رئيس مجلس الادارة : محمد حبوشة
رئيس التحرير : أحمد السماحي

(روزليوسف).. (إحسان عبد القدوس)، والرجل الذى في بيتهم (8)

بقلم الكاتب والأديب: محمد عبد الواحد

بجرأتها المعهودة كصاحبة مجلة نشرت (رزوزاليوسف) مقالات قضية الأسلحة الفاسدة .. وبجراتها المعهودة كأم كان كاتب هذه المقالات هو ابنها (إحسان عبد القدوس) مهاجما فساد القصر وتواطؤ بعضا من رجال الوزارة.

كانت  المقالات صارخة الجرأة جرسا تردد صداه في آذان الجمعيات السرية التي كانت تضم الكثير من أفراد الضباط الأحرار، لتكون تلك هي نقطة البداية للعلاقة بينهم و بينه، وقد تيقنوا من فائض وطنيته من ناحيته  فوضعوا ثقتهم فيه و في جرأته التي تصل إلى حد التهور ليوظفوها في خططهم.

جسد (إحسان عبد القدوس) بداية هذه العلاقة في روايته (في بيتنا رجل) التي تحولت إلى فيلم هو احدى أيقونات السينما المصرية، ليقوم ببطولته (عمر الشريف، زبيدة ثروت، رشدى أباظة) وغيرهم.

أما عن (هذا الرجل) فقد كان هو حسين توفيق الهارب من البوليس السياسى.. وأما عن “البيت” فقد كان هو بيت (إحسان عبد القدوس) في شارع القصر العينى.

قام (حسين توفيق) بمشاركة محمد أنور السادات في اغتيال (أمين عثمان).. أما عن أمين عثمان فقد اتفقت الخلية الوطنية على قتله لتقربه الشديد للإنجليز وتبنيه لبعض مواقفهم، والتي لخص قوتها في قوله: (إن علاقة مصر ببريطانيا علاقة زواج كاثوليكى لا طلاق فيها).

وقد رد (مصطفى باشا النحاس) في مذكراته على اتهام أمين عثمان بأنه كان رجل وطنى مخلص ووفدى أصيل، وأن تقربه للإنجليز كان بتوجيهات (النحاس) نفسه كى يحافظ على قناة اتصال متينة معهم للاستمرار في مفاوضات الجلاء التي انتابها الفشل كثيرا و على مدار سنوات طويلة.

وقد استغل النحاس في ذلك أن (أمين عثمان) هو سليل أسرة أرستقراطية درس بجامعة أكسفورد البريطانية، وتشبع بالثقافة الإنجليزية، ويؤمن بضرورة استفادة مصر من تقدم الإنجليز الحضاري.

ترقى (أمين عثمان) إلى أن أصبح وزيرا للمالية في الوزارة الوفدية

(أمين عثمان) وزيرا للمالية

وقد اكتسب بالفعل ثقة الإنجليز مما سهل الكثير من ترتيب اللقاءات والاجتماعات المؤهلة للتفاوض حول الجلاء في المستقبل، وقضايا أخرى حاضرة، والمساعدة على تمكين الوفد مرات عدة من تشكيل الوزارة تحقيقا للإرادة الشعبية، وقد ترقى (أمين عثمان) إلى أن أصبح وزيرا للمالية في الوزارة الوفدية.

أما (حسين توفيق)، فقد كان في صغره الابن المدلل لعائلة أرستقراطية.. أبوه هو وكيل أول وزارة المواصلات.. وأمه ذات أصول تركية.

اشترك (حسين) مع زملائه في المرحلة الثانوية في حرق أكثر من ثلاثين سيارة للجيش الإنجليزي.. وكون (حسين) جماعة سرية من التلاميذ لمهاجمة العساكر الإنجليز القاطنين في معسكرات المعادى بالإضافة إلى الاعتداء على بعض من اليهود.

إلا أن هذه العمليات كانت تتسم بالعشوائية حتى التقى (حسين توفيق) بشاب يكبره بسبع سنوات هو (محمد أنور السادات).. أقنع السادات (حسين) أن قتل إنجليزي واحد يساوى قتل ألف يهودي.

وقتل مصري واحد متعاون مع الإنجليز يساوى قتل ألف إنجليزي – بالمناسبة كان هذا هو ذات  المبدأ الذى طبقه من اغتالوا (السادات) فيما بعد لقناعتهم بأنه متعاون مع العدو الاسرائيلى – و لتنفيذ هذه القناعة بدا السادات في تدريب حسين على  استخدام القنابل.

كانت أول العمليات المشتركة لهما معا هى محاولة اغتيال (النحاس باشا) أثناء خروجه من بيته في (جاردن سيتي) في طريقه لإلقاء خطبة بمناسبة المولد النبوى الشريف.

لكن في لحظة  القاء حسين للقنبلة على سيارة (النحاس)، كان السائق قد انحرف متفاديا ترام قادم لتصطدم القنبلة بأتوبيس، وتصيب بعضا من ركابه دون أن يمس (النحاس) باشا أي ضرر.

أما العملية الثانية المشتركة بين (السادات) و(حسين توفيق) فقد كانت تستهدف (أمين عثمان) لتنفيذ قرار الجماعة باغتياله لينتظراه أمام عمارة رقم 14 بشارع عدلى.

