بقلم الشاعر الكبير: إبراهيم رضوان
كان شك (عبد الهادى) في زوجته (ليلى) وصديقه (رمزى) يوخز صدره وروحه.. وصل القطار الذى عاد به فجأة إلى المنصورة.. خرج إلى ميدان المحطة المزدحم.. كان يجري في الشارع كالمجنون.. يدفع الناس بكتفيه فيلعنونه وهم يترنحون أو يتساقطون دون أن يلتفت إليهم.
وصل إلى الشقة المشتركة التي يعيش فيها هو و(ليلي) وابنته.. وجد باب الحجرة مغلقا كالعادة.. اقترب حثيثا من الباب يتسمع.. أصواتا غريبة خافتة تختلط داخل الحجرة.
همس: (ليلي) مختلطا بفحيح (رمزي) في نشوة جعلت صوتهما يرتفع أحيانا ليصبح مسموعا للجميع.. في وقفته تبول على نفسه.. بكل ما أوتى من غضب ارتطم كتفه بباب الغرفة ليرتطم بدوره بالحائط خلفة منفسخا.. منفتحا كستار مسرح أسود على المشهد الرهيب.
(ليلى) عارية تعانق صديقه رمزي عاريا بذراع.. بينما الذراع الأخرى تحول كتم بكاء الطفلة المسكينة إلى جوارهما.. وقف (عبد الهادي) مذهولا.. وكل خلية في جسده ترتعش.
في صمت الصدمة نزل (رمزي) عاريا من على السرير لينتصب واقفا في رعب أمام (عبد الهادى).. قذف (عبد الهادي) في وجهه ملابسه المتكومة على الأرض ليرتديها.. صفعه علي وجهه صفعة هائلة ليلاحقها بعدها بصفعات بينما يحاول رمزى تغطية وجهه بكلتا يديه.
حتى استطاع أن يجري هاربا بسرعة شديدة لدرجة أنه وقع على السلم.. أمسك (عبد الهادي) بشعر (ليلى) يشدها من ركن الغرفة الذى لاذت به مذعورة ليجذب وجهها إليه فيعالجه بالصفعات الغاضبة، واللكمات المشحونة بالقهر، وهو يسب ويلعن اليوم الذى رآها فيه.
إلحقني يا علي
ألقى بها على الأرض عارية يعالجها بركلات هائلة بحذائه في كل ما تصل إليه قدماه من جسدها العارى.. اتجه فجأة إلى شباك مفتوح في الصالة صارخا بأعلي صوته علي شقيقه الذي يسكن قريبا منه: (إلحقني يا علي.. ليلى بتخونني مع رمزي.. إطلع لى بسرعة) .
تجمع كل الجيران في صالة الشقة المشتركة، بينما كانت (ليلى) قد ارتدت بسرعة ملابس أخرى غير الملابس التي كان (عبد الهادي) مكوما إياها بين يديه.. سألها شقيقه علي: الكلام اللي بيقولوا (عبد الهادي) دا صح؟
أنكرت (ليلى) تماما.. سارعت إلى المصحف وأقسمت عليه أن كل ما قاله (عبد الهادي) تخريف في تخريف.
أصيب (عبد الهادي) بصدمة، خصوصا بعد أن أقسمت ثانية أنها لم تشاهد (رمزي) من لحظة توديع (عبد الهادي) علي رصيف المحطة.. وأن (عبد الهادي) في الفترة الأخيرة يتخيل كثيرا من الأشياء التي لم تحدث، وأنها نصحته أن يذهب لدكتور نفسي تابع للتأمين الصحي ليعالجه.
تبادل (عبد الهادي) النظرات مع شقيقه وبعض المحيطين به ليجد الشك يملأ كل العيون.. بل وحالوا بينه و بين أن يعتدي عليها بالضرب مرة أخرى.. لمح بين الوقوف صديقه (صبري الغندور).
صرخ عليه: أبوس رجلك يا صبري.. تجيب لي (رمزي) بأي طريقه.. يا ريتني ما سيبته يمشي.. لو ما جيبتش (رمزي).. والمصحف الشريف لا أرمي نفسي من الشباك داهو فورا.
رحبت (ليلي) أمام الحضور ووافقت على استدعاء (رمزي).. انطلق (صبري الغندور) ليعود بعد دقائق برمزي، وقد ربط جرحا في رأسه من أثر سقوطه علي السلم.
وقف رمزي أمامهم مرخيا رأسه في حالة إذلال رهيبة.. أمسك (عبد الهادي) بتلابيبه صارخا في وجهه: كنت نايم مع (ليلى) ولا أنا اللي اتهيأ لي يا (رمزي )؟
قال رمزي) وعيناه مثبتتان إلى الأرض وسط الحشد: أن (عبد الهادي) دخل عليهما وهما عرايا يمارسان العلاقة.. وأنها ليست المرة الأولى وإنما هي السابعة.. بينما شقيق (عبد الهادي) يعالجه بصفعات على الوجه والقفا.
صرخ فيه يسأله لماذا فعل ذلك وهو من أعز أصدقاء عبد الهادي؟.. اعترف (رمزي) وقد امتلأ وجهه بكدمات وسحجات أنها هى التي أغوته، وألحت عليه أن ينام معها!
