في ذكراه نكشف حوار (لوموند) مع (نجيب محفوظ) عن (يوسف شاهين)
* ضاعف أجري فى “الاختيار” دون أن أطلب رغم أنه منتج الفيلم
* قام بإضافات أفكارعلي ما كتبته فيها عنصر المفاجأة لم تكن ولم تخطر ببالي أبدا
* بسبب هذا المشهد فى فيلم “إبن النيل” قررت متابعة كل أفلامه؟!
* شاهين يصور اليوم فيلما يعالج واحدة من أخطر المسائل التى تهدد هذا المجتمع، وهى التطرف الديني
* (ابن رشد) بالمقارنة مع التيار المتطرف الحالي يبدو عصريا أكثر بكثير!
* (باب الحديد) 1958 الذي يعتبر تحولا فى تاريخ تطور السينما المصرية
* (الناصر صلاح الدين) قريب جدا من الأفلام التاريخية الكبيرة التى تصنعها هوليوود
* لم أكتب كلمة فى سيناريو (صلاح الدين) وأصر (جو( على كتابة اسمي في (التترات)
* (يوسف شاهين) اشترى (الحرافيش) بعد قراءة أول فصل منها، على أن يقدمها كمسلسل تليفزيوني
* (شاهين) اتهم بأنه تعرض للنبي (يوسف) في فيلمه (المهاجر) عام 1994 ، وأنا اتهمت بأنني تعرضت لكل الأنبياء فى (أولاد حارتنا)
كتب : أحمد السماحي
عام 1996 أجرت جريدة (لوموند) الفرنسية حوارا مطولا فى عددها الصادر بتاريخ 24 أكتوبر، مع الأديب العالمي (نجيب محفوظ) عن (يوسف شاهين) ونظرته إلى أفلامه، بمناسبة عرض الأعمال الكاملة لـ (شاهين) فى باريس، ونظرا لأهمية الحوار نعيد من خلال (شهريار النجوم) اكتشاف هذا الحوار، أو الوثيقة النادرة وننشره مجددا فى ذكرى رحيل (نجيب محفوظ) في 30 أغسطس 2006.
* كيف تعرفت إلى يوسف شاهين؟
** (نجيب محفوظ): التقيته عندما عملنا معا على سيناريو فيلمه (الاختيار) عام 1970 ، الفكرة كانت لـ (شاهين) وعرض على مشاركته، ولقد أدهشني عندما طلب مني أن أحدد المبلغ الذي أريده مقابل مشاركته فى الكتابة، وأمام دهشة (شاهين) من الرقم الذي ذكرته وجدته يجيبني: (تلاميذك يأخذون أكثر من ذلك)، ثم من تلقاء نفسه ضاعف المبلغ.
وهذا لم أكن انتظره منه، لأنه كان أيضا منتج فيلمه، ودهشتي لم تتوقف عند هذا الحد، فلقد كتبت قصة تتوالى أحداثها منطقيا من البداية حتى النهاية، ولكنه قام بإضافات عليها فيها عنصر المفاجأة تشكل قفزات غير عادية فى تطور الحدث، تلك الأفكار التى أضافها شاهين لم تكن ولم تخطر ببالي أبدا.
(يوسف شاهين) هو هكذا، إنه يخرج من العادي وهذا لا يعجب كل الناس، إنما (يوسف شاهين) لا يبحث عن (الفرادة) أو غير العادي، من أجل (الفرادة) بحد ذاتها، وهو قريب جدا في الحقيقة المصرية أو الواقع المصري، إن سينما (يوسف شاهين) هى سينما ملتزمة تأخذ موقفا من مشاكل المجتمع العربي.
إنه يصور اليوم فيلما يعالج واحدة من أخطر المسائل التى تهدد هذا المجتمع، وهى التطرف الديني، وهذا الفيلم يركز على سيرة حياة المفكر الإسلامي الكبير (ابن رشد) الذي بالمقارنة مع التيار المتطرف الحالي يبدو عصريا أكثر بكثير، بحيث يمكننا أن نفكر أنه ينتمي إلى القرن العشرين، وأن الذين يتبعون هذا التيار هم المولودون فى العصر الوسيط.
