).
كان حتما ولابد من تخلص إسرائيل من (إسماعيل هنية)، الذي كان يحاربها من خارج الأرض، وذلك بتصريحاته النارية في أعقاب (طوفان الأقصى)، حيث أكد رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، أن الاحتلال فشل بتحقيق أهدافه المعلنة في حربه على غزة.
وذلك رغم المجازر والتدمير، مشددا على أن (الطريقة الوحيدة لخروج أسرى الاحتلال أحياء هي عبر الإفراج عن أسرانا).
تصريحات (إسماعيل هنية)
قال (إسماعيل هنية) في كثير من تصريحاته: (الأهداف المعلنة للحرب على غزة هى القضاء على حركة حماس واسترداد الأسرى، وتنفيذ خطة التهجير..
وأقول لكم إن العدو رغم التدمير والمجازر قد فشل في تحقيق أي هدف من أهداف الحرب، وشدد على أن حماس موجودة في غزة والضفة والقدس وفي الشتات، وفي ضمائر الأمة وأحرار العالم، ولا يمكن القضاء عليها).
كما لفت في أعقاب انتصارات المقاومة التي تحققت في 7 أكتوبر 2023، إلى أن الاحتلال فشل في كل أهدافه العسكرية، ونجح في شيء واحد، وهو كشف وجهه الدموي القاتل أمام كل العالم بعد ارتكابه كل هذه المجازر.
ولعل أبرز تلك التصريحات قوله: (بعد نحو 100 يوم، فشلت الاستخبارات الصهيونية وحليفتها الغربية وطائرات مسيرة تحلق فوق غزة، فشلوا جميعا في تحرير أسير واحد على قيد الحياة من قطاع غزة)، فما بالك من قرب تلك الحرب من 11 شهرا الآن؟
وقال (إسماعيل هنية) في تلك الأثناء: (سقط هدف التهجير، بفعل صمود شعبنا وانغراسه في أرضنا، وعندما سمح لهم، دخل أهل غزة العالقين خارجها، إلى غزة، ولم يخرج أهل غزة إلى خارجها).
ونبه إلى أن (ما يجري في الضفة الغربية خطير وكبير، والعدو ينكل بأهلها وقد ارتقى قرابة 350 شهيدا منذ طوفان الأقصى)، بينما زاد العدد إلى أكثر من 40 ألف شهيد، غير الجرحى الذين يزيدون على الـ 80 ألفا.
وأشار (إسماعيل هنية) في تقيمه للموقف السياسي للقضية، إلى أن هناك 3 تطورات سبقت (طوفان الأقصى)؛ الأول: تهميش القضية الفلسطينية محليا ودوليا، والتطور الثاني: مجيء حكومة صهيونية متطرفة وضعت على رأس أولوياتها تهجير شعبنا وفرض السيادة على المسجد الأقصى.
والتطور الثالث: عمليات التطبيع ودمج الاحتلال في المنطقة والتعامل معه على حساب شعبنا وقضيتنا، وأكد رئيس المكتب السياسي لحماس أنه وأمام التطورات السابقة، شعبنا الفلسطيني ومقاومتنا قررا أن واقعا بهذا الشكل لا يمكن مجابهته بوسائل تقليدية، فكان (طوفان الأقصى).
وقال إن الاحتلال الإسرائيلي أعلن تطبيق الأحكام العسكرية العرفية أيضا على أبناء شعبنا في داخل الخط الأخضر.
وأكد (إسماعيل هنية): أن خسائر الاحتلال في فلسطين يوميا على يد أبطال المقاومة أكبر بكثير مما تعلن عنه إسرائيل.
فيديوهات كتائب القسام
وبين أن الفيديوهات التي تصدرها كتائب القسام وفصائل المقاومة عن عمليات الالتحام هي أيضا قليلة مقارنة بما يجري في الميدان، لأن ليس كل العمليات يتم تصويرها.
وقال قبل ثمانية أشهر: (يوم أمس تحدث الإعلام الصهيوني عما سماه أصعب يوم علينا في غزة، انظروا إخواني بعد قرابة 100 يوم يتحدثون عن أيام صعبة لأن هناك رجالا صدقوا ما عاهدوا الله عليه).