صفعة (عبد الهادي) مرة أخرى وحاول خنقه، إلا أن بعض الأيدى قد خلصت عنقه منه لينصرف هاربا بينما (عبد الهادي يلاحقه بأقذر الشتائم له و لها.. مع انطلاق (رمزي) بالهرب بسرعة تكرر مرة أخري سقوطه على السلم المتهالك.
أصيب (عبد الهادي) بالجنون
أصيب (عبد الهادي) مرة أخري بالجنون، وأخذ يهلوس ويتكلم مع نفسه، بينما الحشد يتابع في حسرة.. التفت (عبد الهادي) لشقيقه: اتصرف يا علي.. أنا مخي اتشل خلااااص.
نظر (علي) إلي (ليلى) المنكسة الرأس ومعها ابنتها، وقال لها أن وجودها بينهم أصبح مستحيلا، وأن عليها أن تغادر الحجرة فورا وبلا عودة.. قبل أن تتحرك (ليلى) سأل علي عبد الهادي: هل تريد الاحتفاظ بابنتك؟
كان رد عبد الهادي صاعقا للجميع: هاعمل بها إيه؟.. دي مش بنتي.. دي بنت (رمزي) وشكله.. شكله ولا مش شكله يا علي؟.. شكله ولا مش شكله يا ناس؟
قالت (ليلى) باكية: هروح فين دلوقت يا خلق .. أبويا و أمى اتشلوا لما هربت معاه.. هروح فين أنا والبنت دى ؟
عاجلها (عبد الهادي) بقفزة غاضبة محاولا الوصول إلى شعرها ليجرجرها خارج الصالة لكنهم منعوه من ذلك، وأمروها جميعا أن تغادر المكان ومعها ابنتها.
طلبت ليلى من علي مبلغا من المال تقطع به تذكره للذهاب إلى دمياط عند خالها.. خرجت من الشقة إلى الشارع وقد أصر (عبد الهادي) أن لا تحمل معها هدمة سوى التي ترتديها .
و..
تحجل عنيك اللؤلؤية..
حجلة واحدة ع الورق
تخرج عواصف م الحروف
متحنجلة ..
ومزلزلة
ومأجلة خروج القواقع من رمال الزلزلة
يا زلزلة مشحونة بالحرف اللى سال.. فوق السطور
أزميل.. ومنجل.. واحتراق للمحتوى
وسيول (جوى).. للاحتياج
والتاج رسمته بمسمارين الدق ..
يا صاحبي صلاح الحب..
فوق نص النافوخ
انفخ فى كل النار.. توهج فى انبلاج الحرف ..
من خنقة غبار القوقعة
انفخ فى وش (الضفدعه) المكروهة منك ..
من قلوب الكائنات
واصهل.. وحرك فى البقايا الميتة
وارسم تابوت للنمل ..
وادخل تانى من قوس التقوس ..
لاجل تظبط جسمك البردان ..
على جسم القصيدة اللى انكسر فيها الضنا
آه يا أنا.. يا انت.. يا موال مازال ..
باحث فى ترنيمة الكنوز عن إسورة
تمسح بها.. سيل العرق
تحجل عنيك اللؤلؤية..
حجلة واحدة ع الورق
يا صلاح.. و ترجع بالحروف الخضرة تاني تضمنا
أوقات نشوفك ابننا
وكتير بتصبح أمنا
وساعات نون.. إحنا اللى رضعناك قلق
يا رحلة البحث الطويله عن (حلق)
و عن الجَمَال اللي انخلق
وعن الشهاب اللي انحرق
وعن الصديق اللي غرق
تحجل عنيك اللؤلؤية.. حجلة واحدة ع الورق
وتفوق كتير م النوم ..
تلاقى الدمع مالى المرتبهة
وحاجات كتير مترتبه جواك ..
ولكن كل ما براك.. حاجات.. تانية.. ماهش مترتبة
ويتوه جناح المركبة فى عنيك.. تدارى فى العطش
وتدارى فى الجوع اللى خاوَى نظرتك
تنده صديق مقتول.. يشيل همك هناك
ويشيل هنا
أول شفايف فى الوجود
تنطق بكلمة جديدة صادقة مؤمنة
يا سوسنة.. لو فيه (رحيق)
وجبال من الشوك الرهيب ..
لو فيه قصادك عسكرى
إزى حالك يا صديق
يا صاحب الجرح اللي كان..
في نهاية المشوار طري
وازى حال البوابات اللى اترسم ..
فوقها جماجم ..
لاجل ما تهدد سيادتك.. لو تحاول تنطلق
تحجل عنيك اللؤلؤية.. حجلة واحدة ع الورق
وتحس بالوحدة المميته.. جوه أفواج الجموع
تمسح دموع الروح ..
وتضحك ع الأبالسة اللى انحنت
وتضيع ما بين.. جبلين.. ما بينهم فلسفة
جبلين.. ما بينهم سفسطة
جبلين.. ما بينهم ثرثرة
جبلين.. تحط يمينك المرعوشة.. ع الجبل القريّب.. ينتنى
وتحط نِن العين على التاني.. يفور
وتدور يا صاحبي كل يوم بين الحطام
ترمى السلام.. على كل خلق الله ..
ولا يردوش سلام
تضحك لكل المخلوقات..
نجمك بقصص جديدة في شكلها
يا صلاح برق
تحجل عنيك اللؤلؤية.. حجلة واحدة ع الورق
من كتاب (مدد.. مدد)
سبرة ذاتية لبلد