بقلم الكاتب الصحفي: محمد حبوشة
كتبت في هذا المكان (بوابة شهريار النجوم) قبل عام، عن النجمتين المصريتين (منى زكي) و(فاتن حمامة)، كحالتين فريدتين في الذكاء الفني والمجتمعي في مصر والعالم العربي، فالاثنتين امتلكتا أدوات إقناع الجمهور بالدور التي تقدمه، وليس ذلك لكونهما تمتلكان للموهبة الفطيرية في التمثيل فقط.
بل امتلكتا ثقافة واسعة، جعلتهما محط أنظار الجمهور وووسائل الإعلام، وقلت: إن الأمر المؤكد أن ذكاء (منى زكي)، هو الذي يقود إلى الموهبة، ويعمل على تطويرها وتهيئة كل الظروف إليها حتى تتمكن من الخروج إلى الدنيا في قالب متميز يصلح لكي يفيد الآخرين ويساهم في تطوير المجتمع .
واستطردت في هذا المقال قائلا: هناك أشكال وأنواع كثيرة من المواهب التي دفنها أصحابها في داخلهم ومنعهم الخوف من الفشل ومن كلام الناس على أن يفيدوا الآخرين ويستفيدوا من نعمة أنعم الله عليهم بها.
ومنهم من هو مؤمن بموهبته وقدراته مثل (فاتن حمامة) و(منى زكي)، وربما هذا ما جعلهما قادرتين على فعل الكثير، وقادرتين على تحدي نفسهيما والتخلص من كل الإحباطات وعوامل اليأس للخروج بأجمل ما لديهما من مواهب لإعمار الأرض ومساعدة الآخرين.
ومن هنا لست أدري ماهو الذكاء الذي دفع الفنانة (منى زكي) لعمل فيلم عن (أم كلثوم) في هذا الفترة الحساسة من تاريخها الفني، وظني أنها ستنسف هذا التاريخ بمجرد إطلالتها في هذا الفيلم، فلا حجمها يؤهلها للعب دور (أم كلثوم)، ولا ملامحها تقترب من كوكب الشرق من قريب أو بعيد، ولا تملك صوتا رخيما يشجعها على هذا.
والأمر المؤكد أنه ستعقد مقارنة ظالمة بين (منى زكي)، والفنانة القديرة (صابرين)، التي جسدت ببراعة مطلقة دور (كوكب الشرق)، وذلك مستوى حجم الجسم والصوت، والأداء الخرافي الذي أهلها لتجسيد شخصية (أم كلثوم) على نحو جيد، حتى أننا نسينا (صابرين) الممثلة، وتذكرنا طوال الوقت (أم كلثوم) بشحمها ولحمها وكاريزمتها.
موهبة (منى زكي)
بحسب تعريف عالم النفس (لايوك): الموهوب هو ذلك الفرد صاحب الأداء المميز عن غيره من أقرانه؛ عالي الأداء بشكل كبير في العديد من المجالات الموسيقية والفنية والرياضية وطرق التعبير عن الشخصية في أشكالها المختلفة.. يقصد التمثيل بالطبع.
وكأن (لايوك) يشير إلى موهبة (منى زكي) – التي تضعها الآن على المحك -، وهو نفس ما أكده العالم النفسي (فلدمان): الموهوب هو القادر على التفاعل مع كافة المظاهر والظروف المختلفة في عالم التجربة والقدرة على خلق أعمال جيدة من كل شيء يقابله.
وكذلك الموهوب على حد قول (كارتر جول): هو ذلك الفرد الذي يملك القدرة في مجال مختلف عن غيره وهى ليست بالشائعة بين البشر بشكل عادي؛ وهى المقدرة الطبيعية التي حباها الله بعض عباده عن غيرهم وتنمو القدرات مع التدريب والتعليم، فهل تخيب (منى زكي) رجائي في اعتذراها عن هذا الفيلم قبل أن يرى النور؟
ظني أن الميزانية الضخمة التي رصدها المستشار (تركي آل شيخ)، و(هيئة الترفيه) لا يمكن أن تثني أي فنان مهما كان موهبته وذكائه مثل (منى زكي)، وغيرها من نجوم الصف الأول في مصر مثل زوجها (أحمد حلمي)، الذين يدخلون في مجازفة غير محسوبة على الإطلاق.
وفي هذا الصدد أذكر (منى زكي) في لقائها قبل سنة تقريبا، حين أجرت حوارا كاشفا مع الإعلامي الكبير (محمود سعد)، فقد تحدثت عن بدايتها المتواضعة، ورفض الأب والأم في البداية لامتهانها مهنة التمثيل، إلا أن موهبتها فرضت نفسها فتحولت دفة الرفض إلى وجهة المساندة والتأييد لكل خطواتها في مجال التمثيل.