وقبل صعود (أمين عثمان) السلم ناداه (حسين توفيق) و بمجرد التفاته عاجله (حسين) بثلاث رصاصات استقرت في بطنه ليسقط أرضا مدرجا بدمائه.

يهرب (السادات) إلى الإسماعيلية ويتنكر هناك في شخصية سائق لورى، ثم مقاولا لألنفار حتى تم القبض عليه فيما بعد وتقديمه للمحاكمة.

أما (حسين) فقد انطلق يجرى مختفيا في الزحام.. لتعلن الحكومة مكافاة 5000 جنيه لمن يرشد في القبض عليه مما صعب أمام الحركة مهمة إخفائه، ليقع اختيارهم على بيت (إحسان عبد القدوس).

في بيت (إحسان عبد القدوس) عاش (حسين توفيق) مختبئا في غرفة مكتبه المغلقة

توريط (إحسان عبد القدوس)

يدخل (إحسان عبد القدوس) في الواحدة صباحا إلى بيته مصطحبا معه الشخص الذى تطلبه مصر كلها.. باركت (روزا اليوسف) قرار ابنها الذى سره إليها.

كانت الحركة قد اختارت  (إحسان عبد القدوس)، لأنه صحفى مشهور يصعب الشك في توريط نفسه في مثل هذا العمل بعكس أي شخص اخر مغمور بعيدا عن الأضواء.

كما أن لدى (إحسان عبد القدوس) أطفال صغار يصعب الشك في تعريضه إياهم للخطر، أو احتفاظهم كأطفال بسر خطير مثل هذا السر.. كما أن شقة (إحسان عبد القدوس) تقع في شارع القصر العينى في وسط البلد، بعكس ما يلجا إليه الهارب عادة في أماكن خارج المدينة أو على أطرافها.

في بيت (إحسان عبد القدوس) عاش (حسين توفيق) مختبئا في غرفة مكتبه المغلقة دائما ولا يخرج منها أبدا.. حتى أن إحسان عندما يتوجه إلى عمله يظل حسين قابعا داخل الغرفة.

أحست زوجة (إحسان عبد القدوس) ذات يوم بينما (حسين) خارجا من المكتب متجها إلى الحمام أن الطباخ قد لمحه من الظهر، ونقلت إحساسها لإحسان، واقترحت عليه أن يرتدى لفوره نفس ملابس (حسين) ويخرج مرة أخرى أمام الخادم كى يقطع عليه شكوكه.

بالفعل نفذ (إحسان عبد القدوس) الخطة ليستمر (حسين توفيق) لثلاثة أسابيع كاملة، بعدها تم تهريب (حسين توفيق) إلى سوريا، فاشترك هناك في عمليات إلقاء قنابل على المعبد اليهودى بدمشق.

وحينما ذاع صيته استقطبته بعض الأحزاب المتناحرة هناك ليشترك في عمليات اغتيال المعارضين، حتى تم القبض عليه ومعاقبته بالحكم بالإعدام.

حينما نجحت الثورة في مصر همس (السادات) في أذن عبد الناصر بضرورة إنقاذ زميلهم القديم (حسين) من حبل المشنقة السورية.. بالفعل يستخدم عبد الناصر كل ثقله و كاريزميته المتصاعدة في هذا التوقيت وينقذه من الإعدام ليعود إلى مصر.

لم يركن (حسين) في مصر إلى السكون، لكنه سرعان ما انضم إلى الحركة النشطة في هذا التوقيت وهى حركة الإخوان المسلمين، ليقود بنفسه مجموعة كان على رأس مهامها اغتيال عبد الناصر لتفريطه في السودان.

اشتد غضب عبد الناصر من إحسان عبد القدوس

اشتد غضب عبد الناصر 

عند القبض على بعض عناصر هذه المجموعة تم الإرشاد عن (حسين توفيق) ليغضب عبد الناصر بشدة من رد الجميل بمثل هذا النكران .. فأمر بسجنه.

واشتد غضب عبد الناصر حينما سربت إليه أجهزته كتابة (إحسان عبد القدوس) لرواية (في بيتنا رجل) يمجد فيها شخصية من قاد محاولة اغتياله، بل  تحول الرواية الى فيلم من إخراج (هنرى بركات)، ليتحول بعدها (حسين) إلى بطل شعبى مما سبب تصدعا هائلا في العلاقة بين عبد الناصر و(إحسان عبد القدوس).

 بعد سنوات وحينما علم (حسين) في سجنه بأن السادات قد أصبح رئيسا للجمهورية رفع إليه التماسا للإفراج عنه، مذكرا إياه بسنوات نضالهما المشترك من أاجل حرية الوطن.

لكن السادات قد عرف تمكن طبيعة القاتل فيه وأنه لم يعد يأمن بأن يقتله هو شخصيا فرفض التماسه ولم يتم الإفراج عنه إلا عام 1983 ليخرج من السجن إلى بيته، وقد تغيرت الوجوه والأحوال، ولم يجد أي ثمن لما قام بفعله طوال السنوات الماضية، ولم يجد أحدا يتذكر له دورا.. أي دور.. فتمدد على فراشه ليموت.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.