وشدد (إسماعيل هنية): على أن جبهة المقاومة في غزة جبهة قوية متماسكة واعدة ولديها نفس استراتيجي طويل، وقيادة وتحكم وسيطرة، وهذا مبعث فخر لكل أبناء الأمة وأحرار العالم.
(إسماعيل هنية) – الذي أصبح شوكة في خصر العدو يجب خلعها – أكد في أكثر من مناسبة أن الوضع الإنساني في غزة كارثي بكل ما تحمله الكلمة من معنى ولا يمكن وصفه مطلقا.
وفي هذا الإطار، شدد على أن (دور الأمة وعلماءها كبير على محور دعم المقاومة)، وقال: (نرى أن دول العالم تصب السلاح إلى الاحتلال عبر جسور جوية وحاملات طائرات، وآن الأوان لدعم المقاومة، لأن هذه معركة الأقصى، وليست معركة الشعب الفلسطيني وحده).
وقال (إسماعيل هنية): (يا أحرار الأمة، قلما يجود الزمان بهذه اللحظات التاريخية، إياكم أن تفلت منكم، لأنها إذا فلتت لا ندري كم نحتاج من عقود، وإن شاء الله لن تفلت)، مشددا على أن المنطقة كلها على صفيح ساخن، وهناك جبهات عسكرية مساندة، وهناك حراك عالمي.
جدير بالذكر أن سيرة (إسماعيل هنية) تقول – بحسب موقع الجزيرة -: هو قيادي سياسي فلسطيني، وأحد رموز حركة المقاومة الإسلامية (حماس، ترأس الحكومة الفلسطينية بعد فوز الحركة بتشريعيات 2006، إلى أن أقاله رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية (محمود عباس) في يونيو/حزيران 2007.
ولد (إسماعيل عبد السلام أحمد هنية) يوم 23 يناير 1962 في قطاع غزة بمخيم الشاطئ للاجئين، الذي كانت أسرته قد لجأت إليه من قرية (الجورة) الواقعة في قضاء مدينة عسقلان المحتلة.
درس المرحلتين الابتدائية والإعدادية في مدارس وكالة (غوث) وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا)، وحصل على الثانوية العامة من معهد الأزهر، ثم التحق بالجامعة الإسلامية في غزة عام 1987 وتخرج فيها بدرجة البكالوريوس في الأدب العربي.
برز (إسماعيل هنية) خلال مرحلة الدراسة الجامعية عضوا نشطا في مجلس اتحاد الطلبة، إلى جانب اهتمامه بالأنشطة الرياضية، كما شغل عدة وظائف في الجامعة الإسلامية بغزة قبل أن يصبح عميدا لها عام 1992، كما تولى عام 1997 رئاسة مكتب الشيخ (أحمد ياسين) بعد إفراج إسرائيل عنه.
اعتقالات (إسماعيل هنية)
اعتقلت سلطات الاحتلال الإسرائيلي (إسماعيل هنية) للمرة الأولى عام 1987 بُعيد اندلاع الانتفاضة الفلسطينية، ولبث في السجن 18 يوما، ثم اعتقل للمرة الثانية عام 1988 لمدة ستة أشهر.
دخل (إسماعيل هنية) السجن الإسرائيلي مجددا عام 1989 بتهمة الانتماء إلى حركة حماس، حيث أمضى ثلاث سنوات معتقلا، وبعدها نفي إلى منطقة (مرج الزهور) في جنوب لبنان، لكنه عاد إلى قطاع غزة بعد قضائه عاما في المنفى إثر توقيع (اتفاق أوسلو)، وأصبح رئيس الكتلة الإسلامية في الجامعة الإسلامية بغزة.
ترأس (إسماعيل هنية) قائمة التغيير والإصلاح التي حصدت أغلبية مقاعد المجلس التشريعي الفلسطيني في الانتخابات التشريعية المنظمة مطلع يناير 2006، وأصبح رئيسا للحكومة الفلسطينية التي شكلتها حماس في فبراير 2006.