ولعل أكثر ما أعجبني أكثر في حوار (منى زكي) لمحمود سعد قولها: إن لديها وسيلة تلجأ إليها للتخلص من الغضب والضيق، وهى التأمل والقرب من الله، فهل استخارت المولى عز وجل قبل الدخول في فيلم (أم كلثوم)، الذي أري أنه محكوم بالفشل للأسباب التي ذكرتها عن تكوينها النفسي والجسماني؟
في حوار (منى زكي) مع (محمود سعد)، كشفت عن معدن (منى زكي) الفنانة والإنسانة النفيس حقا، فحين تطرقت إلى بعض طقوسها اليومية قالت: (بعمل تأمل وبقرب من ربنا، مش الحاجات العادية اللي بنعملها كل يوم، بقرب أكتر وقتها بحس أن لازم أتكلم مع ربنا وبفضل أقول: أنا عملت كذا وكذا ليه دا يحصلي؟
وأقوله: يرضيك أنا عارفة أن دا ميرضكش لأن عارف أن جوايا إيه)، فهل سألت المولى عز وجل عن إقدامها على تجربة فيلم (أم كلثوم)، والتي ستضعها حتما في مأزق حقيقي؟، وخاصة أنها تابعت: (بيحصل حوار كبير وعياط بحس أن عندي غضب، لكن ارتحت من جوايا من لحظة الفضفضة وإن ربنا سمعني).
انتقادات (منى زكي)
الأمر اللافت للنظر في هذا الحوار تعليق النجمة (منى زكي) على الانتقادات التي واجهها البوستر التشويقي لمسلسل (تحت الوصاية) قبل النجاح الكبير الذي يحققه العمل لاحقا، قائلة: (أنا مبشوفش أي ست قبيحة، كل ست عندها جمال مختلف ومميز)، فهل يتكرر نفس الشئ في بوستر فيلم (أم كلثوم).
وأضافت: (أنا واقعية على الأرض ولامسة الواقع على الرغم من الخيال اللي موجود في شغلنا، ودا ضروري عشان أكون متوقعة أي حاجة تحصل أو تتغير)، فهل ياترى راجعت حسابتها قبل الإقدام على تجسيد شخصية (أم كلثوم)؟، أم أنه يعتبر تحديا غير محسوب بالنسبة لها، وعليها أن تتحمل النتائج الوخيمة التي تترتب على فشل التجربة.
لقد ذهبت (منى زكي) في هذا الحوار بنوع من الحنين والشجن المحبب للحديث عن تجربتها في مسلسل (تحت الوصاية)، وتطرقت لمشاهد بعينها هى التي حركت مشاعر الجماهير نحو التعاطف معها والتأكيد على قدرتها التمثيلية فائقة الجودة.
ولعل مشهد المحكمة ودموعها المتحجرة وهى تخشى أن تحرم من طفليها، يؤكدان تفوقها المثير بأداء صادق معبر عن مخاوفها وصدماتها، فهل نتوقع منها أن يكون حديثا بعد الفيلم بنفس النبرة خاصة في حال فشله المؤكد.
لعل التركيز على دور بطلة فيلم (أم كلثوم) الفنانة منى زكي وأدائها ربما لا يعكس حيزا لا بأس به من المساحة الواسعة والارتفاع العالي الذي سببته قفزات نجاحات (تحت الوصاية) منذ اليوم الأول من حلقاته.
وفي النهاية لابد لي أن أسجل ملاحظة مهمة جدا: إن (منى زكي) تتبع منهج (ستانسلافسكي)، في كيف يكون الممثل مقنعا مقبولا متلائما مع نفسه دوره بكامل شكلا ومضمونا و بمنطق لا يقبل الشك.
وهذا يحتم عليه أن يعيش الواقع لا أن يمثله، هذه الحتمية تلزمه أن يكون حيا، حيويا، يتنفس الحياة بصدق ويضفي على الشخصية حضورا حيا، ذو نظام يستند إلى القوانين الطبيعية في الحياة، شرط امتلاكه التلقائية المطلوبة في الأداء، وهو على ما أعتقد لن يتحقق في فيلم (أم كلثوم).
ربما جانب من هذا تحقق تماما كما فعلت (منى زكي) طوال مسيرتها في تفاعلهما مع المراحل المختلفة في حياة الشخصيات التي جسدتها والذهاب بها نحو آفاق أرحب في فضاء التمثيل الحقيقي.
أعلم أنه من الصعب جدا الآن اعتذار (منى زكي)، عن لعب دور البطولة في فيلم (أم كلثوم)، ومع ذلك لابد لي من تحية لمنى زكي كسيدة جديدة للأداء الراقي على الشاشة المصرية والعربية ومن هنا أتمنى لها النجاح.