* هل تابعت مسيرته المهنية قبل ذلك وقبل عملك معه؟
** (نجيب محفوظ): بالتأكيد فى أول فيلم شاهدته لـ (يوسف شاهين)هو (إبن النيل) عام 1951، وهناك مشهد لا أنساه أبدا وهو مشهد فيضان النيل مصحوبا بفرح الفلاحين، هذا المشهد له جانب فني مميز، وأعجبني إلى درجة أنني قررت أتابع كل أعمال هذا المخرج الذي كان فى ذلك الوقت ما زال مبتدئا، لقد أحسست أنني لست أمام فنان كبير فحسب، ولكن أمام مخرج يملك أيضا ثقافة واسعة نادرة لدى المخرجين الذين عرفتهم باستثناء المخرج (توفيق صالح).
ومن وجهة نظري إن أهم أفلامه التى لا يمكن أن تمحوها الذاكرة فيلم (باب الحديد) 1958 الذي يعتبر تحولا فى تاريخ تطور السينما المصرية، وفيلم (الأرض) الذي قدم عام 1969 المأخوذ عن رواية (عبدالرحمن الشرقاوي)، ثم فيلم (الناصر صلاح الدين) القريب جدا من الأفلام التاريخية الكبيرة التى تصنعها هوليوود.
* اسمك يظهر فى (جينيريك) فيلم (صلاح الدين)؟
** (نجيب محفوظ): مع أنني لم أكتب كلمة فى سيناريو هذا الفيلم فى الحقيقة، هذه اللوحة التاريخية كان سيخرجها فى الأساس المخرج (عزالدين ذوالفقار) الذي طلب من عدة كتاب بينهم أنا، أن نشارك فى (الاسكريبت).
ولكن حالة (عزالدين ذوالفقار) منعته أن يكمل مشروعه، وتكفل به (شاهين)، ولأن (شاهين) هو (شاهين) غير، وأضاف إلى السيناريو انطلاقا من وجهة نظره الشخصية، إلى درجة أن السيناريو أصبح مختلف تماما عن السيناريو الأصلي، ولكنه أصر على إبقاء أسمائنا.
* كانت هذه آخر مرة فى التعاون أو المشاركة؟
** (نجيب محفوظ): نعم لكن (شاهين) اشترى مني (ملحمة الحرافيش) منذ أن نشرت أول فصل منها في جريدة (الأهرام)، وقد طلبت منه آنذاك أن ينتظر ليقرأها كاملة، ولكنه أجابني أن الفصل الأول كاف بالنسبة له ليعرف التتمة، وأن الانتظار لا يفيد فى شيئ، كانت لديه الرغبة بجعل الملحمة مسلسلا تليفزيونيا، وهذا أعجبني كثيرا، لقد كان من الممكن أن يصنع منها شيئا غير عادي للتليفزيون، ولكنه توجه فى اتجاه آخر مع أفلام طموحة بمشاركة انتاجية فرنسية.
* ما رأيك فى أفلامه الأخيرة؟
** (نجيب محفوظ): مع الأسف إنني لم أستطع مشاهدتها بسبب حالتي الصحية، وضعف نظري، إنما أنا أتابع بإهتمام ما يكتب عن أفلامه، وكذلك أتابع ردات الفعل التى تحدثها هذه الأفلام، وآسف لعدم إمكاني المشاركة فى الجدل الذي يدور حول أعماله.
* أنت فى مجال الأدب وهو في مجال السينما تعتبران الشخصيتين الأكبر شهرة فى عالم الثقافة العربية، هل تجد أن هناك مميزات مشتركة بينكما؟
** (نجيب محفوظ): نحن نتشارك الذاتية المصرية نفسها، فأي من رواياتي وأي من أفلامه هو ثمرة هذه الحقيقة، أيضا عمل كل منا مر بمراحل مماثلة، مثلا مرحلة (الواقعية الجديدة) أنتجت لدي (الثلاثية)، وأنتجت لديه (باب الحديد)، ثم كل منا على طريقته تعمق أكثر فى مرحلة ما في الفلسفة.
ثم أنا أجد أن هنالك دلالة معينة كون كل منا اتهم بأنه تعرض للأنبياء فى أعماله، فأثار حفيظة المؤسسة الدينية: شاهين اتهم بأنه تعرض للنبي “يوسف” في فيلمه “المهاجر” عام 1994، وأنا اتهمت بأنني تعرضت لكل الأنبياء فى (أولاد حارتنا)، القلق والاضطراب والإزعاج الذي دفعناه ثمنا للممارسة الحرة للإبداع الفني يثبت أننا نحن الاثنين فى موقع واحد فى مجابهة عدم الفهم نفسه لطبيعة الفن.