تعرض (إسماعيل هنية) لمحاولات اغتيال ومضايقات، حيث جرحت يده يوم 6 سبتمبر 2003 إثر غارة إسرائيلية استهدفت بعض قياديي (حماس) من بينهم الشيخ أحمد ياسين، ومنع من دخول غزة بعد عودته من جولة دولية يوم 14 أكتوبر2006.
كما تعرض موكبه لإطلاق نار في غزة يوم 20 أكتوبر2006، أثناء صدام مسلح بين حركتي (فتح وحماس)، واستهدفت إسرائيل منزله في غزة بالقصف في حروبها على غزة سعيا لاغتياله.
أقاله رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس يوم 14 يونيو 2007، بعد سيطرة كتائب الشهيد عز الدين القسام، الجناح العسكري لحركة حماس، على مراكز الأجهزة الأمنية في قطاع غزة حسما لانفلات أمني دام شهورا في القطاع، وقد رفض (إسماعيل هنية) هذا القرار وواصل رئاسة ما يسمى (الحكومة المقالة) التي تتخذ من غزة مقرا لها.
حرص (إسماعيل هنية) على فتح الباب أمام المصالحة الوطنية مع السلطة الفلسطينية، وأعلن قبوله التنازل عن رئاسة الحكومة المقالة في إطار مصالحة شاملة تكون حكومة وفاق وطني أبرز ثمارها.
ونتيجة لذلك تم الإعلان عن حكومة جديدة يوم 2 يونيو 2014 برئاسة الأكاديمي (رامي الحمد الله)، وهنأ (إسماعيل هنية) الشعب الفلسطيني بتشكيل الحكومة الجديدة قائلا: (إنني أسلم اليوم الحكومة طواعية وحرصا على نجاح الوحدة الوطنية والمقاومة بكل أشكالها في المرحلة القادمة).
(هنية) رئيسا للمكتب السياسي
اختاره مجلس شورى حماس رئيسا لمكتبها السياسي يوم 6 مايو 2017 بعد انتخابات متزامنة أجريت في العاصمة القطرية الدوحة وغزة عبر نظام الربط التلفزيوني (الفيديو كونفرنس).
وكان يفترض أن يسافر عدد من قادة حماس من غزة إلى قطر – وعلى رأسهم (إسماعيل هنية) – للمشاركة في الانتخابات، إلا أن إغلاق معبر رفح حال دون اتمام عملية الانتخاب.
وجرت الانتخابات – حسب وكالة أنباء الأناضول – بين ثلاثة من القادة، وهم (إسماعيل هنية وموسى أبو مرزوق)، نائبا (خالد مشعل)، والعضو السابق في المكتب السياسي (محمد نزال).
أدرجت وزارة الخارجية الأميركية يوم 31 يناير 2018 اسم (حماس) على (قوائم الإرهاب)، وجاء هذا القرار في فترة توتر الأوضاع بين واشنطن والفلسطينيين بسبب قرار الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، وهو القرار الذي أصدره الرئيس الأميركي آنذاك دونالد ترامب.
ووصفت حركة (حماس) القرار بأنه (مثير للسخرية)، وأضافت : (كأننا كفلسطينيين نبحث عن شهادة حسن سلوك عند أميركا).
ولكل الأسباب السابقة، ولأجل تاريخ الشهيد (إسماعيل هنية) العنيد الصلب في المقاومة، كان لابد أن يسجل (نتنياهو) انتصارا وهميا يرضي به شعبه المنقسم عليه، وهاهو قد نجح في إطالة أمد حكومته العنصرية التي تسعى لإبادة الشعب الفلسطيني بكامله باغتيال (هنية).. ولكن لا أظن أنه سيحقق هدفه، فالنصر سيكون قريبا بإذنه تعالى.
وأخيرا أقول لمن يقود دفة الإعلام المصري: كفانا جهلا ، فليس من الحكمة خلط لأوراق بهذه الطريقة الساذجة ، رعوا ضمائركم، واحترمو عقولنا، سوف يأتي اليوم الذي يحاسبكم فيه التاريخ ويعريكم جراء كل هذا العبث، وتضليل شباب هذا الوطن كي يتنزع القضية الفسطينية من العقل الجمعي حتى تسقط إلى الأبد!!!