(نجيب الريحاني): لولا الموت ما كانت الحياة!
كتب: مروان محمد
على هامش حوار أجرته معه مجلة (الاثنين) في عددها الصادر بتاريخ 25 أكتوبر 1948، استطلعت المحررة آراء الفنان الكبير (نجيب الريحاني) في (الموت، والحياة، وكشكش بك، والقرش الأبيض)، وغيرها من آراء في ممثلين أجانب وزيارته لإيطاليا، فكانت آراءه على النحوالتالي:
منذ أسابيع قلائل، أوفدت زميلتنا (إيماج) أحد محرريها لمقابلة (نجيب الريحاني)، حيث تناول بينهما شئون التمثيل، والرحلات التي قام بها الريحاني إلى الخارج، وما أفاده منها .. ونحن ننشر الصور التي التقطت من خلال ذلك الحديث، ومقتطفات مما قاله (نجيب الريحاني).
ما أشبه قساوة الأيام!.. فإن الجمهور تأذى، كان بالأمس ينسى أحزانه، ويطرح أساه، ويضحك من أعماق قلبه كلما طالعته الشخصية التي عز نظيرها، شخصية _نجيب الريحاني)، بات ليلة الخميس 9 يونيو الماضي، وهو يفيض حزنا، ويتحرق أسى، ويبكي من أعماق قلبه، حين عدا الفناء على شخصية الفنان الفيلسوف (نجيب الريحاني)..!
كنت ترى جمهور (نجيب الريحاني) في بيوتهم ، أو في محل أعمالهم، ثم تراهم بعد أن يخرجو من محراب فنه، وهيكل فلسفته، فتنكرهم، وتحسبهم خلقا جديدا : قلوبهم تفيض سرورا ونفوسهم تطفح بشرا، وأذهانهم تتوقد تأملا وتفكيرا.
فقد كان (نجيب الريحاني) فنانا وفيلسوفا معا.. يرضى في الناس نزعتين: نزعة إلى الفن، ونزعة إلى التأمل.. فكان بذلك صاحب مدرسة فريدة في نوعها، تهدف إلى إشاعة الخير والصلاح في قلوب الناس، وقلب المجتمع، متوسلا إلى ذلك بالفكاهة، وهى الوسيلة التي تتقبلها النفس، وتفضلها على سواها.
فلئن كان (نجيب الريحاني) قد طواه الموت، بعد أن كرس من حياته خمسة وثلاثين عاما يرفه الجمهور، ويثقفهم، ويضحكهم، ويهذبهم في آن معا، فأنى لإنسان أن يكف عن ذكره، والذكر للإنسان عمر ثان.
رأيه في الموت!
جاء ذكر الموت في حديث له مع أحد محررينا، فقال بأسلوبه المرح، وتفكيره العميق: الموت (مقص) الحياة.. ومع ذلك فلولاه ما كانت الحياة.، فهو سر هذه الحركة والسباق.. والكل يعلم أن الدنيا قطار يركبه الإنسان إلى محطة الموت.. ولكن منهم من يركب (الإكسبريس)، ومنهم من يركب (العادة)، ومنهم من يركب (القشاش)، فيصل في أرزل العمر.. ومنهم من يركب رأسه فيرى الناس من القطار، ويصل إلى المحطة، على قطار الأقدار!
(الموت – ياحضرة – لولاه ما صلح صالح.. هذا وذاك يسهر ويتدبر، ويسعى ويستعجل، لكي يأخد نصيبه قبل أن يأتيه الموت.. لا تخف من الموت، وثق أنك لن (تزعل) حيت تموت، لأنك (مش حتلحق تزعل)!
(وأرى عزرائيل الذي يتخيله الناس بشعا رهيبا، ليس إلا ممثلا كوميديا مدهشا، بدليل أنه يضحك الميت فتبتسم أساريره وهو يلفظ أنفاسه الأخيرة.. بينما يبكي المولود حين يرى الدنيا لأول وهلة.
كشكش الزعيم!
وسألنا وزيرا حاليا، ذات مرة ، ممن يرشحه للزعامة فقال:
أرشح (كشكش) للزعامة، لأنه نظيف النفس، طيب القلب، يأخذ دائما دور المظلوم ليدافع عنه بإحساسه.. رجل غيور لم تلوثه أطماع السياسة.. وهو خير من يؤثر في الجماهير، وسر الزعيم في قوة التأثير.
رسالة في الحياة
وسألناه مرة عن رسالته في الحياة فأجاب: رسالتي (شربة( اجتماعية مرة في (برشامة) حلوة.. ظاهرها إضحاك الناس على آلام الناس.. فإذا خلو لأنفسهم تفكروا فبكوا من الألم والعبرة.. ومن هنا تبدأ (الشربة) مفعولها الحقيقي في تنظيف النفوس لا البطون.. ومن كان في (ذمته) وجع، أو في (نفسيته) ورم، زال أو ابتدأ في الزوال!.
القرش الأبيض!
وكانت للريحاني فلسفة في المادة منتزعة من تجارب الحياة، وقد تحدث عنها فقال: في أول العمر.. رأيت اليوم السود، بدون قرش أبيض.. وفي وسط العمر(تكربست) الفلوس على دماغي بوفرة، فلم أعرف لها قيمة، وكنت أصرف ما في الجيب اعتمادا على ما في الغيب.. وأخيرا خشيت أن أشيخ فأهون.. فاعذروني إن أحببت القرش لا لأني أراه خيرا، بل لأكتفي به في الشر، في صيف العمر!.
من مأثوراته
ومن أقواله المأثورة:
** أنا رجل لا أتحمس إلا إذا ضربت (بالشلوت).. فكلما (رقعني) القدر (كفا) تحمست للجهاد، والعمل من جديد.. فشكرا للمصائب!
** سئلت عن عقاب النصاب.. وأقول إن النصاب رجل ذكي مقنع، أوتي من سعة الحيلة، واللباقة، ما يحيل به الباطل حقا.. وضحية النصاب ليس إلا المغفل.. فهل نعاقب ذكيا من أجل مغفل؟! .. المسألة فيها نظر!!
** أظرف الناس في رأيي من لا يتدخل فيما لا يعنيه!.
مجلة “الاثنين” في عددها الصادر بتاريخ 25 أكتوبر 1948